انفجرت عاصفة من التصفيق الحاد المتواصل والحاضرون وقوفا لتحية التينور الأشهر فى العالم لوتشيانو باڤاروتى بعد أن صعد صوته إلى السماء السابعة متسلقا السلم الموسيقى مرات متكررة فى يسر وعذوبة بلغت حد الإعجاز. أسكرته النشوة وصدى صوته الرخيم يتردد فى جنبات المسرح العريق لاسكالا ميلانو فمازال حتى عامه السبعين قادرا على أن يصيح بصوت ملون له كل ألوان البهجة ودرجاتها. رفع ذراعية يحيى جمهوره العريض وملامحه تنطق بالزهو لكن الزمن فجأة توقف حينما باغته ألم شرس واتاه من بين ضلوعه خلسة فأفقده توازنه. سقط باڤاروتى فى نهاية عرض أوبرا ويجولوتو فكانت البداية لنهايته بسرطان البنكرياس. البنكرياس غدة فريدة فى الجسم إذ إنها تنقسم إلى جزأين الأول مسئول عن إفراز إنزيمات الهضم المختلفة التى تساعد فى هضم البروتينات والدهون والنشويات يصيبها من خلال قناة تشترك مع القناة المرارية فى الاثنى عشر (الأمعاء الدقيقة) الجزء الثانى منه غدة صماء لا قناة لها تفرز الأنسولين والجلوكاجون مباشرة فى الدم حين الحاجة إليهما. غدة البنكرياس بجزأيها تقع فى عمق تجويف البطن مباشرة خلف المعدة فى وضع مستعرض، لذا فانتشار السرطان إلى كل أعضاء تجويف البطن أمر يسير يزيد من خطورة تداعياته. سرطان البنكرياس أحد أشرس أنواع السرطانات وأكثرها غدرا إذ يتسلل بهدوء فلا يعلن عن نفسه بأى أعراض إلا القليل والذى يمكن تصوره أمر عادى من متاعب الجهاز الهضمى. قد تكون نسبة حدوثه أقل مقارنة بأنواع أخرى من السرطانات كسرطان الثدى والرئة لكنه مرض الحياة بعد الإصابة به تعد قليلة ولا تتعدى الشهور بعد تشخيصه الذى غالبا ما يأتى متأخرا. غدة البنكرياس فى موقعها العميق تبدو لصيقة لكل من حولها من أعضاء داخلية فى صورة رأس وذيل، قد يصيب السرطان قنواتها الفرعية والرئيسية معا فى 90 ٪ من الحالات (adinocarcinomas) أو قد يصيب الخلايا التى تنتج الإنزيمات والأنسولين والجولكاجون خاصة الخلايا المنتجة للأنسولين فيفرز الأنسولين بصورة كثيفة لتهبط معدلات السكر إلى أدنى مستوى فى الدم. هل لسرطان البنكرياس أسباب؟ حتى الآن لا أحد يعلم تحديدا ما الذى يسبب سرطان البنكرياس لكن هناك بعض التكهنات التى تربط بين حدوثه وبعض المسببات مثل: 1 التهاب البنكرياس الحاد المتكرر أو المزمن الذى قد ينشأ نتيجة لتناول الكحوليات لما للكحول من تأثير سام على أنسجة البنكرياس. انسداد القناة المرارية الرئيسية بإحدى الحصوات يؤدى إلى ركود الإنزيمات بدلا من إفرازها مما يؤدى للالتهاب. حدوث ارتفاع حاد فى نسبة الدهون الثلاثية أو كمضاعفات لالتهابات فيروسية مثل فيروس الغدة النكفية. أو تناول بعض الأدوية كلها عوامل تتسبب فى التهاب البنكرياس. 