حصلت "الشروق" على حيثيات حكم الإعدام على قاتل نيرة أشرف طالبة المنصورة وجاء بها: حيث إن المتهم إذ سُئل بتحقيقات النيابة العامة - في حُضور محاميه الأستاذ محمد إبراهيم شاهين - اعترف بارتكابه الوقعة، اعترافًا تفصيليًا على النحو الذي أسلَفته المحكمة في إيراد مُؤدى هذا الاعتراف كأحد أدلة الإثبات. وبجلسة المحاكمة ترافعَت النيابة العامة والتمَست توقيع عقوبة الإعدام على المتهم، وأُثبتت مرافعتها بمحضر الجلسة، وحضر محام عن المدعي بالحق المدني وادعى مدنيًا بمبلغ مائة ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت وصمَّمَ على طلباته، والمحكمة استجوَبت المتهم بعد موافقة الدفاع - الأصيل - الحاضر معه، فاعترف مُجددًا بارتكابه الوقعة بعد تفكير في قتلها ثأرًا لكرامته لمَّا نَكثَت بعهودها وابتعدت عنه حين عَمِلت "مُوديل" فاشترى سكينًا ونوى قتلها به، وفي يوم الحادث ركب حافلة نقل الطلاب من المحلة الكبرى إلى المنصورة الساعة العاشرة والنصف صباحًا وهو يُحرز السكين، ولمَّا وجدها من بين ركابها قرَّرَ قتلها لو سَنحت له الفرصة تنفيذًا لِما انتواه من قبل، ولمَّا وصلت الحافلة إلى جامعة المنصورة ونزلت منها سار خلفها وطعنها بالسكين. وأضاف بجلسة المحاكمة، أنه كان يُلبي جميع طلباتها بعد ارتباطهما ببعضهما إلا أنها اعتبرته مرحلة في حياتها، وأنها أثارت حفيظته وهو في الحافلة بالنظر إليه وإطلاق الضحكات غَمزًا ولمزًا، ومن هنا فَكَّر في قتلها، وأنَّ إحرازه السكين المُستخدم في الحادث كان للدفاع عن نفسه فيما لو دفَعت المجني عليها أحدا للاعتداء عليه. والدفاع الحاضر معه طلب تعديل القيد والوصف من القتل العمد مع سبق الإصرار إلى الضرب المفضي إلى الموت المؤثم بالمادة 236 عقوبات، وعَرْض المتهم على الطب الشرعي لبيان مدى سلامة قواه العقلية واتزانه النفسي، وما به من إصابات، كما طلب مناقشة شهود الإثبات السادس والثاني والعشرين والثالث والعشرين، وفحص الهاتف المحمول الخاص بالمتهم لتفريغ محادثاته مع المجني عليها إن وُجد، والتمس القضاء ببراءته مما أسند إليه تأسيسًا على انتفاء القصد الجنائي ونية القتل، وانتفاء ظرف سبق الإصرار، وتناقض أقوال الشهود وقُصور التحقيقات، وانتفاء جريمة القتل العمد بركنيها المادي والمعنوي وعدم وجود سوابق للمتهم. ولدى استشعار المحكمة التعرض لِعِرض المجني عليه، قررت عقد جلسة سرية ليُبدي دفاعه في هذا الصدد، فطلب مناقشة والد المجني - في هذه الجلسة السرية - الذي قال ردًا على أسئلته، إنه لم يطلب من المتهم مَساعدته في إعادة ابنته المجني عليها على أثر غيابها وإنَّ غيابها كان بمناسبة عملها في القاهرة وغيرها والذي يَعلم طبيعته، ثم استكمل الدفاع مرافعته، ولم يُصمِّم على سماع أي شهود آخرين، ولا الذين ذكرهم في بَدء مرافعته، واختتم بطلب استعمال أقصى درجات الرأفة مع المتهم. وحيث إنه عما أثاره المتهم في اعترافه بجلسة المحاكمة - ولم يذكره في اعترافه بالتحقيقات - من أنَّ المجني عليها أثارت حفيظته بضحكاتها داخل الحافلة التي وجدها فيها، فمَردودٌ عليه بأن اعترافه بتحقيقات النيابة العامة تَطمئن إليه المحكمة وتأخذ به إذ تثق في صحته رغم تغييره في جُزء منه بجلسة المحاكمة، وذلك بما لها من سلطة تجزئة الاعتراف وعدم