"لا يستوعب المرء اللحظات ذات الأهمية الحقيقية في حياته حيانًا إلا بعد فات الأوان".. تنسب هذه الكلمات للكاتبة الإنجليزية أجاثا كريستي، والتي تحل اليوم ذكرى ميلادها، وهي تعد من أبرز مؤلفي الروايات البوليسية في القرن العشرين، ولقد عُرفت أجاثا كريستي بأنها «ملكة الجريمة» وصاحبة الكتب الأكثر مبيعًا، وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 100 لغة حول العالم، وباعت أكثر من مليار نسخة وكانت أول من تلقى جائزة "جراند ماستر" وهي أعلى تكريم لكُتاب الغموض في أمريكا. وتربعت أجاثا كريستي، على عرش روايات الجرائم الإنجليزية طوال نصف قرن دون مزاحمة، واحتلت مكانة متفردة في مجال أدب الجريمة على صعيد عالمي، وحرصت على استخدام لغة بسيطة سلسة، مما ساهم في انتشار أعمالها الأدبية وترجمتها إلى مختلف لغات العالم. وتلجأ الكاتبة إلى كم هائل من الألغاز والحبكات الغامضة سواء كان ذلك في البناء القصصي أو في الحوار أو الشخصيات، وتتعمد كثيرًا اختيار مواقع أحداث مشوقة والتي تكون غالبا: مواقع أثرية، ومدن شرقية، ومعابد، وقصور ذات طابع، وفنادق مميزة، وقطارات أو طائرات، ومضايق صحاري مقطوعة، وأنهار لها تاريخ. • النشأة ولدت في 15 سبتمبر 1890، وتمتعت أجاثا كريستي بطفولة سعيدة، حيث تقول إنني قضيت طفولة مشردة إلى أقصى درجات السعادة، تكاد تكون خالية من أعباء الدروس الخصوصية، فكان لي متسع من الوقت لكي أتجول في حديقة الأزهار الواسعة وأسبح مع الأسماك ما شاء لي الهوى!. وساهمت والدتها في دفعها إلى التأليف والكتابة فقد كانت سيدة ذات شخصية وتأثير قوي وكانت تعتقد اعتقادا راسخا أن أطفالها قادرين على فعل كل شيء، وذات يوم أصبيت أجاثا ببرد شديد ألزمها الفراش، فطلبت منها والدتها أن تقضي وقتها في كتابة تقطعي قصة قصيرة، وبالفعل استمرت اجاثا من الكتابة وتقول: "قضيت السنوات القليلة التالية أكتب قصصا قابضة للصدر يموت معظم أبطالها!، كما كتبت مقطوعات من الشعر ورواية طويلة احتشد فيها، عدد هائل من الشخصيات بحيث كانوا يختلطون ويختفون لشدة الزحام، ثم خطر لي أن أكتب رواية جرائم، ففعلت واشتد بي الفرح حينما قبلت الرواية ونشرت، وكنت حين كتبتها متطوعة في مستشفى تابع للصليب الأحمر إبان الحرب العالمية الأولى". وعملت كريستي في المستشفى خلال الحرب العالمية الأولى قبل زواجها وتكوين أسرة في لندن. وقالت إن بدايتها غير ناجحة في نشر أعمالها، ولكن في عام 1920 نشرت روايتها "قضية ستايلز غامضة" في صحيفة رئيس بدلي ومن هنا كانت انطلاقة مسيرتها الأدبية. • تعليمها تلقت أجاثا تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العائلات الميسورة حسب التقليد، ثم التحقت بمدرسة في باريس وجمعت بين تعلم الموسيقى والتدريب عليها وبين زيارة المتاحف والمعارض الكثيرة في فرنسا ولم تعجب بأساطين الرسم الزيتي في القرنين السادس عشر والسابع عشر وتلك مسألة تنم عن غرابة وخروج على المألوف في مثل هذه الحالات. وكان زواجها الأول من العسكري البريطاني أرتشي كريستي عام 1914 ومنه أخذت لقبها الذي لازمها طوال حياتها، ولكن زواجها منه فشل، وفي عام 1930 تزوجت أجاثا كريستي من ماكس مالوان عالم الآثار المعروف بعد أن التقت به في إحدى سفراتها إلى الشرق، حيث عاشت معه في سوريا والعراق عندما كان يقوم بأبحاثه، وكان عمرها يومذاك 39 سنة بينما كان عمره 26 سنة. • اختفاء أجاثا كريستي في عام 1926 اختفت أجاثا كريستي لمدة عشرة أيام، وقد اشترك الشعب البريطاني في البحث عنها سواء مباشرة أو بمتابعة أخبارها، ولم يعرف أحد سبب ذلك الاختفاء، لكن التكهنات عزت العملية إلى خوفها من فقدان والدتها أو تأثرها بفقدانها، لكن جانيت مورغان التي كتبت سيرتها عام 1985 أرجعت السبب إلى صدمة عاطفية كبيرة ولكن صدمتها تلك كانت الثانية، بعد صدمتها الأولى في إخفاق زواجها من ارتشي كريستي وقد أخفت الكثير من ملابسات طلاقها، وتفاصيل اختفاءها شأنها في كل قصصها ومن هول الصدمات فقد فقدت الذاكرة لدرجة انها تركت سيارتها على الطريق ذهبت إلى إحدى الفنادق وكانت تسأل الناس من أكون إلى أن تعرف عليها أحد الأقارب. •موقعها في الأدب البوليسي تربعت أجاثا كريستي على عرش روايات الجرائم الإنجليزية طوال نصف قرن دون مزاحمة، ولعل دراسة الناقدة البريطانية (جوليان سيمونز) عن أدب الجريمة وتقنيات روايات الجرائم التي صدرت بعدة طبعات منذ عام 1985، تمنح أجاثا كريستي المكانة التي حققتها في ميدان أدب الجريمة على صعيد عالمي، وقارئ كريستي بالإنجليزية يلحظ دون أدنى شك أنها استخدمت لغة وسطى سلسة، أنها لم تكتب بلغة شكسبيرية عالية رغم أنها ارتقت بأعمالها عن مستوى الإنجليزية المتداولة أعني لغة المحادثة اليومية ولعل هذا يفسر رواج قصصها ورواياتها لدى الأوساط الشعبية في بريطانيا وأوروبا وما وراء البحار، كما يفسر سهولة ترجمتها إلى مختلف لغات العالم. •أعمالها الأدبية تعد أول رواياتها هي رواية ثلوج على الصحراء، والتي لم يقبلها أي من الناشرين، وألفت بعدها رواية أخرى وهي قضية ستايلز الغامضة التي ظهر فيها هركول (هيركيول) بوارو (المحقق) للمرة الأولى وقد أدخلتها هذه القصة عالم الكتابة عندما قبلها أحد الناشرين بعد أن رفض ستة من الناشرين طباعة وتوزيع روايتها. وألَّفت كريستي، العديد من روايات الجرائم من بينهم: لغز القطار الأزرق، وجريمة في القرية، والسيد كوين الغامض، وتحريات باركر بين، وجريمة عيد الميلاد، وفي النهاية يأتي الموت، ومبنى الرجل الميت، وبعد الجنازة، وحفلة الهالوين.