"وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ"، من منطلق هذه الآية الكريمة، تستعرض "الشروق" خلال ال10 أيام الأوائل من شهر رمضان سلسلة "الحيوان في القرآن". نستعرض خلال الحقلة الخامسة من السلسلة، قصة الكبش الذي افتدى به الله رقبة سيدنا إسماعيل عليه السلام، لما ورد ذكره في كتاب "البداية والنهاية" للإمام ابن كثير. • مولد سيدنا إسماعيل (أبو العرب) أنجب سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء وخليل الله عليه السلام، النبي إسماعيل وأخيه النبي إسحاق، عليهما السلام، ويُنسب لسيدنا إسماعيل أنه مصري لزواج والده النبي إبراهيم عليه السلام من السيدة هاجر المصرية، عندما هاجر مع السيدة سارة إلى مصر لنشر الدعوة إلى الله، فهدى عزيز مصر السيدة سارة بالسيدة هاجر عليها السلام، وقت أن كانت أميرة، وأُسرت لتصبح جارية. ولأن السيدة سارة كانت عاقرا، عرضت على النبي إبراهيم الزواج من هاجر لتنجب له طفلا، فأنجبت إسماعيل قبل أن تنجب السيدة سارة النبي إسحاق ب13 عاما. عندما أنجبت السيدة هاجر المصرية سيدنا إسماعيل، غارت السيدة سارة منها وطلبت من زوجها سيدنا إبراهيم أن يبعدهما عن مكانها، فذهب سيدنا إبراهيم بهاجر ورضيعها إسماعيل إلى أرض الحجاز (السعودية حاليا)، وكانت صحراء شديدة الجفاف، فدعا إبراهيم ربه قائلا: "ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادي غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون". فدبت عين للمياه (ماء زمزم) التي هي الآن أطهر ماء على الأرض، وروت السيدة هاجر رضيعها إسماعيل، ومن ثم كبر سيدنا إسماعيل في أرض الحجاز، التي كانت غير عامرة وعاش فيها وعمّرها من نسله. وبسبب بئر زمزم الذي لم ينضب حتى يومنا هذا، دبت الحياة في المنطقة الصحراوية الجرداء، فلما مرت قبيلة عربية من اليمن طلبوا البقاء بجانب المياه حيث تسكن السيدة هاجر، فاشترطت السيدة هاجر أن تصبح المياه تحت إشرافها، فوافقت القبيلة وعاشوا هناك، وهو تحقيقا لدعاء إبراهيم في الآية الكريمة بأن يجعل الله فئة من الناس تهبط إلى هاجر وابنها لتؤنسهما. ولما شبّ سيدنا إسماعيل وكبر تزوج من إحدى فتيات القبيلة اليمنية، وتعلم اللغة العربية، ويقال إنه كان أول من تحدث بالفصحى البليغة، لكن أبيه إبراهيم أمره بفراقها، فنكح غيرها واستمر معها، وهي السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي. ويقال إن إسماعيل عليه السلام أنجب 12 ولدًا، انحدرت من نسلهم جميع قبائل أهل الحجاز العرب، وبينهم "عدنان"، الذي ينحدر من نسله الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. والدليل على أن إسماعيل ابو العرب، هو أن العرب كانوا يقسمون قديما إلى 3 فئات (العرب البائدة، والمستعربة، والعاربة)، فأما البائدة فهم مثل قوم عاد وثمود الذين حل عليهم عقاب الله فأبادهم لتكذيبهم الرسل، وأما العرب العاربة فهم القحطانيون أبناء قحطان من نسل سيدنا نوح، ويقال إن قحطان يمني وأن اليمن أصل العرب العاربة، وأما العرب المستعربة أو المتعربة، فيقال لهم "العدنانيون"، أو "النزاريون"، وهم من صلب سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام في الحجاز قديما، لذلك يقال إن مصر أم العرب، نسبة للسيدة هاجر المصرية أم سيدنا إسماعيل عليه السلام. • رسالة إسماعيل أثنى الله تعالى على سيدنا إسماعيل بوصفه ب"الحليم" و"الصبور" و"صدوق الوعد"، فكان إسماعيل عليه السلام رسولًا إلى أهل تلك الناحية بالتقريب في مكة وما والاها، من قبائل جرهم، والعماليق، وأهل اليمن قديما. • إبراهيم وإسماعيل يرفعا قواعد البيت الحرام (رؤية ذبح إسماعيل) لما كبر سيدنا إسماعيل في أرض الحجاز، وبعد أن توفيت أمه هاجر، جاءه أبوه النبي إبراهيم عليه السلام ليبلغه أن الله أمره ببناء الكعبة، فرفع الأب وابنه قواعد البيت الحرام في مكةالمكرمة، التي أصبحت قبلة المسلمين. ذات يوم رأى النبي إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل، وكان هذا اختبارا من الله عز وجل للنبي إبراهيم في أن يذبح إسماعيل هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر. أجاب النبي إبراهيم عليه السلام أمر ربه، وسارع إلى طاعته، ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه، من أن يأخذه قسرًا ويذبحه قهرًا، فكان جواب سيدنا إسماعيل في غاية السداد والطاعة لوالده إبراهيم ولرب العباد. يقول الله في كتابه العزيز سورة الصافات: {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى، قال يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. فلما استسلم الأب والابن لأمر الله، وعزما على ذلك، أراد النبي إبراهيم عليه السلام أن يذبحه من قفاه، لئلا يشاهد ولده يُذبح، وسمى إبراهيم، وكبّر، وتشهد إسماعيل للموت، وهمّ إبراهيم بوضع السكين على حلق إسماعيل لكنها لم تقطع شيئًا. وهنا أوحى الله تعالى إلى النبي إبراهيم فقال له: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ}. والمشهور عن جمهور الفقهاء أنه كبش أبيض، أعين، أقرن، وقال الثوري عن عبدالله بن عثمان بن خيثم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه "كبش قد رعى في الجنة 40 خريفًا"، لذلك يطلق على سيدنا إسماعيل "ذبيح الله". • وفاة النبي إسماعيل لما حضرت النبي إسماعيل الوفاة، أوصى إسماعيل من بعده إلى أخيه سيدنا إسحاق، يقول الله في كتابه العزيز: "وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ، إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ، وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ، وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ". دفن النبي إسماعيل بمنطقة الحجر في الحجاز مع أمه هاجر، وكان عمره يوم مات 137 سنة، ليأتي من بعده أخيه إسحاق نبيا، فيما مكث جثمان سيدنا إبراهيم الطاهر في الجامع الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية. إلى اللقاء في الحلقة القادمة.. اقرأ أيضا: الحيوان في القرآن (4).. الثعبان معجزة موسى عليه السلام في مصر