التزامها بنصِّه وظاهره، وبما لها أيضا من أن تأخذ منه ما تراه مُطابقا للحقيقة، وأن تَعرض عما تراه مُغايرا لها، ذلك أن المتهم عندما صَعد الحافلة مُتوجهًا للجامعة، كان عاقد العزم مُبيت النية على قتل المجني عليها وشفاء غليله منها وليس كما ادعى أنها أثارت حفيظته بالضحك داخل الحافلة وذلك ثابت من اعترافه نصًا في التحقيقات وهو يُعلل زمان ومكان قتل المجني عليها قائلا: "عشان أنا مُتأكد إنها هتنزل الامتحانات، وساعتها هعرَف أخلَّص عليها وأعمل اللي نفسي فيه، لأن أنا كنت عارف إنها طول فترة الدراسة بتكون في القاهرة أو شرم الشيخ وكانت بتيجي الامتحانات". ويُضاف إلى ذلك ما تضمنته رسائل التهديد المُرسلة منه للمجني عليها ونَصُها: "وديني لادبحك". وكذلك من تَقصِّيهِ مواعيد الحافلات التي تستقلها المجني عليه من زميلتها مَي إبراهيم البسطويسي". كما يؤكد عدم استفزازه، أنَّ هذا القول المُرسل الذي قاله يُناقض ما شهدت به مِنَّة الله محمد البشبيشي بالتحقيقات، من أنها والمجني عليها وباقي زميلاتها لم يُشاهدن المتهم في الحافلة التي أقلتهم يوم الحادث طيلة الرحلة، نظرًا لركوبهن في مقدمتها والطلبة الذكور في المؤخرة. ولم تقل أنَّ المجني عليها قد استفزته. وأمَّا ما ادعاه المتهم بجلسة المحاكمة - ولم يقله في اعترافه بتحقيقات النيابة العامة - من أن إحرازه السكين كان للدفاع عن نفسه فيما لو دفعَت المجني عليها أحدًا للاعتداء عليه، فإن هذا القول يُغاير الحقيقة التي أكدها في اعترافه بالتحقيقات، من أنه اشترى السكين كأداة للقتل لإجادته استعماله بصفته يعمل طباخًا ولعلمه بالمقاتل من جسم الإنسان. وقد اطمأنت المحكمة على النحو مار البيان إلى مطابقة ذلك للحقيقة والواقع، وعليه، فإن مَقولة المتهم مارة البيان لا تؤثر في عقيدة المحكمة لمُخالفتها لكل المُمكنات العقلية والاستنتاجية التي تؤكد حمله للسكين المستخدم في الحادث بنية استخدامه في قتل المجني عليها وليس للدفاع عن نفسه كما حاول أن يُصَور للمحكمة ويَزعم، يُضاف إلى ذلك ما اعترف به المتهم نفسه في التحقيقات نصًا: "أنا من رمضان اللي فات قرَّرت إنْ أنا أخلَّص عليها وأنتقم لنفسي، واستنيت الامتحانات بتاعة الترم الثاني، وأنا فكرت إني أخلَّص عليها في ثالث يوم امتحان ليها وأنفذ قتلها بسكينة، وأنا اشتريت السكين بعد أول امتحان بأسبوع أي في 1/6/2022" وكذلك ما اعترف به نصًا في الصحيفتين الثانية عشرة والثالثة عشرة: "وامبارح قبل الامتحان الخامس كنت بكلم واحدة صاحبتي لقيتها عارفة الحوار اللي بيني وبين نيرة وعارفة كل حاجة عننا، فأنا قلت أنا لازم أخلَّص عليها ومخليهاش على وش الدنيا ونزلت النهاردة 20/6/2022 ومعايا السكينة، ولقيتها قاعدة هي وزمايلها، ولمَّا شوفتها قلت دي فرصة إني أنا أريَح نَفسي وأخلَص منها وهي نازلة من الباص، وأول ما نزلنا هي كانت سابقاني بشوية، وأنا نزلت وكان كل اللي في دماغي إنْ أنا أروح أخلَّص عليها، ومَشيت وراها وأول ما قرَّبت منها، طلعت السكينة من الجراب اللي أنا كنت حاططها فيه وشَفيت غليلي منها". وقال عن سبق إصراره - أيضًا - في موضع آخر بالصحيفة التاسعة عشر نصًا: "أنا صَحيت النهاردة خَدت السلاح في جرابه وحطتيه في جنبي اليمين، ونزلت اتمشيت لحَد مَوَصَلت المشحمة، واستنيت