2 التدخين.. يرصد العلم احتمالات الإصابة بسرطان البنكرياس بنسبة أعلى كثيرا من غير المدخنين خاصة. 3 أسباب مختلفة أخرى مثل احتمالات الإصابة لدى مرض السكر أعلى من غيرهم، أن يصيب الرجال أكثر من النساء، الوراثة أيضا قد تلعب دورا هاما فى الإصابة بسرطان البنكرياس ربما البدانة المفرطة أيضا. ما هى أعراض سرطان البنكرياس؟ للأسف ليس لسرطان البنكرياس فى بداياته أى أعراض واضحة يمكن أن تدق إنذارا يتناسب وخطورته إنما هى بعض أعراض متاعب الجهاز الهضمى مثل: 1 ألم خفيف متكرر فى البطن. 2 نوبات من الإمساك. 3 قلة الشهية وفقدان الوزن. 4 ظهور الصفراء فى العين والجلد نتيجة إصابة القناة المرارية بعد إصابة رأس البنكرياس فى حالات نادرة نسبيا. 5 هناك أعراض ترتبط بمكان الإصابة بالسرطان فى البنكرياس. فإذا انفجر النشاط السرطانى فى الخلايا التى تنتج الأنسولين فإنه بلا شك يتسبب فى إفراز كميات هائلة من الأنسولين تتسبب فى هبوط مستويات الجلوكوز فى الدم مما يتسبب فى أعراض غيبوبة نقص السكر التى تبدأ بالإحساس بالهبوط المفاجئ والاضطراب الذهنى والرعشة قبل الغيبوبة. هل من وقاية؟ للأسف ليست هناك شواهد تدل على أن الوقاية من شر سرطان البنكرياس أمر محتمل أو وارد. إنما هى الوقاية من السرطان كشر يواجهه الإنسان بصورة عامة. هناك بعض النصائح التى يسديها العلم للإنسان والتى قد تساهم بصورة أو بأخرى فى تفادى خطره مثل: اتباع نظام غذائى متوازن ترجح فيه كفة الخضراوات الطازجة والفواكه الغنية بالفيتامينات خصوصا فيتامين (ج) الموجود بكثرة فى كل الموالح كالبرتقال واليوسفى أيضا فى الكيوى والجوافة إلى جانب كل الخضراوات متعددة الألوان كالفلفل بأنواعه وألوانه المختلفة أيضا الطماطم. يجب أيضا الالتفات لأهمية الحبوب الكاملة والبقوليات ومنها العدس والفول واللوبيا والفاصوليا الجافة. التشخيص واختيارات العلاج: الواقع أن الخبرة فى تشخيص سرطان البنكرياس أمر يواجه المريض وطبيبه معا فرغم أنه لا يتطور بسرعة لفترة طويلة من الزمن فإنه لا يتسبب فى أى أعراض واضحة تشير إليه إنما تختلط أعراضه بأعراض حموضة المعدة وارتجاع المرىء إلى أن يصل إلى مرحلة قاتلة لا راد لها فتبدو أعراضه القاسية مفاجئة سيئة بينما هو يسكن جوف الإنسان منذ أمد. تشخيص سرطان البنكرياس يشمل: 1 تحليل لعينة من الدم بحثا عن دلالات الأورام (بروتينات ترتفع نسبتها إزاء وجود نشاط سرطانى فى الجسم). 2 اختبارات الموجات فوق الصوتية والأشعة المقطعية والرنين المغناطيسى كلها اختبارات تجرى فى تحضير المريض لجراحة قد تكون الحل فى أحوال نادرة لكنها لا قيمة لها فى الكشف المبكر عن سرطان البنكرياس. اختبارات العلاج محدودة للغاية فى مواجهة أشرس أنواع السرطان وأعنفها خصوصا أن تشخيصه يتم عادة فى حالة لا تسمح إلا بالتدخل الجراحى أحيانا حينما لا يلحق السرطان بفرصته فى الانتشار للأعضاء المجاورة. قد تستخدم أيضا علاجات العلاج الكيماوى أو الاشعة العميقة لكنها لا تحمل أملا كبيرا فى الشفاء.