«عميد الأدب العربي، قاهر الظلام، صاحب المشروع الفكري المستنير»، ألقاب طه حسين الذي دار جدل واسع حول مصير مقبرته خلال الأيام الماضية، انتهى بشطب كلمة "إزالة" من على مقبرته، وهي التفاعلات التي دارت حول اسم طه حسين، لتعيد «الشروق» التذكير بأحد أهم مؤلفاته الذي دفع به نحو العالمية «الأيام». ترشح عميد الأدب العربي لنيل جائزة نوبل العالمية أكثر من مرة، ورغم أنه لم يحالفه الحظ في التتويج بها، إلا أنه امتلك مشروعا ثقافيا متكاملا، جعله الأكثر حضورا وتأثيرا، ليس في أبناء جيله وحسب، وإنما الآن، حيث كان حاضرا بقوة، غير منعزل عما دار حول مصير مقبرته. كتاب «الأيام» يعد أحد أشهر مؤلفات عميد الأدب العربي، والذي تعرف منه خلاله الملايين على طه حسين كأديب ومفكر مصري امتلك من النبوغ والتفوق ما ساعده على إثبات ذاته على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها في حياته، والتي يأتي في مقدمتها فقدانه لبصره، وهو ما يزال طفلاً صغيراً ولكنه أثبت بمنتهى التفرد والأصرار أن للإنسان قدرات خارقة لا يجب أن يعرقله معها عجزه عن تحقيق الانتصارات والأمجاد. يبرهن كتاب الأيام، الذي يعد من أشهر أعماله الأدبية، كما يعد من أوائل الأعمال الأدبية التي تناولت السيرة الذاتية، على مجموعة من المفاهيم الأساسية حول الدكتور طه حسين، ومشواره ومشروعه، أولها أنه لم يكن مجرد أديب عصامي يعاني "العمى"، وإنما هو إنسان نادر الوجود، وضع نفسه بقوة بين أيقونات الأدب ورموزه اللذين رسموا التاريخ الثقافي للبلاد. طغت على كتاب الأيام مجموعة من التفاصيل الثرية، التي كان لها طابع الشمول والدقة المتناهية، والأسلوب الجذاب واللغة التي وظفها ليجعل من القارئ جزء لا يتجزأ عن النص وأحداثه وأبطاله، حيث اعتبر كتاب الأيام، واحدا من المؤلفات التي لديها القدرة على أن تبث في نفوس القراء، روح الإصرار والعزيمة على تخطي الصعاب والتحرر من القيود، للوصول إلى مانريد وبلوغ مانصبو إليه، وهو ماحققه طه حسين نفسه. يستطيع قارئ كتاب «الأيام» أن يجد نفسه في القلب تماما من مشهد يرسمه طه حسين ببراعة عن تلك الأجواء الحزينة، في قرية الطفل طه حسين، وهو المكان الوحيد الذي أبصر فيه حسين النور قبل أن يخبو من عينية، بفعل حلاق يمتهن الطب، في قرية تشبه العديد من أمثالها، كانت تعاني في ذلك الوقت من مساوئ الجهل والفقر. تجاوزت أهمية كتاب الأيام، كونه أحد أفضل مؤلفات السيرة الذاتية على الإطلاق، إلى اكتساب أهمية تتعلق بتوثيق الحياة الاجتماعية والسياسية لمصر في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، حيث تصدى عميد الأدب العربي بقلمه السلس وتوصيفاته المتفردة إلى مظاهر الجمود والتخلف في رائعته "الأيام"، التي وثقت لسيرة رجل صارع العمي حتي صرعه ، وطلب العلم حتى ناله، ومنحه إلى أجيال كاملة من بعده. يسلط الكتاب الضوء على مراحل ارتبطت بمواقف الدكتور طه حسين في الحياة، حيث دخوله الأزهر في سنّ الثالثة عشر، ليدرس فيه مدة من الزمن، وحينها ستتشكل قناعاته بضرورة تسريع حركة التطوير والتغيير، ثم يتجه للانتساب إلى الجامعة المصرية، التي فتحت أبوابها في 1908، ليدرك أهمية ترقية التعليم في البلاد، قبل أن يغادر البلاد إلى جامعة "مونبلييه" الفرنسية، ليدرس هناك التاريخ الحديث وعلم النفس واللغة الفرنسية وآدابها. الظروف والعقبات التي واجهت طه حسين وانتصر عليها في زمانه، تشبه تماما ما جرى في أيامنا الحالية بعد رحيله، حيث تمكن من مرقده، أن يحافظ على مكانه ومكانته، وأن يحول الحديث عن قرارات إزالة مقبرته، إلى مطالب جادة عن احتفاء يليق به في هيئة مقبرة تاريخية تشبه مقابر العظماء في عدد من دول العالم. ووقفت سيرة طه حسين بعد وفاته في أيامنا الحالية، قوية وشامخه، أشبه تماما بسيرته التي رصدها في حياته، والتي قضاها صامدًا شامخًا رغم الظروف التي عاشها، حيث أبرز كتاب الأيام على مدار "3 أجزاء"، الأول منها تعلق بالأحداث منذ الميلاد و حتى ذهابه إلى الأزهر فى سن الثالثة عشر، والثاني يتناول الأحداث منذ انتقاله إلى القاهرة للدراسة في الأزهر وحتى بداية فترة الجامعة، والأخير، فترة الجامعة وبعثته إلى فرنسا.