المبادرة ضمت أعمال جابريل ماركيز وشينوا آشيبى وعبدالرحمن منيف دار النشر استعانت ب 10 كُتّاب ومصورين لتوثيق تلك المناطق.. كما استعانت أيضًا برسام خرائط لرسم خرائط للمناطق الخيالية فى الأدب فى مبادرة أدبية جديدة تسعى لمزج الواقع بالخيال، قرر صحفيان إسبانيان نشر كتاب مختارات جديد تحت عنوان «مناطق خيالية Regiones imaginarias»، والذى يستخدم النصوص والخرائط والصور لاستكشاف 10 من أشهر المواقع الخيالية فى الأعمال الأدبية والأماكن الحقيقية التى ألهمتها. وضمت رحلة البحث من أجل إصدار الكتاب عدة مواقع شهيرة تم ذكرها فى الأدب العالمى مثل: مدينة «ماكوندو» فى رواية مائة عام من العزلة للعملاق الكولومبى الراحل، جابرييل ماركيز، ومدينة «أوموفيا» فى رواية «أشياء تتداعى» للكاتب النيجيرى، شينوا آشيبى، ومقاطعة «يوكنتباتاوفا» فى كتابات الروائى الأمريكى، ويليام فولكنر، وبلدة «كومالا» فى كتابات المكسيكى خوان رولفو، ومدينة «حديب» فى كتابات الأديب والناقد السعودى، عبدالرحمن منيف، ومدينة «فيجاتا» للإيطالى، آندريا كاميليرى، ومدينة «مالجودى» فى عوالم الهندى، آر. كيه. نارايان. وانبثقت فكرة المشروع من محادثات شخصية بين مؤلفى الكتاب، الصحفيين برناردو جوتيريز ولويس فرنانديز زورين كما كشفت صحيفة «الجارديان». وقال «جوتيريز»: «نحن مفتونان بكيفية تفسير الواقع والأماكن الملموسة فى أعمال بعض المؤلفين، بل وتغييرها أحيانًا لتصير طريق مناطق خيالية»، وأردف: «هذه الأماكن ليست بعيدة كل البعد عن الواقع؛ بطريقة ما، فهى تعمل على تفسير هذا الواقع وإعطائه بعدا جديدا». وتولت دار نشر «مينجوانتس Menguantes» الإسبانية مهمة نشر الكتاب، ولهذا الغرض أرسلت 10 كُتّاب ومصورين فى 10 مهام لتوثيق تلك المناطق، كما استعانت أيضًا برسام خرائط لرسم خرائط للمناطق الخيالية، وكان هدفها الأساسى هو استكشاف المدى الذى يساعدنا فيه الخيال على تفسير الواقع ومعالجة القضايا المحورية فى حياتنا؛ مثل الصراع والعنصرية والتعامل مع التاريخ والذاكرة. وقام «جوتيريز» برحلتين للبحث عن مدينة «ماكوندو» وتوثيقها من خلال مساهمته فى المختارات، وأعرب عن سعادته بمقابلة جارسيا ماركيز فى حياته؛ حيث أوضح أنهما تحدثا عن المدينة، وأكد «ماركيز» شكوكه فى أن «ماكوندو» لم تكن قائمة فقط فى «أراكاتاكا»، وهى مدينة فى منطقة البحر الكاريبى الكولومبية حيث وُلد الراحل الحائز على جائزة نوبل فى عام 1927. واعتزازًا بذكرها فى عمل من أعمال «ماركيز»، قرر مجلس مدينة «أراكاتاكا» منذ 16 عامًا إجراء استفتاء شعبى لتغيير اسم المدينة إلى «أراكاتاكا ماكوندو»، وقد أشار «جوتيريز» أيضًا إلى أنه إذا نظرت إلى بلدية Ciénaga القريبة على خرائط جوجل، فستجدها مسجلة ك «عاصمة الواقعية السحرية». وفى أسفاره، رأى «جوتيريز» بنفسه قدرة الخيال على تطويع الواقع؛ ففى حين أن العديد من الأشخاص الذين التقى بهم «جوتيريز» لم يقرأوا أبدًا رواية «مائة عام من العزلة»، إلا أن تفاصيلها ووقائعها وشخوصها كانت مألوفة لديهم مثل أفراد أسرهم، وقد اعتبر ذلك دليلًا على القوة الدائمة ل «تواتر الأدب» كما أسماه فى منطقة البحر الكاريبى. وأضاف: «لا يتعلق الأمر فقط بتفسير أو تعديل للواقع: لقد انتهى الأمر بأدب ماركيز نفسه إلى التدخل فى الواقع وتغييره بطرق شيقة للغاية»؛ خذ على سبيل المثال مذبحة «إضراب عمال مزارع الموز» الشائنة التى وقعت عام 1928 وأدت إلى وفاة قرابة المئات من المزارعين على يد القوات المسلحة الكولومبية، والتى ظهرت فى شكل خيالى فى «مائة عام من العزلة»، قال «جوتيريز»: «فى الكتاب، قُتِل 3000 شخص، لكننى حققت فى الأمر وحصلت على تقرير محدث أثبت أنه لم يلقَ سوى أكثر من 100 شخص مصرعهم فى الحادثة». جدير بالذكر أنه ليست كل المناطق المذكورة فى الكتاب الجديد خيالية أو شبه خيالية؛ فعلى سبيل المثال، من أجل رحلتها إلى مدينة «أوموفيا»، اختارت الكاتبة النيجيرية الشابة، تشيكا أونيجوى، كتابة قصة قصيرة تركز على حفيدة «أوكونكو» البطل فى رواية «أشياء تتداعى». وأقرت «أونيجوى» بأن كتاب «أتشيبى»، الذى قرأته عندما كانت صغيرة نسبيًا، فتح عيونها على حقيقة إرثها الاستعمارى، وعلى نسخة من الماضى تختلف اختلافًا جذريًا عن تلك التى كانت تدرسها فى المدرسة. وقالت: «لقد أظهر لى الكتاب أن شعبى كان له تاريخ، وحضارة، وطريقة حياة معينة أفسدها الاستعمار»، وتابعت: «اختلف منظورى بالكامل عن الاستعمار بعد القراءة، فلم يكن أبدًا مشروعًا حميدًا أو خيرًا، ولكنه غزو عنيف أجبر أحد أبرز رجال مدينة أوموفيا على الانتحار». وقال «جوتيريز» إن الخيال يمكن أن يكون مادة أكثر مرونة ودقة من الحقائق التاريخية أو الجغرافية عند معالجة الأسئلة الكبيرة. وأضاف: «فى حين أن الكتاب هو نوع من الجسر أو الحوار مع الخيال، فإن الفكرة لم تكن مجرد الحديث عن هذه المناطق الخيالية من وجهة نظر أكاديمية أو نظرية، ولكن أيضًا البحث عنها بالفعل من خلال الرحلات والبعثات»، وتابع: «هذا ما يعطى الكتاب ثقله الحقيقى».