فى روايات السيرة الذاتية، يسير الكاتب على خيط رفيع ما بين رغبته فى الالتزام بالوقائع المثبتة، وما بين التحليق بالخيال، وفى رواية «النقشبندى» الصادرة عن دار الشروق، تناولت الكاتبة الصحفية، رحمة ضياء، قصة حياة واحد من أقرب الشخصيات إلى قلوب المصريين، الشيخ سيد النقشبندى، وهى الرواية التى حصدت جائزة خيرى شلبى عن العمل الروائى الأول، وقالت عنها لجنة التحكيم، فى حيثيات الفوز، إنها «تحاول بناء سيرة متخيلة للمنشد الصوفى الشهير، وهى سيرة لم يتم تناولها من قبل، فضلا عن أنّ النص اتسم بإحكام لغوى واضح، وبمزج الواقع بالخيال بطريقة مقنعة على الصعيد الفنى». «المصرى اليوم» التقت الكاتبة رحمة ضياء، التى كرمت مؤخرا فى إطار حملة أكثر 21 سيدة مؤثرة لعام 2021، وتحدثت معها عن أولى رواياتها «النقشبندى» والحدود الفاصلة بين الحقيقة والخيال فى روايات السيرة. ■ لماذا اخترت أن تكون سيرة «النقشبندى» أولى تجاربك الروائية؟ - رواية السيرة كانت الشكل الأنسب بالنسبة لى، لأنها ستجمع بين خبرتى فى العمل الصحفى والقدرة على البحث وتقصى المعلومة، وفى نفس الوقت شغفى بالكتابة، كما أن رواية السيرة من الأشكال المحببة لى فيها روح الإلهام، ولم أكن مستقرة على اختيار شخصية النقشبندى، حتى نصحنى الكاتب الصحفى محمد توفيق بأن أكتب عن شخصية أحبها، فقررت الكتابة عن النقشبندى. ■ لكن الكتابة وفى أول رواية عن شخصية محبوبة وفى نفس الوقت دينية فيه نوع من المخاطرة؟ - بالفعل هى مغامرة، لكننى انطلقت من فكرة حبى الشخصى للنقشبندى، ثم راهنت على أن الناس سيكون لديهم فضول لقراءة رواية عن شخصية شهيرة ومحبوبة بالنسبة إليهم، فالناس كلها مرتبطة بصوت النقشبندى وابتهالاته، لكن هناك الكثير من الجوانب الجديدة من شخصيته والتى اكتشفتها خلال البحث، وكذلك علاقاته الإنسانية. ■ وما أهم هذه الجوانب؟ - طبيعته المرحة وهو ما ظهر فى حواراته الصحفية، وكذلك حبه لزوجته السيدة صديقة، فقصة الحب التى جمعتهما ليست خيالا فى الرواية لكنها حقيقة وتحدث عنها بدون خجل فى أحد حواراته الصحفية وهو شيخ ومبتهل دينى، ووصف علاقته المميزة معها، وكذلك المصادفات التاريخية فى حياته، فرغم استقراره فى الصعيد وشهرته بها، لكنه قرر الانتقال إلى طنطا بجوار السيد البدوى، وما قيل وقتها إنه بسبب حلمه بالسيد البدوى الذى طلب منه السكن بقربه، فقرر نقل حياته وعالمه ويبدأ من البداية، وهو ما جعلنى أقرأ عن السيد البدوى نفسه والموالد، واكتشفت أن السيد البدوى أيضا جاء من المغرب لمصر بسبب «جذبة» جاءته فى المنام ليشد الرحال إلى «طندتا» طنطا. ■ الصوفية لها اتجاهات وطرق مختلفة، كما أن مصطلحاتها من أصول فارسية وتركية فكيف بحثتى عنها لتوصلى معانى هذه المصطلحات؟ - بدأت بالقراءة لمعرفة الطريقة التى ينتمى إليها الشيخ سيد النقشبندى ويحمل اسمها «الطريقة النقشبندية» بداية من مؤسسها الأول من عهد سليمان الفارسى الصحابى الجليل وتعاليمها التى أثرت فى حياته، كنت أحتاج للفهم أولا، كما تواصلت مع بعض المنتمين لطرق صوفية مختلفة لأفهم ما هو العهد، وما أدهشنى مثلا أنه فى إحدى صفحات مذكرات النقشبندى أنه استأذن شيخه قبل الحج فكان غريبا بالنسبة لى أن يستأذن أحدا قبل الذهاب لأداء أحد الفروض، لكن بفهم العلاقة التى تجمع الشيخ بالمريد تتضح التفاصيل، ويمكن التعبير عنها، كما حرصت على التواجد فى الموالد وحلقات الذكر ومراقبة أحوال الناس وهم ينتشون بذكر الله، فالكتابة عن الصوفية كانت مزيجا من القراءات والتجارب ولقاءات فى محاولة للفهم أولا ثم الكتابة عنها بصورة مبسطة يمكن لقارئ الرواية أن يفهمها. ■ أشرتى فى الرواية ل«الجذبة» فما حكايتها؟ - وجدت أنه من المعتاد فى الطريقة النقشبندية أن الهاتف أو الجذبة تكون سببا فى الكثير من القرارات فى حياة المنتمى للطريقة، والجذبة هى أحد مبادئ الصوفية، وهو هاتف يأتى للشخص فى الصحو أو المنام، وبناء عليه يرتحل من مكان لآخر فى رحلة للبحث عن الخالق وعن نفسه، هى رحلة فى العشق الإلهى، والنفشبندى والسيد البدوى وصلا لطنطا بنفس الطريق مع فارق زمنى عدة قرون. ■ علاقة الشيخ سيد بوالده فى الرواية كانت علاقة معقدة جدا كيف استطعت الوصول لتفاصيلها، وما حدود الحقيقة والخيال فيها؟ - علاقة النقشبندى بوالده فى الرواية كثير من تفاصيلها متخيلة، وهذا طبيعى فى الروايات، فمن خلال قراءاتى عن النقشبندى فى مرحلة البحث، ودراستى لكل التفاصيل الموجودة بين السطور، حاولت الخروج بصورة عن حياته، ومن الحقائق مثلا أن والد النقشبندى انفصل عن والدته فى سن العاشرة تقريبا، وأنه كان الطفل الوحيد لهما طوال هذه الفترة، لكن بعد زواج والدته مرة أخرى، أنجبت أبناء من زوجها الثانى وكذلك والده، فكنت أشعر بوجود توتر فى العلاقة ووجود أسباب دفعت لهذا الانفصال، وحتى الشيخ سيد فى حواراته كان يشير إلى الشيخ محمد سليمان بأنه مثله الأعلى وصاحب الفضل الأول فى استقامة حاله ولم يقل والده، على الرغم من أنه هو من كان يصحبه للموالد وعلمه مبادئ الطريقة النقشبندية التى تنتمى إليها الأسرة، وحتى فى إشاراته كان النقشبندى يقول أمى لكن فى الحديث عن والده كان يقول «الوالد» بطريقة تخلو من الحميمية، لذلك فى الرواية كان الجزء المتخيل أسباب الانفصال وأثرها على الشيخ سيد ووصف مشاعره حينما كان يعيش فى منزل خاله وكانت أحوالهم بسيطة. ■ هل كنتى حريصة على إبراز بعض النقاط المتعلقة بالنقشبندى والتى تعد خارج الصورة المألوفة لرجل الدين؟ - كنت أبحث عن شخصية الشيخ سيد النقشبندى فى الأرشيف والتسجيلات وأكتشف هذه الشخصية من خلال القراءات خاصة أرشيف أخبار اليوم، والذى استندت فيه للكثير من المواقف الموجودة فى الرواية، مثل قصة مشاركته فى حفلات أضواء المدينة، ومشاركته فى فيلم سينمائى، وكذلك لوحة الدعاء التى كان سيشارك فيها لولا الهجوم الذى تعرض له. ■ أحداث مثل اشتراكه فى حفلة أضواء المدينة، أو فيلم «الطريق الطويل»، والاستعراض مع فرقة طنطا للفنون الشعبية، هل كان فخا مثلما وصفتيه فى الرواية أم كان ميلا إنسانيا نحو الشهرة؟ - لا أعتقد أنه حب للشهرة، وأتصور أن موافقته كانت من منطلق حبه للفن، فالنقشبندى كان يحب صوتى أم كلثوم وعبدالوهاب، وحريصا على تعلم النغمات الموسيقية، كما أنه كان يفهم دور الفنان الحقيقى، ولولا أن مخرج فيلم «الطريق الطويل» توفى قبل اكتماله كنا سنشاهد النقشبندى يمثل فى فيلم سينمائى، والنقشبندى كان يريد تأدية رسالته ونشر الحب الإلهى بطرق مختلفة مادام لا يغضب الله، لكنه بعد الهجوم عليه فى الصحف اضطر للاعتذار عن عدم المشاركة فى هذه اللوحة الاستعراضية. ■ قيل إن أسرة الشيخ ليست راضية عن الرواية وأنهم سيلجأون للقضاء فإلى أين وصلت الأمور؟ - يؤسفنى ذلك، خاصة أن أسباب اعتراض الأسرة غير مفهومة، فهم لم يشيروا إلى أى نقاط جارحة أو مسيئة فى الرواية، لكن مثلا اعترضوا على إنى كتبت إن الشيخ سيد يأكل الحلاوة الطحينية أو يلعب الدومينو، ولم يصلنى أى استدعاء قضائى، كما أن الموقف القانونى بالرجوع لدار النشر وعدد من المحامين سليم، فالسير الذاتية للشخصيات العامة والرموز ليست حكرا على الورثة، ومن حق أى شخص الكتابة عنهم، كما أن كلمة رواية تعنى أنها تمزج بين الحقيقة والخيال، وقبل الكتابة حاولت التواصل معهم، لكنهم رفضوا التعاون.