مع انتشار جائحة كورونا، بات الجوع مصدر قلق بالغ، خصوصاً بعدما خسر ملايين الأميركيين وظائفهم، وعادت الأسر إلى منازلها، وتعطّلت سلاسل التوريد. أما اليوم، فالأمور تزدد سوءاً، بسبب ارتفاع معدلات التضخم والحرب الأوكرانية. وبحسب ما نقلته قناة الشرق عن وكالة بلومبرج للأنباء، لم يكن ضمان حصول الأميركيين على ما يكفي من الغذاء لإطعام أسرهم، قضية حزبية خلال الجائحة، حيث وافق الكونغرس على تدابير الإغاثة لتعزيز المساعدات، ولا ينبغي أن تكون المسألة اليوم قضية حزبية، لأن الضغوط الاقتصادية والبيئية الخارجة عن سيطرة أي فرد، تجعل انعدام الأمن الغذائي أزمة دائمة في عصرنا الحالي. وخلال العام الماضي، اعتمد واحد من أصل كل 6 أميركيين على بنوك الطعام للبقاء على قيد الحياة –نحو 53 مليون شخص، مقارنة ب40 مليون شخص قبل الوباء. أمّا اليوم، وعلى الرغم من انحسار الوباء، فإن عدد الأميركيين الجياع آخذٌ في الارتفاع. كذلك، قفزت أسعار البقالة بنسبة 12% خلال العام الماضي، وهي أعلى نسبة ارتفاع منذ عام 1979، وقد أكد عدد من أكبر منظمات الإغاثة الغذائية في البلاد، مثل بنك الطعام المجتمعي في أتلانتا، مؤخراً، ارتفاع الطلب بشكل كبير ومماثل لما شهدته الأشهر الأولى من عام 2020. يطال هذا التهديد بشكل أكبر، الأسر التي تعتمد على برامج الإغاثة الغذائية، مثل "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية" التابع لوزارة الزراعة المعروف ب"إس إن إيه بي" (SNAP)، مع بدء انتهاء صلاحية مخصصات الطوارئ الممنوحة أثناء الجائحة. كما يتعرّض الأطفال على وجه الخصوص للخطر، مع إغلاق المدارس أبوابها خلال الصيف، الأمر الذي يعني بقاء ملايين الطلاب من ذوي الدخل المنخفض لأشهر من دون الحصول على وجبات غداء مجانية. كل هذه الضغوط مجتمعة، والناجمة عن التضخم المرتفع، وأزمة سلاسل التوريد المستمرة، وتقليص واردات الحبوب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والآثار المتزايدة لتغير المناخ، تؤدي إلى استمرار وتفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في كل أنحاء العالم، ومع ذلك، يتجاهل عدد كبير من المشرعين المحافظين في الولاياتالمتحدة أزمة الجوع، ويعتبرونها فشلاً شخصياً لا تتحمل الحكومة مسؤولية حلّها، خصوصاً وأن الجائحة لم تعد أولوية عامة. ويجب على الكونغرس زيادة الأموال المتاحة لبنوك ومخازن الطعام، من خلال "برنامج المساعدة الغذائية الطارئة"، وكان أعضاء منظمة "إطعام أميركا"، وهي شبكة وطنية تضم حوالي 200 بنك من بنوك الطعام في الولاياتالمتحدة، قد طلبوا تخصيص مبلغ بقيمة 450 مليون دولار كتمويل سنوي، ومبلغ 200 مليون دولار مخصّص لتكاليف التوزيع، من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة لمنظمات الإغاثة من الجوع. الأكثر إلحاحاً، هو أنه على الكونغرس أيضاً أن يمدد إعفاءات وزارة الزراعة الأميركية، التي تنتهي صلاحيتها في 30 يونيو، والتي تسمح بتوزيع وجبات الطعام المجانية لطلاب المدارس العامة، وتساعدهم على الاستمرار في الحصول عليها حتّى خلال فصل الصيف. يجب على المشرعين أن يمرّروا فوراً، مشروع قانون استمرار إطعام الأطفال، الذي اقترحته مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين هذا الأسبوع-وهو التشريع الذي من شأنه تمديد هذه الإعفاءات، كذلك، تدرس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ مقترحات لتمديد "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، وزيادة التمويل لبنوك الطعام-وهي سياسات يجب الموافقة عليها بسرعة لدعم الأسر الأميركية. وعلى الرغم من أن المناقشات جارية في واشنطن بشأن تمويل "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، فإن بعض الجمهوريين، يحاولون القيام بما هو معاكس تماماً. وخلال جلسة استماع عقدتها لجنة الزراعة مؤخراً، اقترح المشرعون الجمهوريون كبح جماح الإنفاق على "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، مع المطالبة بقواعد أكثر صرامة لتحديد أهلية المستفيدين منه، وذلك كوسيلة لإجبار الناس على الانضمام مجدداً إلى القوى العاملة. وقال جلين طومسون، السيناتور الجمهوري الذي يرأس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ: "ما زلت قلقاً من أن المساعدات المخصصة للوباء، ستصبح مساعدات مزمنة". يذكر أن الموقف المناهض ل"برنامج المساعدة الغذائية الطارئة"، ليس جديداً – سبق أن اقترح الجمهوريون تغييرات جذرية على البرنامج في كل من مشاريع القوانين الزراعية لعامي 2014 و2018 -ومع ذلك أصبح المنطق الذي يحاججون به معيباً، وعفا عليه الزمن. ولن يجبر تقليص المزايا التي يوفرها برنامج المساعدة الغذائية التكميلية، العاطلين عن العمل على الانضمام مجدداً إلى القوى العاملة، لسبب بديهي، هو أن المطلب الأساسي للاستفادة من مساعدات البرنامج هو التوظيف (باستثناء الظروف المخففة، ما إذا كان المتلقي من ذوي الإعاقة أو يعتني بأطفال دون سن 6 سنوات). وفي أميركا اليوم، يصيب الجوع الموظفين والعاطلين عن العمل على حد سواء، فيما لم يدرك معارضو "برنامج المساعدة الغذائية الطارئة"، بعد أنّ الحاجة إلى تقديم المعونة الغذائية لم تعد مرتبطة بالوباء. وبرز بعض الاهتمام بمسألة انعدام الأمن الغذائي الحادّ والمتزايد في الخارج، لا سيّما في المناطق التي دمّرها الجفاف في الشرق الأوسط وجنوب شرق أفريقيا وجنوب آسيا، حيث تزايد الجوع ليصبح مجاعة كاملة. وتعاني المساعدات الدولية نقصاً كبيراً، لدرجة أن إدارة بايدن اختارت أن تستنفد بالكامل، تمويل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID) المخصص للمساعدات الغذائية العالمية. على الرّغم من أن ذلك يُعتبر استخداماً ضرورياً للموارد، إلا أنه علامة مروعة على العصر الذي نعيشه.