"إن كان الأخ لأخيه عضدًا، فقد صار محمد لأحمدَ كبدًا".. كان يوم 22 يوليو 2022 فاصلاً في حياة الشاب أحمد العيسوي، عندما اختبر ابن محافظة الفيوم محبة شقيقه محمد، في عملية استغرقت 15 ساعة، وهب فيها الأخ الأصغر "محمد" 60% من كبده لشقيقه الأكبر "أحمد" المصاب بتليف في الكبد. منذ الصغر كان المرض مرافقًا لأحمد (26 عامًا)، عيب خلقي في القنوات المرارية أدى إلى ضيق ثم انسداد في هذه القنوات وشعور متكرر ب "مغص" في البطن، بدا كشبح يطل عليه من حين لآخر. كل هذه الأعراض هاجمت الشقيق الأكبر منذ طفولته وحتى ريعان شبابه، بيد أنه لم يدرك أن لهذه الأعراض ثمة خطورة، حتى "زادت نسبة الصفرا عندي، وعرفت وقتها إن عندي تليف في الكبد"، حسب ما يقول أحمد العيسوي في حديثه إلى الشروق. لملم أحمد أغراضه وفرَ إلى القاهرة بحثًا عن العلاج في أحد المستشفيات المتخصصة في زراعة الكبد، كان ذلك في شهر سبتمبر من عام 2021، يقول أحمد " ركبت دعامة في القناة المرارية ثم بدأت رحلة البحث عن متبرع". لعبت الصدفة دورًا في تبرع الشقيق الأصغر محمد بكبده، فلم يكن يومًا بين حسابات الأسرة للتبرع بكبده لشقيقه، ذلك لأن فحوصات الدم السابقة أثبتت أن فصيلة دمه غير مطابقة لفصيلة دم شقيقه المصاب، ومن ثم لا يحق له التبرع، فبحثت الأسرة عن متبرع "ولو بأجر" تكون فصيلة دمه مطابقة لفصيلة دم المصاب. أخيرًا وقع الاختيار على عمة الأخ المصاب، سيدة كبيرة في السن لكن فصيلة دمها طابقت فصيلة دم أبن أخيها، فأصرت على التبرع رغم ممانعة الأسرة، وخضعت العمة لفحوصات دقيقة حتى جاء موعد العملية، هنا وجد أطباء التخدير بأن عمة المصاب غير مناسبة لإجراء العملية، لأنها قد تؤثر على حياتها، يقول أحمد: "فخلاص غيرنا وجهتنا ..أكيد مش هنحيي حد ونموت حد" عادت الأسرة إلى من جديد للبحث عن متبرع، في هذه الأثناء سأل أحد الأطباء الأخ المصاب " طب ما تشوف أخوك تاني يمكن يتبرع لك؟" فأجابه بأن فصيلة دمه غير مطابقة، ليرد الطبيب بإعادة المحاولة "يمكن يكون في خطأ حصل في اختبار فصيلة دم أخيك". وبالفعل كانت المفاجأة، أجرى محمد الشقيق الأصغر اختبارًا لعينة من الدم، فوجدها من فصيلة "A" نفس فصيلة أخيه المصاب " محمد عمل اختبار دم قبل كده و طلعت فصيلته من نوع O لكن كانت النتائج السابقة غير دقيقة". لم يتردد الشقيق الأصغر، وعزم على التبرع بكبده لأخيه، وخضع محمد لفحوصات وتحاليل حتى موعد إجراء العملية، وبحلول يوم 22 يوليو 2022، دخل الشقيقان غرفة العمليات لمدة 15 ساعة، جرى خلالها نقل 60% من كبد محمد إلى جسد أحمد، ورغم الفرحة التي عمت الأسرة بسبب اقتراب شفاء محمد، فقد كانت لحظة دخولهما العمليات معًا صعبة، سيما على الأم التي أصبح ولديها الوحيدين تحت ظروف صحية خطيرة. انتهت العملية بسلام، لكن الشقيقين خضعا لمتابعة صحية دقيقة، تكللت بنجاح لمحمد الذي عاد إلى مسقط رأسه في الفيوم، بينما لا يزال أحمد المصاب خاضعًا لعزل داخل شقة سكنية بالقرب من المستشفى، حتى يتسنى له إجراء الفحوصات الطبية والتأكد من عمل جهازه الكبدي بسلامة وحيوية.