غير عابئات بمحاولات النظام المصري ومؤسسة الأزهر لتحجيم ارتداء النقاب، تغطي طالبات في جامعة القاهرة وجوههن بالكامل ولا تكشفن إلا عن عيونهن لأنهن ترين في النقاب فرضا دينيا على المرأة المسلمة في زمن الفتنة يقيهن من التحرش. وتقول مروة محمد (19 عاما) المغطاة بزيها الأسود من أعلى الرأس حتى القدمين والتي تدرس القانون وتأمل أن تصبح محامية، "ارتديت النقاب أساسا لاحمي نفسي من التحرش في الشارع وفي وسائل المواصلات". ولكن، إذا تغيرت الظروف وإذا لم تكن معرضات للتحرش هل ستخلعن النقاب؟ الإجابة بالنفي. فبفضل النقاب"، تضيف مروة، "أنال الاحترام وينظر إلي الناس بعين مختلفة". وتضيف بابتسامة تفضحها عيناها المرسومتان بعناية بكحل اسود يضفي عليهما ألقا خاصا من خلف النقاب، "في كل الحالات .. ينبغي تغيير الكثير، هل ستتغير تكاليف الحياة الباهظة وغلاء المعيشة، هل ستتغير البطالة أو أسعار المساكن التي تزداد ارتفاعا كل يوم". وتتابع "طالما أن الشباب لا تتوفر لهم الإمكانات المالية اللازمة للزواج، سيتسمر التحرش". وتعتبر غالبية العلماء المسلمين أن الحجاب فرض للسيدات المسلمات ولكن القليل منهم يرى في النقاب فرضا. بل أن مؤسسة الأزهر نفسها ترفض اعتبار النقاب زيا يفرض الإسلام على المرأة ارتداءه. وشن شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي حملة عنيفة على النقاب في سبتمبر الماضي معتبرا انه تقليد "لا علاقة له بالدين في شيء" وقرر منع ارتداءه في صفوف المدارس والمعاهد العليا التابعة للأزهر "طالما أن الصف لا يضم إلا تلميذات ولا يقوم بالتدريس فيه الا معلمات سيدات". وأثار تصريح شيخ الأزهر جدلا عنيفا لم يتوقف حتى الآن صاحبته منازعات قضائية إذ لجأ العديد من الطالبات المنقبات إلى المحاكم للمطالبة بحقهن في تغطية وجوهن بالنقاب. وتردد الطالبات المنقبات بل أيضا العديد من الطالبات اللاتي يكتفين بالحجاب جمله واحدة صارت اقرب إلى مسلمة لا نقاش فيها بالتأكيد النقاب فرض في زمن الفتنة. أما ما هو مفهوم زمن الفتنة وكيف يمكن تعريفه، فالطالبات لا تعرفن على وجه التحديد. وبعد تردد تحاول آية، وهي طالبة في الصف الأول بكلية الآداب قسم اللغة العربية ترتدي النقاب منذ ثلاثة أشهر فقط، تقديم تفسير لهذا المفهوم فتقول أنه زمن مثل الذي نعيشه الآن والذي ينتشر فيه التحرش الجنسي. واصدر القضاء المصري الأسبوع الماضي عدة أحكام متتالية أمر فيها بان يوقف فورا تنفيذ قرارات رؤساء الجامعات وشيخ الأزهر بمنع الطالبات من ارتداء النقاب في المدن الجامعية وفي لجان الامتحانات. وتخشى السلطات المصرية والمؤسسة الدينية الرسمية من ان يكون انتشار النقاب تعبير عن تنامي الإسلام السلفي في مجتمع ما يزال بطبيعته محافظا للغاية. وتؤكد السلطات أن من بين أسباب منع النقاب الحفاظ على الأمن العام وتجنب مخاطر انتحال الشخصية والتنكر باستغلال غطاء الوجه الكامل والغش في الامتحانات من خلال إرسال شخص آخر محل الطالبة المقيدة لأداء الامتحان. كما قال بعض مسؤولي الجامعات ان منع النقاب في المدن الجامعية الهدف منه المحافظة على الطالبات ومنع الرجال من دخولها متخفين خلف النقاب والجلباب الفضفاض الذي ترتديه الطالبات تحته. ولكن الطالبات الشابات تعتقدن ان النظام يريد من خلال الحد من ارتداء النقاب تقديم صورة غير حقيقية عن بلادهن. وبلهجة لا تخلو من السخرية تؤكد فاطمة ناصر الطالبة في كلية الآداب أن "الحكومة تريد منع النقاب لتقليد الأمريكيين والأجانب ولتقول أن مصر دولة حديثة ومتقدمة كما لو كنا ستصبح غدا الولاياتالمتحدة المصرية ولكن مصر ستظل دولة نامية بالنقاب أو من دونه". ولكن ارتداء النقاب لا يمنع ليلي محمود (18 سنة)، التي تدرس الأدب العربي، من أن تفكر في مستقبلها المهني وان تحلم بالمستقبل ولكنها تدرك أن زيها يفرض عليها قيودا. وتتساءل "هل يمكن أن تقبل المؤسسات الصحافية خريجة جامعة إذا كانت منقبة" وتجيب بنفسها "لابد أن هذا صعب".