رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، اليوم الأربعاء، أن المسجد دخل في معركة الهند حول الهوية الدينية، وسط الصراع المحتدم في هذا الصدد بين الهندوس والمسلمين، حيث تهدد سلوكيات الهندوس وآراؤهم المتطرفة بإشعال موجة عنف واسعة النطاق في البلاد. وقالت الصحيفة: "بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وخارج البوابة الصخرية لمسجد (جيانفابي)، فإن الطريق المؤدي إليه كان مليئا بالعشرات من رجال الشرطة، بعضهم مسلحون بقنابل الغاز المسيل للدموع، وكانت هناك أيضا تغطية إعلامية واسعة، من خلال كاميرات التلفزيون، وميكروفونات المراسلين الصحفيين". وأضافت الصحيفة أن المسجد الذي يعود إلى القرن السابع عشر، في مدينة فاراناسي القديمة (بيناريس أو كاشي سابقا) في ولاية أوتار براديش شمال البلاد، وهي أقدس المدن الهندوسية، ظهر بوصفه أحدث نقطة مشتعلة بين القوميين الهنود والأقلية المسلمة، فبعد مزاعم عبر استقصاء أجرته محكمة بوجود بقايا إله هندوسي في منطقة المسجد، فإن المحكمة صادرت الأرض المبني عليها، وتم حظر التجمعات الكبيرة للمصلين. ونقلت الصحيفة عن عتيق أنصاري، رجل الأعمال البالغ من العمر 66 عاما، والذي يصلي في مسجد جيانفابي منذ عقود، قوله: "هذه مكيدة سياسية، جمال هذه الدولة الذي يتمثل في التنوع يتعرض للتشويه الآن". وقال تقرير الواشنطن بوست إنه "على مدار عقود، زعم القوميون الهنود بأن عددا من أبرز المساجد في الهند كانت في الأصل معابد هندية، أو مناطق مقدسة، قامت الإمبراطورية المسلمة بتغيير وضعها منذ مئات السنين. هذه المطالبات، التي يراها المسلمون على أنها محاولة لمحو تاريخهم من البلاد، لاقت اهتماما من جانب حكومة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي". ورأت "واشنطن بوست" أن الجهود التي تستهدف استعادة السيطرة على أماكن الصلاة الخاصة بالمسلمين ليس فقط بسبب رفع دعاوى قضائية ضد ما حدث في الماضي، بحسب خبراء، ولكن الهدف الأساسي، كما تقول "أودري تروشكي"، أستاذة تاريخ جنوب آسيا في "جامعة روتجرز" الأمريكية، يتمثل في تجسيد رؤية القوميين الهنود، التي تقوم على أنه لا يوجد مكان للمسلمين في مستقبل الهند إلا إذا كانوا مواطنين مضطهدين من الدرجة الثانية، ويتم منعهم من الحصول على حقوقهم. وأشارت إلى أن "الزخم القانوني الجديد حول قضية مسجد غيانفابي أدى إلى مخاوف من اشتعال عنف في الشارع، مثل ما حدث قبل 30 عاما في البلاد،بعد أن قامت عصابات هندوسية بهدم مسجد يعود إلى القرن السادس عشر في مدينة "أيوديا". وأوضحت أن الحركة التي كانت تقف وراء أحداث هذا المسجد هي التي رفعت حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي ينتمي إليه مودي، إلى الساحة السياسية الوطنية في التسعينيات، الآن يتم بناء معبد كبير على الأرض المتنازع عليها، حيث يعتقد الهندوس أنه مكان ميلاد الإله رام. وقالت "تانيكا ساركار"، المؤرخة التي تلقت التعليم في جامعة "جواهرلال نهرو" في العاصمة نيودلهي، إن رؤية القوميين الهنود للتاريخ منحازة بشدة، ومدفوعة بشكل كامل بالرغبة في غرس الهوية العمياء، والكراهية للآخرين، وأشارت إلى أنها تخشى أن تؤدي القضية الأخيرة إلى كم هائل من العنف ضد المسلمين. تقرير "واشنطن بوست" أضاف بالقول: "خلال الشهور الأخيرة، قامت مجموعة من الهندوس، وعادة ما يحملون السيوف، بتنظيم مسيرات خارج المساجد، والهتاف بشعارات مناهضة للإسلام، وعادة ما تسبب ذلك في وقوع اشتباكات. واستهدفت السلطات في الولايات التي يحكمها حزب "بهاراتيا جاناتا" الزواج بين الأديان، وحظرت الحجاب في الفصول الدراسية، وتقوم بعمليات هدم لمنازل المسلمين دون سند قضائي". ووفقا لوكالة فرانس برس، يركز أنصار الهندوتفا (التفوق الهندوسي) حاليا على مسجد غيانفابي حيث أجريت في الأسبوع الماضي حفريات بأمر محكمة في موقع المسجد كشفت عن "شيفا لينغا"، وهو تمثال لكائن يعد "رمزا" للإله شيفا. وقال الوزير كوشال كيشور من حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إن "ذلك يعني أنه موقع معبد" معتبرا أنه يجب أن تتاح للهندوس الصلاة فيه. وبات يمنع على المسلمين ممارسة طقوس الوضوء المعتادة في المكان الذي عثر فيه على التمثال الهندوسي المزعوم.