تعد أجواء ونفحات شهر رمضان المعظم؛ فرصة في تأمل التاريخ الإسلامي الثري بالشخصيات والمواقف، والتي في تأملها نجد من العبّر والعظّات ما يعود بالنفع والفائدة في تقويم معاملاتنا الحياتية. ومن بين أبرز الشخصيات أصحاب المكانة الكبيرة في التاريخ الإسلامي، يأتي أبناء وأحفاد النبي محمد، والذي يطلق عليهم «آل بيت رسول الله»، والذي جاء تكريمهم في القرآن الكريم-بحسب تفسير ابن كثير- بقوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا". ومع نهاية العام الماضي، وجه الرئيس السيسي بتطوير أضرحة آل البيت الموجودة بمصر، ما يعكس مكانتهم الكبيرة لدى المصريين؛ لذا سنتتبع ملامح من قصصهم وسيرهم في حلقات مسلسلة على مدى أيام شهر رمضان المبارك. وإلى الحلقة السابعة.. نستكمل حلقاتنا في تناول ملامح من حياة« آل البيت» بجيل أبناء أحفاد النبي محمد، وذلك بالحديث عن «علي بن الحسين» وهو أحد أبناء «الإمام الحسين» ولد بالمدينة المنورة، ولقب ب«زين العابدين»؛ لكثرة اجتهاده في العبادة وزهده وورعه، وذكر الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجممهورية السابق، أنه سُمي بالسجّاد، حيث يقال إنّه كان يسجد 1000 سجدة في اليوم. وكان «الإمام زين العابدين» جوّاداً في الصدقات، وبخاصة «صدقات لسر»، وكان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة ويقول: "إنَّ الصدقة في سواد الليل تُطفئُ غضب الرب"، وكان فقراء لمدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلمَّا مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يأتي إليهم، وعند تغسيل جثمانه وجدوا بظهره أثرًا فسألوا عنه، فقالوا هذا ممَّا كان ينقل الجِرَبَ (الأوعية التي كان ينقل بها الطعام)، وذلك حسب ما روى إبن عساكر. ومن المواقف التي تؤكد مكانته الكبيرة لدى المجتمع الإسلامي (فاقت الملوك والحكام)، ما رواه الأصفهاني في كتابه الأغاني، بأنه عندما حجّ هشام بن عبد الملك في خلافة الوليد أخيه، ومعه رؤساء أهل الشام، فجهد أن يستلم الحجر فلم يقدر من ازدحام الناس، فنصب له منبر فجلس عليه ينظر إلى الناس، وأقبل علي بن الحسين وهو أحسن الناس وجهاً، وأنظفهم ثوباً، وأطيبهم رائحة، فطاف بالبيت، فلما بلغ الحجر الأسود تنحى الناس كلهم وأخلوا له الحجر ليستلمه، هيبة وإجلالاً له، فغاظ ذلك هشاماً وبلغ منه، فقال رجل لهشام: من هذا أصلح الله الأمير؟ قال: لا أعرفه، وكان به عارفاً، ولكنه خاف أن يرغب فيه أهل الشام ويسمعوا منه. فقال الفرزدق (أحد أبرز شعراء العصر الأموي) وكان لذلك كله حاضراً: أنا أعرفه، وأنشد قصيدة مطلعها: "هذا سليل وتب فاطمة.. بنت الرسول الذي أنجابت به الظلم.. هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. والبيت يعرفه والحل والحرم.. هذا ابن خيرِ عباد الله كلهم.. هذا القي التقي الطاهر العلم". * والبطحاء (المكان المتسع ويقصد بها مساكن قريش). وغداً نلتقي في حلقة جديدة...