أن ترى ممثلا فى ثلاثة أفلام متتالية أو أكثر يكرر نفسه ويقدم تيمة واحدة بنمطية شديدة أصبح أمرا عاديا، ومن مسلمات السينما المصرية. ورغم أن السينما المصرية كانت قد استيقظت من ظاهرة «لمبى» محمد سعد إلا أن المخرج خالد يوسف أبى أن يغلق الملف وخرج علينا بشخصية «توشكا» التى يعيد بها شبح اللمبى بعد أن اختفت.. وقبل أن نقع فى فخ صناعة لمبى واثنين وثلاثة دون أن ندرى، حاولنا البحث عن أسباب هذه الظاهرة فى هذا التحقيق. الناقد أحمد رأفت بهجت يقول: هذه ظاهرة تعكس خواء ثقافيا على عدة مستويات.. أولها مستوى الكتابة وهذه مشكلة المشاكل فى السينما المصرية.. وثانيها مستوى الممثل والمخرج.. وأدعى أن ما يحدث هو نوع من الفقر الذى يشكل مأساة حقيقية فى السينما المصرية، فالفن له أصوله وقواعده التى يجب الالتزام بها، وأهم قاعدة فنية هى إيجاد موضوع وفكرة جيدة، وتقريبا هذا مختفى عندنا فى مصر، وبالتالى الجميع يهرب إلى المضمون الذى يحقق له الربح فيقدمون شخصيات نمطية ومواقف مكررة مستهلكة.. والغريب أن هذه النوعية من الأفلام التى تقدم فى المناطق العشوائية بحجة أنها تسعى لتجعلنا نتعاطف معها، لكن ما حدث أنه بدلا من أن نتعاطف اصبنا بالاشمئزاز وبدلا من أن نسعى إلى حل مشاكلهم شعرنا بأننا يجب الابتعاد عنهم وألا نقترب منهم.. وهذه هى نتيجة السينما التى تتدعى أنها فى صالح المهمشين والفقراء، والحقيقة أنها العدو الحقيقى لهم، لأنها شوهتهم بشكل مبالغ فيه ولا يحتمل بتقديمها مثل هذه الشخصيات.. ونوه بهجت أن الرقابة يجب أن تنتبه وتستيقظ لأن العملية متصاعدة ولا تتوقف منذ 10 سنوات تقريبا قدم خلالها الإسفاف تحت مظلة الحريه وشعارات فى حقيقتها هدامة، وستؤدى قريبا إلى خراب السينما المصرية.. ويؤكد الناقد يوسف شريف رزق الله أن العيب ليس فى الممثل الذى يكرر نفسه فى أكثر من عمل، فالمشكلة متعلقة بكاتب السيناريو.. لأننا عادة نفتقد وجود سيناريوهات تعتمد على كوميديا الموقف كما نرى فى السينما العالمية، ونحن نفتقد ذلك ليس ضعفا فى كتابنا ولكن لأن هذه النوعية من الكوميديا التى تعتمد على المواقف تأخذ وقتا طويلا فى التحضير لها، كما يشارك فى كتابتها أكثر من مؤلف فيعملون فيها بشكل «ورشة عمل»، وذلك ليصلوا فى النهاية إلى مواقف تقنع الجماهير عندما تشاهدها، وأزمتنا فى مصر أننا نتعامل مع نوعية أفلام الكوميديا مثل باقى نوعيات الأفلام الأخرى رغم أنها الأصعب بينها.. وأضاف يوسف: لا أرى وجه مقارنة بين الشخصيات التى قدمها عمرو عبدالجليل فى الأفلام وإن تكررت، وما قدمه محمد سعد فى أفلامه، فأنا لم أستسغ شخصية «اللمبى» على الإطلاق.. فتوشكا ليس تقليدا ل«اللمبى»، لأن الثانى مصطنعا أكثر من اللازم، أما الأول فهو تلقائى فى الأسلوب وطريقة كلامه وكذلك رد فعله، وأعتقد أن الجمهور والاعلام اختلط عليهم أن توشكا تقليدا للمبى لأن الشخصيتين قدما فى منطقة عشوائيه، فمواقفهما واحده.. وبالنسبه لتكرار عمرو عبدالجليل نفسه من خلال تقديمه شخصية «توشكا» فى فيلم «كلمنى شكرا» على طريقة شخصية «كرم غباوة» التى قدمها فى «دكان شحاتة»، و«حين ميسرة».. فأرى أنه ورغم أنه قدمها كبطولة فى هذا الفيلم إلا أنه انتبه لنفسه ولم يعتمد على «لخبطتة» الكلام بشكل رئيسى مثل الفيلمين السابقين، لكن ما زال النمط الذى عاد به إلى الساحة بعد اختفاءة سنوات طويلة منذ أن قدمه يوسف شاهين فى فيلم «إسكندرية كمان وكمان» هو الغالب على الشخصيات التى يقدمها.. ورغم أن النجاح الذى