«اعتماد إصلاحات اقتصادية كبرى لخفض العجز فى موازنة العام المالى المقبل سيكون التحدى الرئيسى للحكومة المصرية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وأكبر دليل على ذلك إرجاء تطبيق الضريبة العقارية أكثر من مرة»، هكذا عبر صندوق النقد الدولى، فى أحدث بيان له، الصادر مساء أمس الأول، عن قلقه إزاء مستويات العجز فى مصر. إلا أن الحكومة لديها وجهة نظر مختلفة، فهى ترى إن «التحدى الرئيسى فى موازنة عام 2010/2011 هو تراجع بعض الإيرادات السيادية للدولة، إلى جانب عدم القدرة على تخفيض الدعم بسبب المسئولية الاجتماعية»، على حد تعبير أحمد نظيف، رئيس الوزراء، فى اجتماع مجلس الوزراء، الذى انعقد أمس الأول، لمناقشة المحددات الجديدة لإعداد الموازنة العامة. وبالرغم من هذه الضغوط التى تهابها الحكومة، فإن نظيف قال لكل من يوسف بطرس غالى، وزير المالية، وعثمان محمد عثمان، وزير التنمية الاقتصادية، «اقعدوا مع بعض وهاتولى موازنة عامة للعام المالى الجديد 2010 2011 بأقل نسبة عجز متوقعة»، معتبرا أن «التحكم فى العجز أو الإبقاء عليه دون تغير دليل على أن الحكومة تمسك بزمام الموازنة». وفى هذا السياق، يرى الصندوق إن «تخفيض عجز الموازنة فى العام المالى المقبل عن مستوياته الحالية يجب أن يكون هدفا أساسيا للحكومة المصرية فى الفترة القادمة»، معتبرا أن خفضه بنسبة تتراوح ما بين 1.5 2% سيساهم فى دعم ثقة القطاع الخاص فى الاقتصاد المحلى، ورسم نظرة إيجابية لديه تجاه الإصلاحات الاقتصادية التى تتبناها الحكومة، مما يساعد فى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية. ولتحقيق ذلك، نصح الصندوق الحكومة المصرية على مواصلة اتخاذ التدابير اللازمة التى من شأنها زيادة الإيرادات، مثل تخفيض تكلفة الدعم، وتوجيهه بشكل أفضل للفئات الأكثر احتياجا، إلى جانب مقاومة الضغوط من أجل زيادة الإنفاق العام، وحث الصندوق الحكومة على إعطاء أولوية لمسألة استكمال خطة إلغاء دعم الطاقة، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة «بأقصى سرعة ممكنة». إلا أن مصادر مطلعة أكدت ل«الشروق» أن نظيف أعطى توجيهات بعدم المساس بالدعم وأن «يظل كما هو فى موازنة العام المالى المقبل». وكانت جين كينينمونت، الرئيس المساعد لدراسات منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا فى الايكونوميست، قد أبدت تخوفها من الصعوبات التى ستواجهها الحكومة المصرية فى عام 2010 من متابعة خطوات الإصلاح الاقتصادى، خاصة فيما يتعلق بمسألة الدعم «للحساسية السياسية للخطوات التى يجب أن تتخذها الحكومة فى عام الانتخابات». إلا أن محمود محيى الدين، وزير الاستثمار المصرى، علق على تصريحاتها بقوله «الإصلاحات الاقتصادية لا يعطلها فقط ظروف الانتخابات، بل هناك عوامل أخرى قد ترجح إرجاء تبنى هذه الإصلاحات»، مدللا على ذلك بأن «أهم سياسات الإصلاح الاقتصادى قد تم تطبيقها فى 2005 وهو عام الانتخابات الرئاسية». وضرب مثلاَ بمشروع ضريبة القيمة المضافة المقترح منذ فترة ولم يتم طرحه حتى الآن بسبب أزمة ارتفاع الأسعار، وليس بسبب الانتخابات. وكان العجز الكلى للموازنة قد ارتفع بنسبة 1.4% ليبلغ 57.5 مليار جنيه، فى النصف الأول من العام المالى الحالى (يوليو إلى ديسمبر)، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، ليصل إلى 4.9٪ من الناتج المحلى الإجمالى، تبعا لبيانات وزارة المالية. وتتوقع الحكومة أن تصل نسبة العجز إلى 8.4% بنهاية 2009/2010، مرجحة أن ينخفض العجز إلى 3% بحلول عام 2014/2015، تبعا لما ذكره غالى خلال مؤتمر عبر الهاتف نظمه بنك الاستثمار بلتون مع عدد من محللى بنوك الاستثمار فى سبتمبر الماضى، مستندا فى ذلك إلى الإيرادات المتوقع أن توفرها ضريبة القيمة المضافة، بعد تطبيقها، والتى قدرها بنسبة تتراوح ما بين 2-3% من الناتج المحلى الإجمالى سنويا، «والتى ستكون أحد مصادر التمويل الرئيسية للوصول بالعجز إلى نسبة ال3%». «خفض العجز إلى هذه النسبة مرهون بزيادة استثمارات القطاع الخاص الداعمة للنمو»، من وجهة نظر الصندوق، والذى يرى أن «تخفيض العجز بنسبة 5% من الناتج المحلى الإجمالى على مدار السنوات الخمس المقبلة ممكنا، بالاستناد إلى تجارب الدول الأخرى، وسيؤدى إلى تراجع معدل الدين إلى الناتج المحلى بنحو 15%». وإلى جانب الاهتمام الذى وجهه صندوق النقد لعجز الموازنة، فإنه أيضا أعطى اهتماما كبيرا لمعدلات التضخم المرتفعة فى مصر، معتبرا أن خفضها يجب أيضا أن يكون من أولويات السياسات الاقتصادية خلال