نشر المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا بتاريخ 7 أغسطس للكاتبة فاطمة الخضرجى، تناولت فيه تأثير تلوث الهواء على الصحة والاقتصاد، وجهود الحكومة المصرية لتحسين جودة الهواء... نعرض من المقال ما يلى: أصبح العالم أكثر اهتماما بالعوامل البيئية التى تؤثر بشكل مباشر على الإنسان، سواء صحيا أو اقتصاديا أو حتى سياسيا، فزيادة الانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحرارى، فضلا عن باقى الملوثات الأخرى لها تأثيرات سلبية خطيرة تهدد الحياة على الكوكب كله، وتنذر بأخطار كبيرة على البيئة والنظم الإيكولوجية وعلى صحة الإنسان. ومن هذه العوامل البيئية جودة الهواء والتى تعنى درجة نقاء الهواء حولنا وخلوه من الملوثات والشوائب مثل الدخان والغبار وغيرها، حيث تعتمد جودة الهواء على ثلاثة عوامل رئيسية هى: كمية الملوثات، ومعدل إطلاقها فى الغلاف الجوى، ومدة احتجازها فى منطقة ما. وتبذل مصر جهودا كبيرة لتحسين جودة الهواء، وقد حققت نجاحات مهمة فى هذا المجال، وإن كان ما زال علينا بذل المزيد من الجهد، خاصة فى ظل الاتجاه العالمى للأخذ بمعايير أكثر تشددا تناسب التقدم فى الدراسات العلمية، وإدراكنا للمخاطر المتزايدة الناتجة عن التلوث. ملوثات الهواء تتدهور جودة الهواء بسبب الانبعاثات اليومية من مصادر تلوث الهواء الطبيعية، مثل الانفجارات البركانية وغبار العواصف، أو مصادر من صنع الإنسان مثل محطات الطاقة والمصانع والمحركات وحرق الأخشاب والفحم ومدافن النفايات، أو العوادم التى تطلقها وسائل النقل المختلفة مثل الطائرات والسيارات. وقد تم اختيار مجموعة من الملوثات البيئية ذات التأثير المباشر على الصحة العامة والمنشآت، ليتم رصدها بواسطة برنامج المعلومات والرصد البيئى التابع لوزارة البيئة المصرية، حيث يمكن تقييم نوعية الهواء فى المناطق التى يتم فيها القياس من خلال متابعة تركيزاتها ومعدل تصرفها فى الهواء، وتشمل هذه الملوثات: الجسيمات الدقيقة العالقة فى الهواء، ثانى أكسيد الكبريت، أكاسيد النيتروجين، أول أكسيد الكربون، كلوريد الهيدروجين وغيرها. التأثير الصحى والاقتصادى لتلوث الهواء أشارت تقديرات منظمة الصحة العالمية WHO لعام 2018، وفقا لتقييم أجرته لأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض الجهاز التنفسى، إلى أن أكثر من 90% من الوفيات من أصل 7 ملايين حالة سنوية تقع جراء التعرض للجسيمات الدقيقة فى الهواء الملوث. وطبقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية فإن 9 من كل 10 أشخاص يتنفسون هواء يتجاوز الحدود الإرشادية للمنظمة، كما صنفت إقليم شرق المتوسط من أشد مناطق العالم فى تلوث الهواء خلال الفترة من 2005 إلى 2018. ونتيجة لتأثير الجسيمات الدقيقة العالقة فى الهواء على صحة الإنسان، فقد حددت منظمة الصحة العالمية متوسط تركيز سنوى من تلك الجسيمات بنحو 10 ميكروجرام/م3 من نوع PM2.5، وهى مواد جسيمية صغيرة جدا لا تتجاوز بحجمها 2.5 ميكرو متر، ومنها الأمونيا، الكربون، الرصاص، السلفيت، والنيتريت. وقد بلغ المتوسط السنوى لتركيز هذه الجسيمات بالقاهرة الكبرى خلال فترة 18 عاما نحو 84 ميكروجرام/م3، بحد أدنى 66 ميكروجراما/م3 فى 2016، متخطيا تلك التركيزات، مما تسبب فى ارتفاع متوسط الوفيات السنوية بنحو 12600 حالة وفاة. أما عن التأثير الاقتصادى لتلوث الهواء، فإن التأثيرات السلبية على الصحة وزيادة الإصابة بالأمراض المختلفة وزيادة معدلات الوفاة نتيجة ملوثات الهواء، تسبب تداعيات على النظم الصحية فى الدولة وتزيد من العبء على المستشفيات والمراكز الطبية، كما تتراجع إنتاجية العمال نتيجة المرض أو الغياب. وطبقا للأبحاث التى أجرتها كلية الطب بجامعة واشنطن فى سانت لويس، فقد أسهم التلوث