الأتوبيس بتاع شركة سركيس علشان أوصل المنصورة وأخلَّص عليها، ولما طلَعت الأتوبيس لقيتها قاعدة فيه، وطول الطريق كنت بفكَّر أقوم أخلص عليها، واستنيت لما تنزل وطلعت أجري وراها، وقبل ما أخُش عليها طلَّعت السلاح من جنبي، ونزَلت فيها طعن بالسلاح، وفيه ناس جَت تحُوش هوِّشتهم بالسلاح ورُوحت نازل عليها تاني ودابحها من رقبتها، وساعتها الناس مَسكتني وسلموني للشرطة". وهو ما يَقطع بتَبييت نيته وانعقاد عزمه على قتلها في هذا الزمان والمكان وليس لأنها أثارت حفيظته في الحافلة. وحيث إنه عن طلب الدفاع تعديل القيد والوصف بجعله ضربًا أفضى إلى الموت، فهو في حقيقته دفع بانتفاء نية القتل، التي سَيرد حديث الحكم عنها على نحو ما سيرد بيانه عند التحدث عن قصد القتل. وحيث إنه عن طلب الدفاع عَرض المتهم على الطب الشرعي لبيان مدى سلامة حالته العقلية واتزانه النفسي ساعة ارتكابه الجريمة، فلما كان النص في المادة 62 من قانون العقوبات المُستبدلة بالقانون رقم 71 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض النفسي وتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، قد نص على أنه: "لا يُسأل جنائيًا الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي لفقده الإدراك أو الاختيار، أو الذي يُعاني من غَيبوبة ناشئة عن عقاقير مُخدرة أيًا كان نوعها إذا أخذها قَهرًا عنه أو عن غير علم منه، ويَظل مَسئولاً جنائيًا الشخص الذي يُعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدى العقوبة" وهو نَص مُستحدث تَمَثل في إضافة الاضطراب النفسي للمتهم، إذا ما أفقده الإدراك أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة، واعتبره سببًا للإعفاء من المسئولية الجنائية، أما إذا اقتصر أثره على الإنقاص من إدراك المتهم أو اختياره فيظل المتهم مسئولا عن ارتكاب الجريمة، وإن جاز اعتبار هذا الإنقاص ظرفًا مُخففًا يَصح للمحكمة الاعتداد به عند تقدير العقوبة التي تُوقَع عليه. لما كان ذلك ولئن كان من المُقرر أن تقدير حالة المتهم العقلية أو النفسية من المسائل الموضوعية التي تختص محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه لسلامة الحكم يتعين إذا ما أثاره المتهم أن تُجري تحقيقًا من شأنه بلوغ كفاية الأمر فيه، ويجب عليها تَعيين خبير للبَت في هذه الحالة إثباتًا ونفيًا، فإن لم تَفعل كان عليها أن تُورد في القليل أسبابًا سائغة تَبني عليها قضاءها برفض هذا الطلب، إذا ما رأت من ظروف الحال ووقائع الدعوى وحالة المتهم مَسئوليته عن الجُرم الذي وقع منه. لما كان ذلك فإنَّ المحكمة بمُطالعتها للتحقيقات، واستجوابها للمتهم بمُوافقة مُحاميه الأصيل؛ قد استبان لها سلامة حالته العقلية والنفسية وسلامة إدراكه واختياره، قبل ووقت ارتكابه جريمة قتل المجني عليها وفي أعقابها، وذلك من إدراكه لِمَا خَطَط له، واختياره الاختيار الأمثل - من وجهة نظره - بين البدائل التي قد تَتعارَض أمامه في تنفيذه لمُخططه، وما يَحتاجه ذلك الاختيار بين البدائل من قَدر من التفكير والتقييم والخبرة والكفاءة لاختيار البديل الأمثل؛ حتى وصل لتنفيذ مُخططه الإجرامي على النحو الحاصل يُستدَل على ذلك، مما اعترفَ به المتهم في الصحيفتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من التحقيقات من أنه خَططَ لجريمته منذ رمضان الماضي، ومن هذا التخطيط، أنْ كان اختياره لأداة الجريمة سكينًا جديدًا حادًا وليس سلاحًا آخر، ومن تفكيره في هذا السلاح بالذات وتَرجيحه على ما عَداه أدوات القتل (تَستخلص المحكمة من ذلك أنَّ المتهم اختار هُنا بين البدائل بصَدد أداة ارتكاب الجريمة عن وعي وإدراك لأسُس هذا الاختيار) يُؤخذ ذلك من تعليله لهذا الاختيار بالذات، بكونه يَعمل طباخًا ويُتقن استخدام السكاكين، ومن اختياره مكان وزمان التنفيذ، وهو أيام امتحانات الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي الجاري بجامعة المنصورة (تَستخلص المحكمة من ذلك أنه هُنا اختار بين بدائل مكان وزمان ارتكابه للجريمة عن وعي وإدراك لأسُس الاختيار) ومن تبريره لهذا الاختيار من أنه كان على يقين أنَّ المجني عليها ستحضر لأداء هذه الامتحانات، وعلمه السابق بأنها لم تكن تحضر في أيام الدراسة نظرًا لسفرها إلى القاهرةوشرم الشيخ، كما أنه اختار عدم تنفيذ جريمته في الحافلة التي وَجَد فيها المجني عليها في اليوم الذي حَسَم فيه أمره وقرَّر قتلها، بعد أن رَاودته هذه الفكرة، (تَستخلص المحكمة من ذلك، أنه اختار هنا بين البدائل لمكان ارتكابه الجريمة، وإنه وقد فكَّرَ في تَغيير المكان من الحافلة إلى الجامعة - على هذا النحو - فإنه يكون عاقلاً واعيًا سليم النفس مُدركًا لأسُس الاختيار) فاطمأنت المحكمة - إذن - إلى أنه كان مُدركًا أنَّ الحافلة ليست المكان المناسب؛ لا سيما وأنه قد علَّل ذلك، باحتمال عدم تحقق هدفه وهو قتل المجني عليها، إذا ما تَدخل الركاب وحالوا دون ذلك، فاختار المكان الأنسَب وهو خارج الحافلة، عندما نزلت منها المجني عليها وتَرجلت تجاه باب الجامعة، مما يقطع بإدراكه للبدائل المَطروحة أمامه، واختياره الأفضل منها، يُضاف إلى ذلك، ما اعترفَ به بالصحيفة الثالثة عشرة من أنه عندما حاول البعض إقصائه عن المجني عليها وهو يُسدد لها الطعنات في جسمها، هَددهم بالسكين حتى لا يُخلِّصوها منه ثم عاد إليها بعد تَهويشهم وذبَحها من عُنقها (تَستخلصُ المحكمة من ذلك، أنه هُنا قد اختار التهديد والتلويح فقط، دون إيذاء الآخرين، لِعِلمِه بمَقصده ومُبتغاه منه سَلفًا وهو إزهاق روح المجني عليها فقط) مما يَدُل على سلامة حالته العقلية والنفسية، وأنه اختار ألاَّ يُورد نفسه مَهالك أكثر بتعديه على غير المجني عليها المقصودة، فهو مُدرك أنه ليس لديه الدافع للتعدي على هؤلاء، فلو كان مُعتلاً عقليًا أو نَفسيًا لاعتدَى على أي منهم ولو بأقل قدر من الاعتداء، وذلك يَدل في يقين المحكمة على وعيه وإدراكه لأسُس الاختيار وسلامة حالته العقلية والنفسية وكذلك ما اعترفَ به المتهم من قيامه بإرجاء تنفيذ جريمته إلى ما بعد الامتحان الأول والثاني؛ لكي تَظُن المجني عليها انصراف نيته عن النَيل منها - أو تَتوهَم ذلك - ليتمكن من تدبير أمره على نحو أفضل يُحقق هدفه وهو قتلها، يُستفاد ذلك من إجابته في الصحيفة التاسعة عشرة على سؤال وجَّهتهُ إليه النيابة العامة: "لماذا استقرَّ اختيارك على ثالث أيام الامتحانات إذَن دون اليَومَين الأولَين؟" فقال: "لأنْ أنا كُنت خايف إنْ يكون مِعاها حَد من أصحابها أو أهليتها، ولأنْ هي كانت عارفة إني مِش هَسكت، فقلت