استخدمت مهاراتى الصحفية للبحث والتقصى فى الرواية التى اعتبرتها «تحديا» أردت أن أبدأ مشوارى الأدبى بعمل مختلف ومؤثر.. وأعكف حاليا على عمل ينتمى ل«أدب الطعام» مواصلة الشيخ النقشبندى وإصراره على تحقيق حلمه وتحقيق نجاحاته كان شيئا ملهما بالنسبة لى نجحت الكاتبة رحمة ضياء فى تحقيق معادلة السلاسة فى السرد والتماسك فى بناء العمل الأدبى خلال رواية «النقشبندى» أول أعمالها الأدبية الفائزة بجائزة خيرى شلبى، والصادرة عن دار الشروق. اعتمدت رحمة ضياء فى أحدث مؤلفاتها على الإحكام اللغوى الواضح، ومزج الواقع بالخيال، مستعينة بجهد ضخم بذلته خلال مراحل البحث وعبر التناول الفنى المتميز لشخصيات الرواية، التى اعتبرتها فى حوار مع «الشروق» نوعا من التحدى الذى أرادت أن تبدأ به مشوارها الأدبى. لماذا وقع اختيارك على شخصية «النقشبندى» لتشكل جزءا كبيرا من أحداث روايتك وعنوانها؟ اختيار شخصية «النقشبندى» جاء من منطلق أننى قررت كتابة رواية سيرة نظرا لأننى أحب هذا القالب الروائى، وأشعر أن روايات السير الذاتية ملهمة بالنسبة لى، حيث من خلالها أستطيع الجمع بين مهاراتى وخبرتى فى المجال الصحفى فى البحث والتقصى، وقدرتى على تجميع المعلومات الجديدة عن الشخصية التى سأتناولها. شعرت أن هذا النوع من الروايات سيشكل نوعا من التحدى، وأردت أن أبدأ مشوارى الأدبى بعمل مختلف ومؤثر، لذلك فكرت فى الشخصيات العامة والمشهورة وتساءلت كثيرا عمن سأستطيع الكتابة عنه، وتعمدت عند اختيار الشخصية أن تكون لها قدر من الأهمية والشعبية الكبيرة وحياتها تكون غنية بالتفاصيل الثرية بحيث تحقق عنصر التشويق. المصادفة أنه قبل أن اختار شخصية الشيخ سيد النقشبندى، ببعض الأيام، قد حلمت أننى فى زيارة لمدينة طنطا وكنت أرتدى كمامة طبية وكان يظهر ذلك أننا وقت جائحة كورونا، وأثناء الحلم كنت أقف أمام مسجد السيد البدوى وكان المقام مغلقا وكنت أتساءل طوال الحلم لماذا سافرت فى هذا الوقت بالتحديد. بعدما وقع اختيارى على «النقشبندى» وبدأت فى العمل على الرواية، تذكرت الحلم وشعرت بسعادة كبيرة لأننى شعرت أنها علامة أو إشارة من الشيخ سيد تدل على مباركته للعمل. ذكرت أن حياة المبتهل الشهير مليئة بتفاصيل ملهمة تستحق أن تروى.. ما هى أبرزها من وجهة نظرك؟ أكثر التفاصيل الملهمة بالنسبة لى أنه ظل طوال عمره يسعى من أجل العمل فى الإذاعة ورغم كل المرات التى تم رفضه بها، وبالرغم من أن عمره كاد يقترب من الخمسين عاما، وكان ما زال لم يحقق حلمه، ولكنه لم يتوقف عن السعى، وفى النهاية نجد أن الصدفة والقدر ومشيئة الله استطاعوا أن يعوضوه عن كل هذه السنوات من السعى، بأن ينال حظا وفيرا من النجاح والشهرة الواسعة. دائما ما أتخيل لو أن الشيخ النقشبندى فقد الأمل مبكرا واستسلم للإحباطات الكثيرة التى تعرض لها خلال مشواره المهنى، حيث أذكر جيدا فى مرة من المرات عندما كنت أستمع إلى أحد الأحاديث الإذاعية الموثقة كان يحكى ابنه كيف تم رفض الشيخ النقشبندى فى الإذاعة قيل له إن صوته لا يناسب، فماذا لو كان فى مرة من هذه المرات أصيب بالإحباط مثلما يحدث لأغلب الناس عندما تتعرض للرفض لأكثر من مرة ومن ثم تنصرف عن الطريق وتفقد الأمل وقرر عدم المواصلة والسعى، كنا فقدنا كل هذا التراث الثرى من ابتهالاته التى ترسخت فى وجداننا وتربينا عليها وأثرت علينا جميعا. مواصلة الشيخ النقشبندى وإصراره على تحقيق حلمه وتحقيق نجاحاته كان شيئا ملهما بالنسبة لى، ورسالة قوية بأن الإنسان لابد أن يستمر لآخر لحظة فى حياته فى الحفاظ على السعى والمقاتلة من أجل تحقيق أحلامه وعدم الاستسلام لليأس. ما المدة الزمنية التى استغرقتيها فى العمل على الرواية وما هى كواليس كتابتها وإبداعها؟ عام ونصف، منها 8 شهور تحضير وبحث فى الأرشيف ومذاكرة للشخصيات والأماكن التى سأكتب عنها، فترة الكتابة كانت حوالى 6 شهور، وبعدها استمريت حتى بعد إرسالها للجنة تحكيم جائزة خيرى شلبى والفوز بالجائزة بالعمل المستمر والمتواصل على مراجعتها وتنقيحها. أما عن كواليس الكتابة، حرصت على زيارة الأماكن التى ذكرتها فى الرواية كى أستطيع استحضار المشاهد أثناء الكتابة أمام عينى، ولكى أستطيع وصفها بشكل جيد. بالفعل سافرت إلى طنطا ومشيت فى شوارعها وتعرفت على العلامات المميزة فى المدينة، وطبيعة الناس والمحلات والبيوت، نظرا لأن أكثر أحداث الرواية تدور فى طنطا، سافرت أيضا إلى الإسكندرية لأتفرغ للكتابة ولأن بعض الأحداث تدور هناك أيضا. كان هناك زيارات كثيرة للأرشيف، خاصة أرشيف دار أخبار اليوم، حيث يضم ملفا ضخما عن النقشبندى، تجمعت فيه كل الأخبار الخاصة به فى الجرائد منذ كان على قيد الحياة، هذا الأرشيف غير متوفر على الإنترنت ولذلك شعرت أننى وجدت «كنزا»، قرأت أيضا فى الصوفية وتاريخ الطريقة النقشبندية وتاريخ مصر فى الفترة إلى عاش فيها الشيخ سيد، والحوارات الإذاعية والصحفية وكل ما كتب عنه. رحلة كتابة الرواية كانت بمثابة رحلة طويلة وممتعة وشيقة من البحث، كنت أكتشف من خلالها ملمحا جديدا من ملامح شخصية النقشبندى يوميا، وكنت أتعرف على جوانب جديدة من شخصيته وحياته. السرد داخل العمل يدور فى زمنين بالتبادل.. فلماذا اعتمدتِ على ذلك؟ عندما شرعت فى كتابة الرواية، قررت ألا تقتصر على سيرة صاحبها فقط، وإنما تكون مزيجا بين الماضى والحاضر ولذلك لجأت إلى زمنين فى السرد، وهما زمن الماضى التى تدور فيه كل الأحداث الخاصة بالشيخ النقشبندى وزمن الحاضر وتدور أحداثه حول البطلة «نصرة»، واللقاء التى يحدث بطريقة ما بينها وبين الشيخ سيد ويتبادلا الحكايات، لنكتشف قدرا هائلا من الأسئلة التى تحملها البطلة وتحاول أن تجد الإجابة من خلال الحديث مع الشيخ سيد النقشبندى، لذلك فضلت اللجوء إلى سرد حكايتين متوازيين يتقاطعا فى نقطة ما. حرصت عند رسم شخصية نصرة أن تكون هناك خلفيات مشتركة بينها وبين الشيخ النقشبندى رغم اختلاف الزمن والبيئة التى نشأ فيها كل منهم. لماذا فضلت التعبير عن النقشبندى من خلال قالب روائى تخيلى، وليس من خلال قالب السيرة الذاتية؟ أحببت أن يكون مشروعى فى المجال الأدبى روائيا وليس كتابا توثيقيا، وأشعر دائما أن الرواية والقصة القصيرة الأقرب لقلبى وأنسب لشخصيتى أكثر من الكتب. تناول شخصية مشهورة فى قالب روائى كان تحديا كبيرا بالنسبة لى، وحرصت على الالتزام بنسبة كبيرة بالأحداث والوقائع التى حدثت فى حياته بالفعل لأن نسبة كبيرة من الذين سيقرأون الرواية سيكون لديهم تصور أن هذه الحياة الحقيقية للنقشبندى، لذلك التزمت بالحقائق الأساسية فى حياته مع الحفاظ على مساحة من الخيال، حيث لقائه بنصرة ونقاشاتهما ورسم المشاهد للأحداث التى حدثت بحياته وشعوره بها كان فيه مساحة أكبر من الخيال فى الرواية. حدثينا عن البطلة «نصرة» وما ترمز إليه خلال أحداث الرواية؟ بالرغم من أن الرواية تحمل اسم وصورة الشيخ سيد النقشبندى، وتُعرف بأنها رواية «سيرة متخيلة» للشيخ سيد النقشبندى، لكن فى تصورى أن البطلة الحقيقية للعمل هى «نصرة» وهى التى تدور حولها الأحداث وكل التفاصيل والحكايات الخاصة بالنقشبندى تم وضعها لترد على أسئلة نصرة وتلهمها وتكون سببا من أجل تغيير حياتها وتغيير نظرتها للعالم. هل هناك نقاط التقاء ما بين البطلة «نصرة» فى الوقت الحالى وما بين النقشبندى فى زمن الماضى؟ بالفعل هناك نقاط التقاء كثيرة بين الشيخ النقشبندى ونصرة، وذلك كان متعمدا من أجل أن يكون هناك انسجام عندما تلتقى الشخصيتان، لذلك تعمدت أن أجعل خلفيات مشتركة لكل منهما مثل دور الأب فى حياة كل منهما، وكيف أثرت ندوب الطفولة فى حياتهم وكيفية التعافى منهم. حدثينا عن أجواء تقديم الرواية لمسابقة خيرى شلبى.. وماذا عن أجواء الفوز بالجائزة؟ التقديم لمسابقة خيرى شلبى كان الهدف منه هو احتياجى لسماع لجنة تحكيم أثق فى رأيها الأدبى وأن يمنحونى ملاحظاتهم على كتاباتى وعلى طريقة رسم الشخصية والحبكة، كان هدفى هو معرفة تقييمى فى الكتابة الروائية، خاصة أنها أولى تجاربى الروائية. سعدت جدا بفوزى بجائزة خيرى شلبى للرواية، وشعرت بالثقة والاطمئنان أن العمل جيد بشكل كافٍ ليفوز بهذه المسابقة، وفخورة أن الرواية تحمل اسم «خيرى شلبى» وأنه تم إصدارها من خلال دار الشروق. ما رأيك فى من يقولون بأن الرواية تسىء إلى النقشبندى؟ الرواية تجعل من يقرأها يشعر بحب وتقدير للشيخ سيد النقشبندى أكثر، والقراء تعرفوا عليه من خلال الرواية بشكل أعمق، الرواية لم تحمل أى إساءة للشيخ سيد أو لأى من أفراد أسرته ويؤسفنى جدا إذا رآها أحد بهذا الشكل. الرواية قدمت الشيخ سيد فى صورة بشرية، بعيدا عن الهالة المقدسة، وجعلته أقرب لقلوب الناس يشبههم فى مواجهة المخاوف والسعى من أجل تحقيق الأحلام، والإحباطات التى يمرون بها، وأيضا روح المرح التى يتميز بها، ولحظات الضعف التى لا تخلو منها حياة أى شخص. فى اعتقادى أن رسم شخصية الشيخ سيد بهذه الصورة جعلته أقرب من قلوب الناس، ولم تنتقص أبدا من مكانته أو محبته أو تسىء له بأى شكل، وقد حرصت جيدا على الالتزام بالحقائق والخطوط العريضة فى حياته وتركت الخيال فى مساحات أستطيع التعامل معها مثل اللقاء ب«نصرة». كيف نفرق ما بين الرواية كعمل يشوبه الخيال والإبداع وما بين العمل التوثيقى عند الحديث عن حياة المشاهير والرموز؟ مجرد كلمة «رواية» فإن ذلك يعبر عن أن العمل يحتوى على مساحة من الخيال وأيضا جاء الغلاف حاملا حيثيات الفوز بالجائزة والتى تضمنت: «أنها سيرة متخيلة، وأنها تمزج بين الواقع والخيال»، وهذا مؤشر واضح أن الرواية لا تنقل حرفيا كل الأحداث التى مرت فى حياة النقشبندى وإنما مزيج بين الخيال والواقع. ما رأيك فى الاعتراض على المبدعين والأدباء من خلال تقديم بلاغات للقضاء؟ أتمنى أن يتفاعل الناس مع الأعمال الفنية والأدبية، بالحجة والردود المنطقية، فالعمل الفنى والأدبى يعرض وجهة نظر صاحبه، وفى النهاية يمكن أن يكون الاعتراض أو الرد بنفس الطريقة طالما العمل لا يتضمن أى إساءة أو تجريح لصاحب السيرة فلذلك أتمنى أن يكون لدينا انفتاح وتقبل لهذا الشكل من الروايات. كيف تنظرين إلى تكريمك ضمن 20 شخصية نسائية عامة ومبدعة على مستوى مصر؟ سعدت جدا بالتكريم فى أعياد المرأة فى شهر مارس الماضى، وحصولى على درع وزارة الثقافة، واختيارى من ضمن 20 شخصية مؤثرة على مستوى مصر، شعرت بالفخر لأنى كنت أصغر المكرمين سنا وكان ذلك يدعو للفخر والسعادة الكبيرة بالنسبة لى. ماذا عن قادم أعمالك؟ بدأت بالإعداد لعملى الأدبى الجديد منذ عدة شهور قليلة، وهو قريبا لتصنيفه «أدب الطعام» عمل مختلف عن رواية «النقشبندى» وعن كل ما كتبته من قبل، وهو بمثابة تحدٍ جديد لاكتشاف نفسى فى مناطق جديدة للكتابة قبل الاستقرار على المشروع الروائى الذى سأتبناه.