رغم خفقات قلبها التي كانت تنبض خوفا وذعرا وشعورا بالإهانة لم تستطع «هدى»، التي لم تتعد الخامسة والعشرين من عمرها، تجاوز حاجز الصمت والاستنجاد بمن حولها لوقف التحرش الجنسي الذي تعرضت له أمام عشرات الأشخاص من ركاب الميني باص. ركبت هدي الميني باص في طريق عودتها من العمل متجهة إلي الجيزة، كانت ترتدي حجابا يغطي شعرها ورقبتها وترتدي بلوفر فضفاضا وجيب جينز واسعا، وقفت بين الزحام تحاول أن تقف حتي بإحدي قدميها علي الأرض وتثبت يدها في مقبض حديد حتي لا تقع علي أحد الركاب أثناء تحرك الميني باص أو توقفه. تقول هدي «كل يوم باركب في هذا الزحام وماعنديش طريقة تانية أروح بيها». هدي وقفت في الميني باص تحاول أن تبتعد عن الشخص الذي يحاول ملاصقتها والاحتكاك بها دون جدوى، وتقول «ما كانش فيه مكان أروح أقف فيه تاني وكنت باحاول أبعد عنه لكن فعلا الدنيا كانت زحمة جدا وما فيش مكان لقدم». «حسيت إن كل حته في جسمي بتتنفض وكنت عايزه أبكي وأصرخ لكن ما أقدرش أتكلم هفضح نفسي إزاى»؟ وكانت دراسة «غيوم في سماء مصر» الصادرة عن المركز المصري لحقوق المرأة قالت إن 83% من المصريات يتعرضن للتحرش، وجاءت الملامسة غير اللائقة للجسد علي قمة أشكال التحرش الجنسي المختلفة التي تتعرض لها النساء بنسبة تجاوزت 40%، هذا بخلاف التتبع والملاحقة والمعاكسات الكلامية وغيرها من أشكال التحرش. وتوضح هدي وجهة نظرها في التزامها الصمت وعدم الاستنجاد بالآخرين لدفع الخطر والضرر عنها، وتقول «دايما المشكلة بتيجي علي البنت وبعدين أنا لو اتكلمت ممكن يشتمني ويقول إني بادعي عليه وممكن كمان يقول إني أنا اللي بعاكسه أو حتي عايزه أسرقه». وتتذكر هدي نصائح أمها وزميلاتها وتقول: «البنت ما تتكلمش في الحاجات دي علشان ما تتفضحش، ماما دايما تقولي كده وكمان زمايلى، كلنا بنتصرف بنفس الأسلوب في الظروف دى». وأكدت الدراسة، التي سبق الإشارة لها، أن الغالبية العظمي من النساء اللاتي يتعرضن للتحرش لم يبدين أي ردود فعل ايجابية خوفا من التأثير علي سمعتهن، أو خوفا من ردود فعل الآخرين وتوجيه اللوم لهن، كما قالت 74% من العينة إن الناس لا تساعدهن عندما تحدث واقعة التحرش في الأماكن العامة. الهرب من التحرش دفع هدي للحرص في اختيار ملابسها، لكن دون جدوى، «أنا حريصة علي إن لبسي يكون محترم علشان ما لفتش نظر الآخرين وما تعرضش لمضايقات». صمتت هدي قليلا وتابعت حديثها قائلة: «لكن في الحقيقة ملابسي ما فرقتش كتير واتعرضت لحوادث تحرش كثيرة لكن أنا بحس إني عملت اللي عليه». الدراسة أكدت أن الفتيات اللاتي ارتدين حجاب وبلوزة قصيرة وجيب هم الأكثر تعرضا للتحرش بنسبة 31.9%، تلتها العينة التي ترتدي «التونيك» وبنطلون وحجاب بنسبة 21%، ثم اللاتي يرتدين عباءة وحجاب بنسبة 20%. «بحس بالإهانة والخوف وأشعر أني مستباحة من ذئب ما بيرحمش» بهذه الكلمات عبرت هدي عن الشعور الذي ينتابها أثناء وبعد التحرش بها، «لكن ما عنديش وسيلة أمنع بها اللي بيحصل لي ده واللي بيحصل لكل البنات». «لا ما سمعتش عن نهي رشدى، مين نهي رشدي دى»؟ كانت هذه إجابة هدي عن سؤال «الشروق» عن معرفتها بنهي رشدي الفتاة التي لم تصمت علي التحرش بها وتمكنت من ملاحقة المتحرش قضائيا، والحصول علي حكم يدينه ويقضي بسجنه ثلاثة سنوات. أما بخصوص حملات توعية الفتيات بمخاطر التحرش والتعامل القانوني والاجتماعي معه والتي تنظمها بعض الجمعيات الأهلية، تقول هدي «مش عارفة إيه الحملات دي ولا عمري سمعت عنها». «قانون لمكافحة التحرش طيب إزاي ممكن نثبته وإزاي أروح أبلغ في القسم عند الضابط وأقوله علي اللي حصل لى»؟ تعتقد هدي أن أي قانون لمكافحة التحرش الجنسي يعتمد علي تبليغ الفتيات لن يكون مجديا ولكن في حالة وجود شرطة نسائية قد يشجعها هذا علي الإبلاغ، وتقول «لو فيه ضابط ست ممكن في الحالة دي أقدر أبلغ لكن برضه هنثبت إزاي وإحنا بنتعرض للحوادث دي في الأماكن العامة ومن ناس ما نعرفهمش». «الحل في الدين والأخلاق». بحسب اعتقاد هدي فإن التدين والالتزام الديني والأخلاقي هو الحل لمكافحة هذه الظاهرة التي تؤكد أنها تزداد، وتفسر أسباب تفاقم الظاهرة قائلة «العري الموجود في الفيديو كليب والبطالة والشباب لا يجد وسيلة للعمل والزواج». وختمت هدي حديثها ل«الشروق» قائلة «لو تعرضت لمشكلة زي دي تاني برضه هسكت ومش هتكلم». وكشفت الدراسة التي ضمت ذكورا أيضا أن أكثر من 62% من الرجال مارسن التحرش، وقال 41% من العينة التي مارست التحرش إن هذا الفعل يشبع لديهم رغبة جنسية مكبوتة علي حد تعبير الدراسة، بينما يشعر 23% بذكورتهم وثقتهم في أنفسهم. جدير بالذكر أن المركز المصري لحقوق المرأة كان قد تقدم خلال عام 2008 بمشروع قانون لتجريم التحرش الجنسى، بالإضافة إلي مشروع قانون آخر مقدم من المجلس القومي للمرأة ومشروع قانون مقترح من قبل محمد خليل قويطة عضو مجلس الشعب، إلا أنه لم يبت حتي الآن في هذه المقترحات.