علت أصوات البكاء وصراخ الأهالي المفجوعين في مطار بيروت الدولي يسالون عن أحبائهم من ضحايا الطائرة الأثيوبية التي سقطت فجر اليوم الاثنين في البحر جنوببيروت، ويتعلقون بحبال أمل.. يضمحل مع مرور الساعات. في قاعة الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي التي فتحت لاستقبال الأهالي منذ الصباح الباكر، انهار رجل ستيني وهو يصرخ: "ابني ابني". عناصر الصليب الأحمر تسارع إلى نجدته، بينما زوجته تصرخ قربه "كلهم شباب حلوين، أين ابني أين ابني". ويتنقل الصليب الأحمر من شخص إلى آخر، فيما تتعاقب الإغماءات مع ارتفاع الضغط وغياب اليقين عن ركاب الطائرة التسعين وتناقل الأخبار عن انتشال جثث. وبدأ الأهالي يتدفقون منذ السادسة صباحا إلى المطار وسط طقس عاصف وماطر زاد من أجواء الحزن المسيطرة في المكان. وارتفع عدد الأهالي والسائلين تباعا: العشرات يدخلون، ينظرون يمنة ويسرة، عيونهم مليئة بالدموع، وبينهم عائلات بكامل أفرادها. عند باب قاعة الشرف، شاب لم يتعد العشرين يحضن والدته التي تخبئ وجهها بيديها فيما ينسدل شعرها الأشقر على جبينها ووجنتيها وتردد "غير معقول، غير معقول"، وتقف إلى جانبهما شقيقته وشقيقه يبكيان بغزارة. في داخل القاعة، تصرخ سيدة محجبة، "يا الله، يا الله، ما هذه المصيبة!". ولا توقف النحيب. "يا رب لماذا، أبي كان يعمل حسنات كثيرة". ثم تتوجه إلى ابنها علي الذي يبدو في الثانية عشرة من عمره وتسأله "هل من جديد؟" فيجيبها بأسى "لا". وتصرخ سيدة أخرى غطت كذلك رأسها بحجاب "أريد أن اعرف شيئا عن زوجي. هو عمري هو كل حياتي لا يمكن أن يتركني". ومع مرور الساعات، ينزوي ابن السيدة الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة بعد أن يقدم إلى والدته زجاجة ماء، في إحدى زوايا قاعة الشرف، يجلس أرضا ويشهق بالبكاء، ويتجمع حوله أقرباء له يحاولون مؤاساته. وتمر قربه امرأة شابة تغطي الدموع وجهها وهي تصرخ باللغة الفرنسية "أين هو؟ أين هو؟"، ولا يتجرأ احد على الاستفسار منها احتراما لحزنها. شابة محجبة في المكان تقول لوكالة الأنباء الفرنسية بصوت خافت أنها أتت مع عائلتها للاستعلام عن خالها حسن عيساوي الذي "لديه أعمال في أفريقيا" وكان متوجها إلى مقر عمله، وتضيف بيأس "لا احد سينجو من الحادثة". رغم ذلك، يتعلق المفجوعون بكل خبر وكل بصيص أمل. يصرخ احدهم وهو يتكلم عبر الهاتف الخليوي "لقد عثروا على ناجين"، فيتحلق حوله العشرات مرددين "إن شاء الله، إن شاء الله". لكن الصراخ والعويل يرتفع مجددا مع تأكيد آخرين بان لا ناجين بعد، "لم ينتشلوا إلا جثثا". قرابة الساعة 11.00مساء، يدخل رئيس الحكومة سعد الحريري إلى قاعة الشرف، يعلو الصراخ. امرأة تصيح "قولوا لهم، قولوا للمسئولين أن أبناءنا من خيرة الشباب. يسافرون للقمة العيش، قولوا لنا ماذا حل بهم". فيتقدم الرئيس الحريري ويحاول مواساتها. يدخل بعده رئيس المجلس النيابي نبيه بري فيسأله احدهم "أين السفن، أين الطوافات؟ ماذا فعلتم؟". المسئولون وبينهم عدد من الوزراء والنواب متأثرون. ودموع الأهالي تغلب على كل كلام. والد يعلو صراخه من دون أن يتمكن من قول أي شيء. فيتدخل عناصر من الصليب الأحمر ويقدمون له إسعافات، ثم ينتقلون إلى أشخاص آخرين أغمي عليهم. ويخفت صوت النحيب من جهة ليرتفع من جهة أخرى. رئيس الحكومة يقدم تعازيه ويقول "أنها كارثة، ولحظة صعبة جدا" ويدعو جميع اللبنانيين إلى التضامن. في إحدى الزوايا، جلست ثلاث نساء أثيوبيات، لا يفقهن شيئا مما يجري حولهن، ويجبن بصعوبة على سؤال فيوضحن أن رفيقتهن التي كانت تعمل مثلهن خادمة في لبنان كانت على الطائرة. "أنهت عقدها وذهبت لتلاقي عائلتها". وأعلن المسئولون اللبنانيون انه تم العثور حتى الآن على 28 جثة من أصل تسعين شخصا يفترض أنهم كانوا على متن الطائرة، بينما الأحوال الجوية لا تساعد عمليات الإغاثة. وبدا واضحا أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص على متن الطائرة يرتبطون بصلة القرابة أو الصداقة. النائب ياسين جابر قال أن هناك 15 شخصا من منطقة النبطية (جنوب) على متن الطائرة. تحصل فوضى عارمة مع تهافت الصحافيين بكاميراتهم وميكروفوناتهم نحو الحريري وبري يطرحون الأسئلة ويحاولون التقاط الصور، فيفقد احد الأهالي صبره ويصرخ بأعلى صوته "اتركونا وشأننا، اتركونا في همنا، اذهبوا صوروا المسئولين، ودعونا في مصيبتنا". وزير الأشغال غازي العريضي يتدخل مجددا، ليؤكد للأهالي أن "لا معلومات دقيقة غير تلك التي أذعناها رسميا". يعطي الأهالي أسماء المستشفيات التي اتخذت تدابير لاستقبال الجثث والمصابين في حال تم إنقاذ احد. فور سماعهم ذلك، يهرع بعض الموجودين إلى الخارج في اتجاه المستشفيات لعل وعسى! الخطوط الجوية الأثيوبية ترسل محققين إلى لبنان العثور على ناجين من بين ركاب طائرة إثيوبية سقطت على شواطئ لبنان