فى حدوث 3.2 ملايين حالة داء سكرى جديدة على مستوى العالم فى عام 2016، أى نحو 14% من جميع حالات السكرى الجديدة على مستوى العالم فى ذلك العام. وقد قدرت التكلفة السنوية لتلك التأثيرات الصحية فى القاهرة الكبرى بنحو 47 مليار جنيه فى 2016 – 2017 بما يعادل 1.35% من الناتج المحلى الإجمالى لمصر فى العام نفسه. الجهود المصرية لتحسين جودة الهواء عملت مصر فى استراتيجية مصر 2030 على مراعاة البعد البيئى فى كل الخطط والبرامج الاقتصادية، وتضمنت الاستراتيجية عدة برامج قومية فى مجال تحسين نوعية الهواء، حيث تهدف الحكومة إلى خفض تلوث الهواء بنسبة 50% بنهاية عام 2030، وبالفعل انخفضت درجة تركز الجسيمات الدقيقة العالقة الملوثة للهواء فى القاهرة بنحو 25% على مدى العقد الماضى. كما تمت زيادة عدد محطات الشبكة لتبلغ 108 محطات رصد عام 2020 موزعة فى أنحاء الجمهورية، لتوفير بيانات الرصد الصحيحة لمتخذى القرار لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين جودة الهواء. أما الشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية فهى تهدف إلى الرصد اللحظى لحيود انبعاثات مداخن المنشآت الصناعية عن الحدود المسموح بها باللوائح التنفيذية، وتمت زيادة عدد المنشآت الصناعية المرتبطة بالشبكة القومية لرصد الانبعاثات الصناعية عام 2020 إلى 76 منشأة صناعية بعدد 352 نقطة رصد تشمل العديد من القطاعات الصناعية. قامت الحكومة المصرية أيضا بالانتهاء من وضع الاشتراطات والضوابط البيئية للنماذج المطورة لإنتاج الفحم النباتى، وأهمها الصوب الحرارية؛ حيث تحافظ على الشكل التقليدى للمكامير بجودة أعلى مع التغلب على السحابة الدخانية الصادرة منها، كما أصدرت الإجراءات اللازمة لتوفيق الأوضاع البيئية للمكامير الحالية، كما تم تطوير آلية تمويلية من جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر عن طريق إتاحة قروض ميسرة بمنحة 20 % مقدمة من وزارة البيئة لمساعدة أصحاب المكامير فى أعمال التطوير. هناك كذلك منظومة الإنذار المبكر التى تهدف إلى التنبؤ بتأثير العوامل الجوية على جودة الهواء لمدة ثلاثة أيام مقبلة وتحديثها يوميا من خلال صفحة الإنذار المبكر بموقع وزارة البيئة، وتم زيادة القطاعات الجغرافية التى يتم دراستها من ستة إلى ثمانية قطاعات لتشمل جميع أنحاء الجمهورية، بالإضافة إلى زيادة نقاط الدراسة داخل القطاعات السابقة والجديدة لتعزيز نتائج التنبؤ بنوعية الهواء من 34 إلى 58 نقطة دراسة. من جانبه، قدم البنك الدولى دعما لمصر بقيمة 700 ألف دولار، ليسهم فى وضع استراتيجية وخطط لإدارة تلوث الهواء بمنطقة القاهرة الكبرى، من خلال مجموعة من الدراسات لتنسيب الملوثات لمصادرها، وهى تقنية حديثة يجرى حاليا إضافتها لمنظومة الرصد والتحليل والإدارة فى الهواء المحيط، مما يساهم فى خفض حقيقى لنسب وتركيز الجسيمات الصلبة العالقة فى هواء القاهرة. أخيرا، هناك مشروع تحسين جودة الهواء ومكافحة تغير المناخ بالقاهرة الكبرى والذى يهدف إلى وضع خطة تنفيذية لإدارة جودة الهواء والتغيرات المناخية فى القاهرة، من خلال تحديث نظام رصد جودة الهواء، وتدعيم قدرة السكان فى منطقة القاهرة الكبرى على مواجهة حالات ارتفاع التلوث، علاوة على المساهمة فى تقليل انبعاثات المركبات بدعم تجربة النقل الكهربى فى القطاع العام، والبنية التحتية له، وذلك بتكلفة 200 مليون دولار. كما انعكست جهود الحكومة المصرية فى إصلاح سياسات الطاقة والتوسع فى استخدامات الطاقة المتجددة، على تحسن مؤشرات جودة الهواء وانخفاض معدل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى فى القاهرة، وقد أثبتت مقارنة نتائج دراستى البنك الدولى تحسن جودة الهواء بالقاهرة بين عامى 1999 و2017. النص الأصلى: