افتتحت اليوم أعمال منتدى باكو الدولي التاسع بالعاصمة الأذربيجانية باكو، والذي ينظمه مركز نظامي جنچاوي تحت عنوان "تحديات النظام العالمي" انطلاقا من مناقشة القضايا الأكثر خطورة التي داهمت العالم خلال السنوات الأخيرة، وعلى رأسها جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ومشاكل الطاقة وإمدادات الغذاء واضطرابات الأسواق الدولية والتغير المناخي. ويناقش المنتدى هذا العام التغييرات التي حلت متسارعة وأثرت على القيم الدولية والنظام العالمي مما عرضهما للتآكل، مع التركيز على سبل تطوير وإنقاذ الأممالمتحدة، فمنذ نحو 75 عاما أُنشأت المنظمة الدولية وهياكلها الجديدة آنذاك على أساس القيم الديمقراطية والليبرالية والتعددية والتضامن بين المجموعات والأمم المجتمعية المختلفة، وحاولت تكريس شعار "لن يتكرر ذلك أبدا" قاصدة بذلك أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية. وبعدها تم تطوير اتفاقيات حقوق الإنسان وبدأت مؤسسات بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) العمل من أجل خلق عالم أفضل، إلا أن بعض هذه المؤسسات والهياكل تواجه الآن تهديدات وجودية. يقول مجلس أمناء المركز إن فهم كيف ولماذا تحدث هذه التغيرات أمر بالغ الأهمية للنجاة، خاصة في أوقات الحرب والدمار التي يعيشها العالم، والتوتر والأزمات، والمعاناة الإنسانية والتحديات السياسية. يحاول المركز تعزيز تعزيز النقاش مع القادة السياسيين والمنظمات الدولية، وتنظيم بعثات في الموقع حول الوضع الإنساني مع اللاجئين الأوكرانيين، والمؤتمرات الفنية، فضلا عن المحادثات السياسية مع صانعي القرار الرئيسيين. وفي كلمته الافتتاحية أعرب الرئيس الأذري إلهام علييف عن تمنيه أن تكون المناقشات بناءة حول القضايا الأكثر أهمية في المنطقة والعالم، وإثراء أفكار المجتمع الدولي بواسطة حضور المنتدى رفيعي المستوى القادمين من 50 دولة تقريبا. وأضاف: العالم تغير كثيرا منذ التقينا في نوفمبر الماضي (الدورة الثامنة للمنتدى) وأن هناك عواقب غير متوقعة للأزمات الأخيرة، ولذلك يحتاج العالم للاطلاع على وجهات النظر والرؤى المختلفة، وأن قضايا الأمن والسلام تأتي على رأس الأجندة الدولية، والمناقشة المفتوحة حول هذه المشكلة في أوروبا مطلوبة للغاية، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يتضرر منها المنتجون والمستهلكون بينما تضرب التقلبات الأسواق العالمية. وأبرز علييف قضية ناجورنو كاراباخ وتبعات الحرب الأخيرة بين بلاده وأرمينيا والتي انتهت بانتصار أذربيجان واستردادها أجزاء واسعة من كاراباخ وتوقيع اتفاق سلام بين البلدين. وقال: أهتم كثيرا بالقضايا الأمنية التي تحيط بنا وتخصنا، وبالأخص قضية كارباخ.. في الآونة الأخيرة نظمنا زيارات عديدة للمناطق المحررة وشاهد السياسيون والإعلاميون من دول العالم أطلال المدن بعد خروج القوات الأرمينية.. الآن بعد استرداد كرامتنا الوطنية، نحن ندعو لاحترام القانون الدولي وننادي بالسلام والتعاون على أسس أممية، لكن أرمينيا لم تستجب. واستطرد: قبلت أرمينيا اتفاق السلام لكننا نريد رؤية الخطوات العملية وعلى مستويات عالية، فهي تتهرب وتؤجل المحادثات رغم هزيمتها الميدانية وتراجعها الإقليمي، وتتجاهل مبادرة جورجيا لاستضافة مفاوضات مباشرة وموسعة لتأسيس علاقات جديدة طبيعية بين دولتين جارتين. وأشار علييف إلى تصريحات رئيس المجلس الأوروبي الذي تحدث عن أمن الشعب الأرمني في كارباخ الواقعة داخل حدود أذربيجان (غرب البلاد) وعلق عليها قائلا: نحن ندعم ذلك تماما، نحافظ على حق جميع المواطنين بموجب الدستور، ومنهم ذوي الأصول الأرمنية في أذربيجان وبالأخص كاراباخ علما بأنهم أقلية. وتابع: الشعب الأذري يريد التنمية والاستفادة من الهدوء والسلام والاستثمار في موارده وطاقاته، وهذا لن يتحقق إلا ببسط السيادة الأذرية تماما على كاراباخ، وغلق هذا الملف تماما بعد 30 عاما من النزاع. واقتصاديا؛ قال علييف إن مصادر الطاقة الأذرية تنمو، ونخطط لزيادتها والاستفادة بأكبر صورة ممكنة منها، لكن التغيرات اللي حدثت مؤخرا (بالحرب الروسية على أوكرانيا) باغتتنا وأثرت على خططنا، مشيرا إلى أن هناك طلبات متزايدة من الدول الأوروبية للحصول على الغاز الأذري لكن بلاده لا تخطط لزيادة الإنتاج حاليا، متابعا: "الأمر يتعلق أيضا بالنفط والكهرباء والتي نتوسع في إنتاجها في أذربيجان وننوي استكمال الخطوات في هذا المجال، كما نسعى أيضا للانتقال إلى الطاقة الخضراء". من جهته؛ قال د. إسماعيل سراج الدين، الرئيس المشارك للمركز ونائب رئيس البنك الدولي ومدير مكتبة الإسكندرية سابقا، إن العالم يواجه عددا هائلا من التحديات الدولية، مثل جائحة كورونا التي مازالت تطل برأسها، والحرب الروسية الأوكرانية، ومشكلات الطاقة وتغير المناخ، مما يعرض الأمن والسلام الدوليين للخطر، ويحيط المجتمع الدولي والإنسانية بشكل عام بالإشكاليات، ولذلك فالمنتدى يسعى لتقديم خبرات ووصايا ومقترحات المشاركين إلى الرأي العام العالمي. وأضاف سراج الدين بنبرة داعية للتفاؤل أنه من الممكن من بين كل هذه المشاكل أن نرى مستقبلا للتعاون في المجتمع الدولي، مذكرا بظروف إنشاء الاتحاد الأوروبي الذي كان ثمرة لرؤى مبكرة لتطوير الواقع الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية. وأوضح أن جميع الدول كبيرها وصغيرها تتفق على ضرورة المضي قدما لأهداف التنمية والسلام، مشيرا أيضا إلى أهمية قضية التغير المناخي باعتبارها أزمة كبيرة تواجه البشرية ولها توابع خطيرة على الاقتصاد العالمي. بينما قالت الرئيسة المشاركة للمركز ڤايرا ڤايك فيربرجا، رئيسة لاتفيا السابقة، إن المنتدى يكرس سنة بعد سنة يكرس صداقات عبر الدول لتبادل الأفكار حول ما يجب أن يكون عليه العالم، الذي يعتبر الآن غير آمن أكثر من أي فترة سابقة، وحلول إنقاذه يجب أن تنبع من القانون الدولي وحقوق الإنسان والقيم الإنسانية. وهاجمت فيربرجا روسيا في حربها الأخيرة على أوكرانيا، مما أدى إلى قتل وإصابة وتشريد عشرات الآلاف وقطع خطوط النقل والطاقة مما أثر سلبا على اقتصاد العالم كله قائلة "حتى مزارع الموز في الإكوادور يتأثر بهذه الحرب". واستطردت: "روسيا الضخمة للغاية ليست كافية لإرضاء طموحات القيادة الروسية، والاتحاد السوفيتي كان قائما على احتلال أكبر قدر من المناطق والسيطرة عليها، وهذا الأمر أدى بعد سقوطه إلى هذه المعارك بين الجيران، واستعادة السلوك الاستعماري في القارة الأوروبية يهدد السلام الدولي وخطير للغاية على مستقبل العالم، والأوكرانيون يجب أن يُمكنوا من تحديد مصيرهم ومن اختيار حلفائهم المستقبليين". يشارك في جلسات المنتدى هذا العام عدد من رؤساء الدول والحكومات والبرلمانات والوزراء الحاليين والسابقين، أبرزهم رؤساء البوسنة وألبانيا وجورجيا ورئيسا وزراء بلغاريا وفلسطين، وأمين عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وتاتيانا فالوفايا مديرة مكتب الأممالمتحدة بجنيف، والأمير تركي الفيصل رئيس مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية.