سنة كاملة من الحراك والنتيجة صفر, هذا هو الانطباع الذي تركه مبعوث السلام الأميركي إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بعد جولته الأخيرة في رام الله وتل أبيب. بل الواقع أن الحصيلة أشد قتامة، إذ إن الأسى مما يخبئه عام 2010 حل محل الرجاء الذي بعثه عام 2009, حسب مقال للكاتب جيل باريس بصحيفة لوموند الفرنسية. ويقول باريس إنه لا يمكن أن نتصور أن تكون الأفكار الضئيلة التي خلفها جورج ميتشل وراءه من قبيل نقل السيادة المحدودة للفلسطينيين أو الإفراج عن بعض المعتقلين, من شأنها أن تبعث الحياة من جديد في عملية السلام. ويأتي هذا الفشل في الوقت الذي لم تعد فيه أي من الهيئات الفلسطينية من الناحية النظرية على الأقل- شرعية، فمحمود عباس انتهت فترة رئاسته يوم 9 يناير 2009, والمجلس التشريعي الفلسطيني انتهت فترته يوم 25 يناير 2010. وهذا هو ربما الذي دفع الكاتب ستيفن وولت إلى مطالبة ميتشل عبر موقع مجلة شؤون خارجية على الإنترنت بالاستقالة, والواقع أنه لا بد من استخلاص دروس من إقرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بفشله في إحياء عملية السلام, إذ لا يمكن أن نتصور أن الإدارة الجديدة اندفعت في هذا الملف جهلا منها بخفاياه، خصوصا أن رام إيمانويل كبير موظفي أوباما اشتهر بمعرفته للعبة السياسية الإسرائيلية, كما أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز سبق أن قضى أشهرا في الأراضي الفلسطينية قبل تعيينه. فالفشل الحالي يعطي مصداقية لدعاة ما يسمى الحل أو المقاربة الإقليمية التي يتزعم الدعوة إليها جيورا إيلند المسئول السابق عن التخطيط بالجيش الإسرائيلي ومستشار الأمن القومي في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون. ويرى إيلند أن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تحل إلا في إطار تبادل أراض بين مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وبالتنسيق مع الأردن. وهناك آخرون يدعون إلى انتهاج طريق جديد في مقاربة حل قضية الشرق الأوسط. مقاربة جديدة فقد أوردت صحيفة لوموند في عددها الصادر يوم 25 يناير 2010 مقالا لروبرت مالي مدير برنامج الشرق الأوسط بمجموعة الأزمات الدولية والمستشار السابق للرئيس الأميركي بيل كلينتون لشؤون الشرق الأوسط، حث فيه أوباما على اعتبار جهود السلام المعتمدة على اتفاقيات أوسلو شيئا من الماضي. وقال مالي إن رئاسة أوباما انطلقت أصلا في هذه القضية من مفارقة, إذ استطاع أن يستفيد من موقف العالم العربي المستاء من سلفه ويعيد بعض الاعتبار لبلاده في صفوف العرب, لكنه وقع فريسة الآمال التي وضعت فيه. فقد تبين أن حكم الرأي العام العربي بشأن أوباما لا يمكن أن يظل معتمدا على مجرد مقارنته بسلفه, بل على الآمال الضخمة التي بعثها في النفوس والتي لا يمكنه اليوم أن يفلت من تداعياتها, ولم يتطلب الأمر أكثر من سنة عجفاء حتى تنقلب الأمور رأسا على عقب, إذ إن أوباما الذي استفاد من خيبة الأمل الهائلة من سنوات سلفه جورج بوش, يقع اليوم ضحية الأوهام المفرطة التي بعثها في النفوس. فأهدافه المعلنة في الصراع العربي الإسرائيلي والتي تشمل تجميد المستوطنات الإسرائيلية والشروع في عملية تطبيع بين العرب وإسرائيل واستئناف محادثات السلام وتعزيز موقف ما يسمى المعتدلين وتلميع صورة الولاياتالمتحدة، لم يتحقق منها شيء، بل إن العكس هو الذي حدث. والحصاد المر لعام أوباما الأول في المنطقة يلخص في فقدان الفلسطينيين الثقة في الإدارة الأميركية الجديدة وتشكيك العرب فيها, أما الإسرائيليون فإنهم لا يرون في أوباما سوى ذلك المبتدئ الذي لا يلهم الاحترام ولا التقدير. وثمة ثلاثة عوامل يمكنها أن تفسر هذا الفشل: أولا من الناحية التكتيكية، الإصرار في البداية على وقف تام للاستيطان، وهو ما لن تقبل به حتى حكومة يسارية إسرائيلية, ومن ثم التراجع عن ذلك الشرط بطريقة تفتقر إلى اللباقة والحنكة عبر وصف وقف جزئي للاستيطان بأنه خطوة غير مسبوقة, وأخيرا ممارسة الضغوط المتكررة على عباس للقبول بمقابلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وبتأجيل نقاش تقرير جولدستون حول غزة. أما العامل الثاني فيتعلق بالرؤية الإستراتيجية, فعملية سلام الشرق الأوسط لم تحظ -خلافا لغيرها من الملفات المهمة- باندفاع رئاسي حقيقي. ويعتبر العامل الثالث أخطر هذه العوامل، إذ يتعلق بعدم التكيف مع المعطيات الإقليمية الجديدة, فمنذ العام 2000 الذي كان آخر سني حكم الديمقراطيين, تغير السياق وتغير الفاعلون السياسيون، وحتى الأعداء أنفسهم تغيروا جذريا, فمراكز النفوذ الأميركي التقليدي بالمنطقة -مصر والسعودية والأردن- استنزفت وحل مكانها لاعبون آخرون عمقوا من وجودهم على الساحة الفلسطينية وتزايد ثقلهم داخل الرأي العام الفلسطيني، خاصة إيران وتركيا وسوريا. وعليه, فإن المباحثات التقليدية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن الحل النهائي عفا عليها الزمن وفقدت مصداقيتها, وعلى أوباما أن لا يبقى رهينة الماضي وأسيرا عن غير قصد لإرث سياسي يحد من قدرته على المناورة، ولمفاهيم أيديولوجية تحد من قدرته على التصرف. فتقسيم المنطقة بين معتدلين ومتشددين ودعم بعضهم ومقاطعة البعض، واللامبالاة تجاه قطاع غزة وما يعيشه من مأساة إنسانية، والخطب الرنانة الجوفاء عن السلام.. كل هذا ينم عن وجود فجوة عميقة بين ما تقوم به الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط وما يدور بالفعل في هذه المنطقة.