بعد تولى الرئيس أوباما مقاليد الحكم قبل عام، حدث ما يقترب من المعجزة فى العلاقات الصينية الأمريكية. فعلى خلاف الحكومات السابقة، لم تواجه حكومة أوباما احتكاكا فى البداية مع بكين. وقد جرت العادة على أنه عندما تتولى إدارة أمريكية جديدة مقاليد الحكم، فإنها تتبنى فى البداية موقفا صارما على الأقل لفظيا تجاه الصين، سواء بفعل التحامل الأيديولوجى، أو بفعل وعود الحملة الانتخابية. ومن ثم، فعندما أصبح الرئيس بيل كلينتون رجل البيت الأبيض الجديد عام 1993، تعهد بحمل حكومة الصين التى أطلق عليها «جزارى بكين» على تحسين وضع حقوق الإنسان لديها، وإلا فستواجه عقوبات تجارية. وبعد ذلك بثمانى سنوات، وصف الرئيس جورج بوش الصين ب«المنافس الإستراتيجى». وخلال أيامه المائة الأولى فى الحكم، أجاز أكبر صفقة مبيعات أسلحة إلى تايوان (التى تعتبرها الصين إقليما مارقا). ونتيجة لصرامة خطاب وسياسة كلينتون وبوش إزاء الصين، كانت بدايتهما مع هذا البلد صعبة للغاية. فى واقع الأمر، سارت الأمور بطريقة أكثر سلاسة بعد ذلك، لأنه لا بكين ولا واشنطن كانت ستسمح للعلاقات الثنائية بالانهيار، ومن ثم بخوض حرب باردة. وفيما يخص بيل كلينتون، فقد اضطر إلى التراجع عن تعهداته، حيث استمر فى منح الصين وضع الدولة صاحبة الوضع التجارى الأولى بالرعاية، بالرغم من عدم قيام الصين بتحسين أوضاع حقوق الإنسان لديها. أما بوش، فقد وجد العالم وقد تغير فى أعقاب 11 سبتمبر، وفجأة أصبح العدو الأخطر بالنسبة لواشنطن هو الإرهاب الدولى والتطرف الإسلامى، لا الصين الصاعدة. وبعد ذلك، أصبحت العلاقات بين الصين والولاياتالمتحدة تتسم بالدفء. ومع نهاية حكم هذين الرئيسين، كان يُنظر إليهما باعتبارهما «أصدقاء الصين». ويبدو أن إدارة أوباما الجديدة كانت عازمة على قلب النموذج القديم رأسا على عقب. وربما يكون أوباما قد تعامل بحنكة مع الصين نظرا لعزم مستشاريه تجنب احتكاكات مثيلة مع بكين. ونتيجة لذلك، لم تشهد العلاقات الأمريكية الصينية أيا من المشكلات التى اعتادت أن تمثل مصدر إزعاج للإدارات الجديدة عادة. وأعلنت واشنطن أنها لن تضع مسألة حقوق الإنسان على أجندة السياسة الأمريكية تجاه الصين. ولم تتخذ نهجا هجوميّا من أجل دفع الصين إلى إعادة تقييم سعر صرف عملتها، على الرغم من أن العملة الصينية ظلت مربوطة بالدولار منذ نهاية 2008، وبالرغم من أنها تعتبر مقومة بأقل كثيرا من قيمتها الحقيقية. ومن أجل تحسين وضع العلاقات مع الصين، أسست واشنطن لحوار إستراتيجى واقتصادى جديد رفيع المستوى مع بكين. وفيما يتعلق بالخطاب، ظلت واشنطن تكيل المديح للصين، وتؤكد أن العلاقات الأمريكية الصينية هى «العلاقات الثنائية الأهم» فى العالم. كما تخلى أوباما أيضا عن التقليد السائد، حيث لم يقابل الدلاى لاما، الزعيم الروحى للتبت، حينما زار واشنطن فى أكتوبر 2009. غير أن شهر العسل فى العلاقات الأمريكية الصينية بلغ منتهاه. ذلك أنه خلال الشهور الأخيرة، خاضت بكينوواشنطن سلسلة من النزاعات التى تراوحت أسبابها من بيع الأسلحة إلى تايوان إلى مقاومة الصين للمقترحات الأمريكية بفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران. فما الذى حدث؟ من الواضح أن التراجع الحالى فى العلاقات الأمريكية الصينية يعود إلى أحداث بعينها جعلت الطرفين غير سعيدين. وفيما يخص مسألة بيع الولاياتالمتحدة أسلحة إلى تايوان، اعتبرت الصين أنه نظرا لأن بكين وتايبيه أحرزتا تقدما كبيرا على صعيد تهدئة العلاقات بينهما، وإقامة أساس اقتصادى صلب يؤدى إلى تعزيز المصالحة السياسية، فإن قرار واشنطن ببيع أسلحة قيمتها 6 مليارات دولار إلى تايوان سوف يرسل إشارات سلبية إلى تايبيه، تشجع العناصر الموالية للاستقلال بها إلى تبنى موقف أكثر تشددا، وإعاقة تطوير علاقات بكين وتايبيه. لكن الحكومة الأمريكية تعتبر أنها لم تعد الصين قط بعدم بيع أسلحة إلى تايوان. وفى حقيقة الأمر، فإن القيام بذلك يمثل إحدى الدعامات الأساسية فى السياسة الأمريكية تجاه الصين. ويبدو أن أحد مصادر الاستياء يتعلق بإيران. فقد ظلت الصين لوقت طويل تختبئ خلف روسيا فى مجلس الأمن الدولى حينما تبرز قضية إيران. وحيث إن موسكو ظلت تعوق اتخاذ مجلس الأمن إجراءات صارمة ضد طهران، فلم تجد الصين حاجة إلى الاصطدام بالغرب بشكل مباشر. لكن الموقف الروسى شهد تحولا مؤخرا (فعلى الرغم من أن موسكو لاتزال تتحفظ إزاء فرض عقوبات على إيران، فإنها أصبحت أكثر مرونة) مما يجعل الصين فى وضع منعزل. لكن بكين لا يمكنها قبول مقترح غربى يقضى بفرض عقوبات صارمة على إيران، بالنظر إلى علاقاتها الاقتصادية الضخمة معها. فقد وقعت بكين اتفاقا مع طهران يتعلق بالطاقة بقيمة عشرات المليارات من الدولارات. كما أن إيران هى مورد النفط الثانى للصين. لذلك فإنه إذا انضمت الصين إلى الغرب فى فرض عقوبات ضد طهران عبر الأممالمتحدة، فإنها سوف تخاطر بالتعرض لخسائر اقتصادية كبيرة فى إيران. وقد أغضب موقف بكينواشنطن التى تعتقد أن الصين تتصرف بأنانية شديدة. وبالنسبة لإدارة أوباما، سوف يكون الفشل فى تحقيق أى تقدم فيما يتعلق بإيران أمرا شديد السوء. ومن ثم، فإنه يريد من الصين أن تبدى تعاونا. وكان الحدث الثالث هو تجربة أوباما التعيسة عندما زار الصين فى نوفمبر من العام الماضى. فبالنظر إلى جميع الأشياء الجيدة التى قدمتها الولاياتالمتحدة إلى الصين، فربما يتوقع المرء من الصين مد البساط الأحمر من أجل استقبال أوباما. ولم يحدث ذلك على الإطلاق. فبدلا من أن يلقى أوباما تعاملا ملكيا، قام القادة الصينيون على غير عادتهم بالحد من تفاعله مع الشعب الصينى. ورفضوا بث لقائه فى دار البلدية مع شباب صينيين عبر التليفزيون الوطنى. ولم يتركوه يعقد مؤتمرا صحفيا مشتركا مع نظيره الصينى الرئيس هو جينتاو. ولم ينتج عن الزيارة أى شىء ملموس. وكان التصور السائد فى واشنطن أن هذه الزيارة كانت شديدة السوء (بالرغم من أن الصينيين لم يشعروا بذلك). يبدو أن هذه الأحداث التعيسة عكرت مزاج واشنطن تجاه بكين. ولذلك، فإن إعادة ترتيب علاقة أمريكا بالصين أصبحت قيد التنفيذ، حيث تم الإعلان عن بعض الإجراءات بالفعل. وإضافة إلى مبيعات الأسلحة إلى تايوان، سوف يلتقى أوباما والدلاى لاما فى فبراير، وهى خطوة سوف تقابل بلا شك باحتجاج الصين. وبالطبع لم يكن لحادثة جوجل التى حطمت صورة الصين كمجتمع يتجه إلى التحرر أثر إيجابى. ومن المرجح أن تنظر واشنطن إلى التهديد بشن الصين هجمات عبر الإنترنت بمزيد من الجدية. ومن ثم، فإن فترة الاحتكاك بين بكينوواشنطن لم تنته، لكنها بالكاد أرجئت لمدة لعام. وبينما تشهد أجواء العلاقات الأمريكية الصينية تدهورا بالتأكيد، فإنه لا توجد حاجة للقلق من خطر الانهيار التام. فنظرا لأن أيا من الطرفين لا يرغب فى تلك النتيجة، فيمكن للمرء أن يطمئن إلى أنهما سيقومان بكل ما فى وسعهما لإصلاح العلاقات. خاص بالشروق