حاز فيلم "رسائل البحر" تأليف وإخراج داود عبد السيد على إعجاب النقاد الذين رأوا فيه دعوة للسلام والتسامح مع الآخر، رغم الاختلاف الديني أو العقائدي، وعرضاً لحالة الضياع الإنساني الذي تعيشه الطبقة المتوسطة في مصر. ويختلف الفيلم، المليء بالشجن والشخصيات التي لم تحقق ذاتها، عن سياق الأفلام المصرية التي عرضت خلال الموسمين السابقين، وأيضا خلال الأعوام السابقة، لتقديمه رؤية متعددة الأبعاد وأكثر من قراءة لمستوى الحدث الواحد. ويقيم المؤلف علاقات متعددة المستويات بين شخصيات الفيلم التي يربط فيما بينها البطل يحيى (النجم الجديد آسر ياسين). واعتبر الناقد طارق الشناوي أن: "رسائل البحر هو الأبرز في مسار داود عبد السيد السينمائي، لتميزه بالرقة والنعومة والسلاسة في تقديم الرؤية والصورة بشكل جمالي أخاذ". ويتفق الشناوي مع باقي النقاد على أن "المخرج استطاع أن يدير حركة ممثليه وإبداعهم بشكل هائل". وتدعو الرؤية التي يقدمها داود عبد السيد في مستواها الأول، كما يشير الناقد اشرف بيومي، إلى "بشكل غير مباشر إلى تقبل الآخرين كما هم كما في حب يحيى لفريدة (بسمة) التي تعرف عليها كمومس ثم تزوجها". ويؤكد المؤلف على ذلك في "الحوار بين السيدة الايطالية (مخرجة الأفلام التسجيلية نبيهة لطفي) وجارها يحيى حول شخصية المومس وضرورة تقبلها والتعامل معها كما هي، دون أن يحاكمها أو يحاول تغييبها، وهذا ينطبق على الحوار بين صديقته ابنة الجيران الفتاة الايطالية (سامية سعد)، وصديقتها (دعاء حجازي) التي ترتبط بها علاقة جنسية". ويقول الشناوي إن الفيلم يحمل "بعدا عالميا"، مشيرا إلى أن "اختيار اسم قابيل للبطل الثاني في الفيلم (محمد لطفي) ليس اعتباطيا لأنه يقدم رؤية مغايرة، مع اتخاذه قرارا بعدم القتل إثر جريمة أولى". ويرى الناقد في ذلك "دعوة للسلام والتسامح مع الآخرين المختلفين معك على مختلف المستويات فكرياً ودينياً وعقائدياً، التسامح والسلام مع الآخر المختلف عنك حضارياً مهما كان لنا من تحفظات على الأخر". ويخصص المؤلف المساحة الأوسع لعرض "مستوى الضياع الروحي والإنساني والعملي للطبقة المتوسطة في المجتمع المصري وبحثها عن ذاتها دون جدوى في ظل نظام قاس ينفي دور الطبقة المتوسطة في الواقع الاجتماعي والسياسي في الفترة التي تلت الحكم الملكي لمصر" كما تشير الناقدة علا الشافعي. وترى علا أن: "اختيار المؤلف للإسكندرية ليس عبثياً فهي التي كانت منفتحة على الحضارات الأخرى في فترة الحكم الملكي، والتي ملكت روحاً مختلفة في العلاقة مع الآخر وفي تكوين شخصية عالمية قادرة على الانفتاح، ما كان يعطي أبناء الطبقة المتوسطة في هذه المدينة رؤية مغايرة". وتضيف أن: "الفيلم يعبر عن ذلك من خلال علاقة يحيى بالسيدة الإيطالية العجوز وابنتها، وتجاورهم في عمارة لها جماليتها وخصوصيتها والانفتاح الإنساني بين العائلتين خلال الطفولة، واستمرار علاقة الحب حين عودته بعد غياب سنوات". وترى أن الفيلم: "يظهر الشرخ بين أبناء الطبقة المتوسطة أنفسهم بعد تراجع دور المدينة وتراجع التسامح والانفتاح بين الأنا والآخر من خلال علاقة يحيى مع نسمة صاحبة الحلم الروحي، الذي تعبر عنه بالعزف على البيانو". فالأحداث المتلاحقة "تبرز روحا مقموعة إنسانياً مضطرة للزواج سرا من تاجر (أحمد كمال) يأتيها مرة في الأسبوع لتحافظ على مستواها الطبقي، ولكنها تكتشف تدريجياً أنها تقبض ثمن نومها مع زوجها دون أن تملك أي مشاعر اتجاهه". و"مساحات الإيحاء الفني في الفيلم"، كما يقول الشناوي، "أقوى واعرض وأعمق بكثير من التصريح بالمشهد الدرامي ومن الصورة وهو يترك مساحات ليضيف المتلقي ما يشاء، مثل المشهد الأخير حيث تطفو الأسماك بعد قتلها بالديناميت على يد صاحب المحلات التجارية والعقارات (صلاح عبد الله) الذي يمثل سيطرة وقوة النظام ورأس المال". ويضيف أن في هذا المشهد "تحذيرا لبطلي الفيلم من أنهما سيلاقيان المصير نفسه لوجودهما في القارب - الذي يحمل اسم القدس بما لذلك من دلالات سياسية - والسمك الميت يحيط بهما، إذا لم يعودا إلى مائهما ليواجها هذا الرأسمالي الذي يدمر الجمال في الحياة ولا يستمتع فيها سوى بجمع المال". وحمل الناقد اشرف بيومي على "الرؤية الأخلاقية التي قدمها بعض الزملاء الصحفيين الذين أخذوا القراءة السطحية للفيلم، ورأوا فيه دعوة للعلاقات الجنسية الشاذة وخارج الزواج، لكنهم لم يروا إسقاطات العجز وعدم التحقق في المشهد الجنسي العام". ونبه بيومي من القراءة الخاطئة للفيلم الذي يرى أنه "من أكثر الأفلام عمقا خلال السنوات الأخيرة في السينما المصرية".