لازم أطمِنها لحَد ما أتمكن من تنفيذ اللي أنا عايزه" (تَستخلص المحكمة من ذلك أنَّ المتهم قد اختار هُنا بين بدائل تَواردت على ذهنه بصَدد الوقت الأكثر مُناسبة لارتكاب جَريمته، وماهية الظرف المناسب ليُؤتي سلوكه المادي ثماره وهو إزهاق روحها، حتى لا يكون ثمة مانع يحول بينه وبين إتمامه، مما يَدلُ في يقين المحكمة على وعي المتهم وإدراكه لأسُس الاختيار بين بدائل مُتعددة كانت مَطروحة أمامه فاختار أنسبَها من وجهة نظره، وهو ما يقطع بسلامة حالته العقلية والنفسية. كما يُضاف إلى ذلك ويُعضِّده، ما ثَبَت في الدعوى مُنذ فَجر التحقيقات وحتى انتهائها، أنَّ المتهم كان يُجيب على أسئلة النيابة العامة بدقةٍ بالغة وعبارات واضحة، وبكلام مُتناسق مُترابط لا هَذَيانَ فيه ولا تَهاتُر، وجاء اعترافه مُطابقًا تمامًا لِمَا قام به من تمثيلٍ لكيفية ارتكابه الوقعة، ولم يَترك في اعترافه ولا في المُعاينة التصويرية أدق الأمُور، فذكَرَ صغيرها قبل عظيمها، مثل تبريره لاختياره السكين كأداة للقتل، بكَونه يعمل طباخًا ويُتقن استخدام السكاكين، وبأنه يَعرف كيف يَضرب بها وأين يَضرب، وتعليله لاختياره مَكان الطعنات من جسم المجني عليها، بقوله إنه يعلم المَقاتل من جسد الإنسان، وحَددها - هو - بأنها الصدر من جهة اليسار والفَخذ والعُنُق، كما حدَّدَ (في اعترافه بجلسة المحاكمة) المسافةَ بين المحلة الكبرىوالمنصورة بالحافلة وهي نصف الساعة، ومن وتهديده للمجني عليها برسائل تَقطع بأنَّ كاتبها يَتمتع بحالة عقلية ونَفسية سليمة، وبعبارة تدل على ما عَقد العزم عليه وقام بتنفيذه بالفعل وهو "القتل ذَبحًا" بدافع الانتقام، ومن روايته تَفاصيلَ علاقته بالمجني عليها خلال ثلاثة أعوام مَضَت، ومن خُطته الإجرامية التي بدأ التفكير فيها - منذ عام ونصف - والتي اختمرت تمامًا في رمضان الماضي، ومن إرجائه التنفيذ في بداية الامتحانات، حين فكَّرَ وخَشِي أن يكون معها مرافقًا من أهلها، وإدراكه أن هذا الإرجاء من شأنه أن تَشعُرَ معه المجني عليها بالأمان مُؤقتًا من تهديداته، ومن روايته الدقيقة الواعية لجِماع ما تَقدم في تحقيقات النيابة العامة وتمثيله الجريمة حُرًا مُختارًا في مُعاينة تصويرية حضرها محاميه. ومن اعترافه بالتفكير في اختياره حِيلة تطمئن معها ضحيته إلى الأمان ليتمكن منها جيدا، وهي حُضوره جلسة عُرفية قضَت بمَنعه من مُلاحقتها ومُضايقتها عَبر وسائل التراسل الاجتماعي، ثم تَظاهُره بالاستجابة إلى ما ألزمته به هذه الجلسة العرفية، في الوقت الذي كان يُضمِرُ فيه قتلها، وهي أحداثٌ لا يُخَطط لها، ويَختار بين البَدائل منها، ويُنفذها، وبَعد ذلك يَتذكرها ويَرويها بدقة، إلاَّ عاقل مُدرك غير مُعتَل العقل ولا مُضطرب النفس، الأمر الذي يكون معه قد وقَرَ في يقين المحكمة أنَّ المتهم مَسئولٌ عن جُرمه، وقد اقترفهُ وهو حافظٌ لشُعُوره واختياره، وفي حالة عقلية ونفسية مُنزَهة عن أي مَرض أو اضطراب ، مما لازمه رَفض المَحكمة طلب الدفاع في هذا الصدد. وحيث إنه عن طلب الدفاع عرض المتهم على الطب الشرعي؛ لبيان ما به من إصابات، فهو طلبٌ تمَّ تحقيقه من النيابة العامة التي عَرضَته بالفعل، وجاء التقرير مُتضمنًا أنَّ إصاباته عبارة عن كدمات محمرة اللون، واقعة بكل من الوجنة اليسرى والجبهة والأنف، مصحوب بكسر بحاجز أنفي، ويمين العُنُق وأسفل يمين العنق وهي تَحدث من مثل المُصادمة بجسم راض أيا كان نوعه، ويجوز حدوثها في تاريخ معاصر لتاريخ الواقعة، والتي عَللها المتهم - نفسه - بالتحقيقات بأنها وليدة تَعدِّي الأهالي عليه عقب التحفظ عليه والجريمة مُتلبَس بها. وحيث إنه عن طلب الدفاع - في بَدء مُرافعته - مناقشة شهود الإثبات السادس والثاني والعشرين والثالث والعشرين، فإنَّ هذا الطلب لم يكن جازمًا إذ لم يتمسك به في ختام مُرافعته مُكتفيًا بمناقشة والد المجني عليها في الجلسة الأخيرة من جلسات المحاكمة، لمَّا كان ذلك، وكان من المقرر قانونا، أن المحكمة هي التي تُقرر مَن تَرى لزومًا لسَماع شهادته، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات المذكورين في تحقيقات النيابة العامة، والتي تُليَت بالجلسة عملا بالمادة 289 إجراءات جنائية ولم تَتناقَض مع غيرها من الشهادات، وجاءت مُتساندة معها بغير تَناقض ينال منها واطمأنت إلى كفايتها لتكوين عقيدتها في الدعوى ضِمن سائر أدلة الثبوت الأخرى المار بيانها، فإنها لم تكن بحاجة إلى مناقشتهم. وحيث إنه عن طلب الدفاع فحص الهاتف المحمول الخاص بالمتهم، وتفريغ ما فيه من محادثات بينه وبين المجني عليها إن وُجد؛ وُصولاً إلى إثبات وجود علاقة بينهما، فمَردودٌ بأنه على فَرض وُجُود ما يُنبئ عن مثل هذه العلاقة العاطفية، فإنه لا يَعدو أن يكون حديثًا في الباعث على الجريمة وهو ليس ركنًا فيها، وعليه فإن المحكمة تلتفت عن هذا الطلب، فضلا عن أنَّ هاتف المتهم لم يُضبَط، ولم يُقدمه المتهم أثناء التحقيقات، ولا الدفاع خلال المحاكمة. وحيث إنه عما أثاره الدفاع من تناقض أقوال الشهود، فلما كان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم، وتعويل القضاء على أقوالهم مَهما وُجِّه إليها من مَطاعن وحَام حولها من الشبهات، كل ذلك مَرجعه إلى محكمة الموضوع تُنزله المنزلة التي تَراها، وتُقدره التقدير الذي تَطمئن إليه، ومتى أخذَت بأقوال شاهد، فإنَّ ذلك يُفيد أنها أطرَحَت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، كما أنَّ تناقض أقوال الشهود أو تَضاربهم في أقوالهم، أو تناقض رواياتهم في بعض تفصيلاتها - بفرض حُصُوله - لا يَعيب الحكم أو يقدح في سلامته، مادام الحكم قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصًا سائغًا لا تَناقُض فيه، وهو الحاصل فيما استندت إليه المحكمة من أقوال الشهود. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات المذكورين في تحقيقات النيابة العامة والتي تُليَت بالجلسة عملا بالمادة 289 إجراءات جنائية، ولم تَتناقَض مع غيرها من الشهادات، بل جاءت مُتساندة معها بغير تَناقض ينال منها واطمأنت إلى كفايتها لتكوين عقيدتها في الدعوى ضِمن سائر أدلة الثبوت الأخرى المار بيانها فإنها لم تكن بحاجة إلى مناقشتهم. وحيث إنه عما أثاره الدفاع من قُصُور التحقيقات وعدم وجود سوابق للمتهم فهو في غير مَحله، ذلك أنه لا يَعدو أن يكون جَدلاً موضوعيًا في تقدير الدليل، وهو ما تستقل به هذه المحكمة، التي اقتنعت بحُصول الواقعة بالصورة التي حَصَّلتها من أدلة الإثبات وفق ما سلف بيانه، وعليه، يكون مَنعى الدفاع في هذا الصدد غير سديد مُتعينا رفضه.