السنوات المقبلة. وقد أبدى الصندوق سعادته بالإجراءات المتبعة على صعيد السياسة النقدية خلال الشهور الماضية، ضاربا مثلا بإعلان البنك المركزى عن معدل التضخم الأساسى، وعن سياسته المستقبلية، «مما يعطى المواطنين صورة أوضح لفهم أهداف البنك التى على أساسها يتخذ قراراته». وكان معدل التضخم السنوى فى الحضر قد عاود الارتفاع مجددا خلال يناير ليصل إلى 13.6%، بعد استقراره عند 13.2% خلال كل من ديسمبر ونوفمبر، تبعا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء. وبالرغم من أنه من المتوقع أن يتراجع معدل التضخم خلال الشهور المقبلة، فإن الصندوق نصح بأن «يكون البنك المركزى مستعدا لاتخاذ الإجراءات اللازمة، فى حال عدم حدوث ذلك». وكانت لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزى قد أبقت فى اجتماعها الأخير، فى مطلع الشهر الحالى، على أسعار الفائدة الأساسية عند 9.75% على الإقراض و8.25 % على الإيداع، للمرة الثالثة على التوالى، بعد أن قامت بتخفيضها 6 مرات متتالية خلال العام الماضى. ويحذر من السياسات الطاردة للاستثمار الأجنبى فى الجزائر حذر صندوق النقد الدولى من أن التشريعات الجزائريةالجديدة تجاه الاستثمار الأجنبى قد لا تشجع الشركات الأجنبية على فتح فروع لها هناك. وذكر تقرير للصندوق «أن بطء وتيرة المفاوضات التجارية على المستوى الثنائى والإقليمى، والتشريعات الجديدة تجاه الاستثمار الأجنبى المباشر، قد تعوق مجهودات الجزائر لتحقيق نمو اقتصادى مستدام ومتنوع معتمد على التصدير» واصفا النظرة تجاه مناخ الاستثمار هناك «بأنها لم تتحسن». وتشترط التشريعات الجزائرية أن تكون للجزائر حصة الأغلبية فى مشروعات البترول والغاز وتفرض ضريبة على أرباح البترول عندما ترتفع الأسعار عن 34 دولارا للبرميل. فى الوقت نفسه، عدلت الجزائر نظامها الضريبى بفرض ضريبة بنسبة 15% على تحويلات الأرباح للشركات الأجنبية خارج البلاد. وتشير سالى ميخائيل، محلل مالى أول بالنعيم القابضة، إلى أن ما يزيد من مخاطر الاستثمارات الأجنبية فى الجزائر هو أنه من الواضح أن هذه التشريعات لا تخلو من عنصر السياسة مما يجعل المستقبل عرضة للتخمين. وتوضح ميخائيل أن السوق الجزائرية كانت بها العديد من العناصر الجاذبة للاستثمار الأجنبى مما دفع العديد من الكيانات المصرية والعالمية الكبرى للدخول فيه بسبب «فرص نموه واقترابه من الأسواق الأوروبية والأمريكية وتوافر الغاز الطبيعى فيها بأسعار منافسة»، وقدمت الجزائر العديد من التيسيرات فى مجال الإعفاء والملكية الأجنبية لجذب هذه الكيانات، إلا أن فى الفترة الأخيرة صدرت تشريعات جزائرية غير محفزة للاستثمارات، وضربت مثالا على ذلك باشتراط الجزائر أن توجه نسبة من أرباح الاستثمارات الأجنبية إلى الجزائر كالإنفاق الداخلى أو إعادة استثمارها فى الجزائر. ويقول ممثل لإحدى شركات الاستثمارات المصرية فى الجزائر، طلب عدم ذكر اسمه، أن هذا التغير فى التشريعات الجزائرية، فى اعتقاده الشخصى، يعود إلى إحساس السلطات الجزائرية بأن الشركات المصرية استفادت من التيسيرات الاستثمارية فى الجزائر أكثر من الشركات الوطنية، وأن الشركات المصرية أصبحت تتحكم فى نسبة مهمة من الاقتصاد هناك. وكانت السلطات الجزائرية قد ألزمت العام الماضى أوراسكوم تليكوم بدفع 596.6 مليون دولار كضريبة بأثر رجعى على وحدتها العاملة هناك تحت اسم جيزى، واستأنفت الشركة المصرية ضد القرار. وتعتبر مصر أكبر مستثمر عربى فى الجزائر، وتشمل الاستثمارات المصرية هناك شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة وراية القابضة والسويدى القابضة للكابلات. وعلى صعيد آخر، نبه تقرير صندوق النقد الدولى إلى أن الاقتصاد الجزئرى يحتاج إلى تقليل اعتماده على صناعة الطاقة، وأكد التقرير على أهمية تقليل معدلات البطالة بين الشباب. ويشير التقرير إلى أن نمو القطاع غير البترولى فى الجزائر، الدولة العضو فى منظمة الأوبك، تراجع هذا العام إلى 5.5% مقارنة ب 9% خلال عام 2009. ومن ناحية أخرى، يقول عمر دروزة، مدير علاقات المستثمرين بأوراسكوم للإنشاء والصناعة، أن الشركة لا تشعر بوجود قيود على استثماراتها هناك فى قطاع المقاولات، حيث إنها تدفع ضرائب على هذا النشاط بنسبة 19% ، بينما تدفع ضريبة على هذا النشاط فى أسواق أخرى بين 15% و 20%، هذا إلى جانب أن مصنع الأسمدة، الذى تتشارك فيه أوراسكوم مع شركة سوناطراك الجزائرية، ومتوقع أن يبدأ فى العمل نهاية 2010 معفى من الضرائب، معلقا بأن «شراكتهم مع سونطراك الجزائرية يشعرهم بالأمان».