حققه يحسب له ولخالد يوسف لأنه يصعب حتى فى السينما العالمية أن ينطفئ نجم ممثل ثم يعود نجم شباك مرة أخرى.. وأعتقد أنه كان مشروعا لعمرو أن يقدم نفس الشخصية التى نجح بها فى أول بطولاته بالسينما لكن واجب عليه أن يبتعد عنها فى أفلامه القادمه، وأن يختار أنماطا أخرى فى الكوميديا إذا كان يريد أن يستمر. كما يجب أن يبتعد عن تقديم أعمال عن المناطق العشوائية لأنه سيضطر لتقديم قضايا ومواقف قدمت من قبل فى أعمال أخرى. أما المونتيرة صفاء الليثى فجاء رأيها قريبا من الرأى السابق حيث شجعت استغلال الأدوار الثانيه الناجحة فى السينما، وهذا الاستثمار مشروع جدا لأن احتمالات نجاحه كبيرة.. والمنتجون وصناع السينما يختارون فقط الشخصيات التى تعلق مع الجمهور.. وأشارت الليثى إلى أنها مع ذلك لأنه يتيح للممثل الجيد فرصة الصعود إلى البطولات المطلقة، وأن يكون جنبا إلى جنب مع نجوم الشباك.. فمحمد سعد جاءت له الفرصة بعد إشادة الجميع بشخصية «اللمبى» التى قدمها فى فيلم «الناظر» مع الراحل علاء ولى الدين، واستغل المنتج نجاح هذه الشخصية وتعلق الجمهور بها وقدم من خلالها نجما جديدا للسينما المصرية فقدم «اللمبى» ثم «اللى بالى بالك» والثانى كان أنجح من الأول، ولكن بعد هذين الفيلمين كان يجب أن يتوقف محمد سعد عن تقديم هذه الشخصية ويغير من نفسه. لذلك يجب أن يتعلم عمرو عبدالجليل من خطأ محمد سعد، ويسرع فى التغيير خاصة أنه لا يستحب استغلال نفس التيمة فى أكثر من بطولة لأن الجمهور من الممكن أن يتقبلها مرة أو اثنين، لكن مؤكد أنه سيمل فى الثالثة.. وعلق المخرج خالد يوسف على ذلك قائلا: «توشكا» ليس له أى علاقة باللمبى ولا يشبهه فى شىء.. لأن «اللمبى» كان يعتمد على الإيفهات اللفظية فى الكوميديا، فيضحك الناس على طريقة نطق الجملة نفسها.. أما «توشكا» اعتمد على كوميديا الموقف، فمثلا جملة «أنا كعاطف انبسطت» سبقها 3 مشاهد كبيرة تبررها وهى أن يكون على خلاف مع عاطف وأن يخجل أن يقول إنه اغتصب على الهواء فى البرنامج ثم تأتيه فكرة أن يلفق الموقف لصاحبه فالناس ضحكت أكثر عندما شاهد صاحبه «عاطف» الحلقة فى المشهد الرابع.. إذا هذا بناء درامى لمشهد كوميدى وليس إيفيها لفظيا فقط.. وأنا أراهن على أن 90% من المشاهد الكوميديا الموجودة بالفيلم لا تعتمد على كوميديا اللمبى اللفظية، وبالتالى «توشكا» ليس «لمبى» جديد. وأود توضيح أن عمرو لم يعتمد على قلب حروف الكلمات فى الفيلم، فهو ممثل خفيف الظل، وأعترف أنه أضاف للشخصية كثيرا، كما أننى لا أرى أن شخصية «توشكا» ليس بها أى وجه تشابه مع شخصية «كرم غباوة» فى «دكان شحاتة». وأرى أن التشابه سببه أنه نفس الممثل الذى قدم الشخصيتين، ومن الصعب بل من المستحيل أن تفصله فى هذا الفيلم عن سابقة.. وأضاف ناصحا عمرو عبدالجليل: إذا استمر بهذه الطريقة سيمل منه الجمهور. أما عمرو عبدالجليل أو «توشكا» والمتهم بتقليد شخصية اللمبى بدأ كلامه منزعجا وقال: «أنا مش اللمبى يا جماعة». وأضاف لا أعرف لماذا اختلط الأمر على الناس، رغم عدم وجود أى شبه بين «توشكا، واللمبى». وأوضح عمرو أنه لا يرى تشبيهه باللمبى اتهاما لأن هذه الشخصية نجت مع الناس جدا، ولكن الحقيقة أنه لا تشابه بين الشخصيتين، كما أننى لم أكرر نفسى لأن الثلاث شخصيات التى قدمتها لم يكن لها علاقة ببعضها البعض، وأعتقد أن الناس ربطت بينها لأننى الذى قدمتها جميعا. وطالب عمرو النقاد بأن يبحثوا عن السبب وراء اختلاط الأمر عند الناس ووصفه بأنه لمبى جديد.