أعرب هانز كونداني، مدير برنامج أوروبا في معهد شاتام هاوس -الذي يتخذ من لندن مقراً له والمتخصص في العلاقات الخارجية- عن اعتقاده أن الدول الغربية فشلت في الماضي في اتخاذ الموقف الرادع المناسب تجاه روسيا، وهو الأمر الذي كبدها خسائر فادحة، مؤكداً أن خطر المبالغة والاندفاع في اتخاذ إجراءات رادعة واسعة النطاق ضد روسيا في الوقت الحالي سيكون له عواقب وخيمة على الدول الغربية. وأشار كونداني -في مقال له بصحيفة الجارديان البريطانية- أنه طالما تبنى هو شخصيا مواقف متشددة على مدار العقد السابق أو يزيد، وكان دوما مؤيدا للمواقف الأوروبية والأمريكية تجاه كل من روسياوالصين، وهي الحقبة التي اعتقد فيها الخبراء السياسيون أنه بإمكانهم تغيير توجهات روسياوالصين من خلال التعاون الاقتصادي مع كلا البلدين، بينما كان يرى شخصيا ضرورة اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه كلا البلدين. ويوضح الكاتب أنه كان ينحي باللوم بصفة خاصة على ألمانيا ويوجه لها انتقادات شديدة بسبب مبالغتها في استرضاء كلا البلدين، ربما على نحو يفوق الولاياتالمتحدة نفسها، وهو الموقف الذي بدا واضحاً في انخفاض ميزانية الإنفاق العسكري الألمانية، وهو ما أضعف قدراتها العسكرية، إلى جانب اعتمادها إلى حد كبير على استيراد الغاز من روسيا إلى جانب منتجات أخرى من الصين. ويضيف كونداني أنه الآن وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا فقد راعه تعالي الكثير من الأصوات التي تطالب الغرب باتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه روسيا لمساندة الشعب الأوكراني، فقد وجد نفسه فجأة ينتمي إلى معسكر الحمائم فيما يخص كل من روسياوالصين، داعياً إلى عدم تصعيد المواقف وأساليب التعامل مع موسكو والسعي لإيجاد حل لتلك الأزمة بدلاً من العمل على تغيير النظام الحاكم في روسيا. ويقول الكاتب: "دعونا نعود بالذاكرة للوراء قليلاً، فمنذ ضم روسيا لجزيرة القرم واجتياحها لإقليم دونباس عام 2014، قام الغرب باعتماد استراتيجية ردع ضد فلاديمير بوتين؛ لمنعه من التمادي في مسعاه التوسعي في أوكرانيا أو أي منطقة أخرى في وسط وشرق أوروبا. حيث قامت الدول الغربية بتعزيز تواجد قوات حلف شمال الأطلسي في بولندا ودول البلطيق، إلى جانب تقديم مساعدات عسكرية للجيش الأوكراني في صورة برامج تدريب عسكري، إلا أن الدول الغربية لم تأخذ تنفيذ تلك الاستراتيجية على محمل الجد، سواء في الشق العسكري أو الاقتصادي منها، حيث أعلنت الولاياتالمتحدةالأمريكية أنها لن تتولى الدفاع عن أوكرانيا لأنها ليست حليفاً لحلف شمال الأطلسي، أما فيما يخص الشق الاقتصادي فقد استمرت أوروبا في الاعتماد على الغاز الروسي لتوفير احتياجاتها من الطاقة، وهو القطاع الذي أسقطوه عمداً من العقوبات المفروضة على روسيا". ويعرب الكاتب عن اعتقاده أن إجراءات الردع الغربية تجاه روسيا قد فشلت بدليل أنها لم تنجح في منع بوتين من اتخاذ قرار الحرب في أوكرانيا والمغامرة بالتعرض لفرض عقوبات من جانب الدول الغربية، ولكن من الواضح أنه قرر أن يخوض المغامرة وأنه قادر على تحمل عواقبها. وأشار الكاتب إلى أن الدول الغربية حالياً في موقف صعب وغير مسبوق، موضحاً أنه يرى ضرورة عدم تصعيد الموقف حالياً ضد روسيا في الوقت الذي يجب أن تستعد فيه الدول الغربية إلى احتمال لجوء بوتين إلى التصعيد من خلال استخدام الأسلحة الكيماوية أو النووية لحسم نتيجة الحرب لصالحه. وعلى الرغم من ذلك، يرى الخبراء في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية ضرورة اعتماد جميع أنواع العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ضد موسكو وهو ما ينذر بجر حلف شمال الأطلسي إلى حرب مع روسيا. وأعرب الكاتب عن دهشته من تحول الدول الغربية المفاجئ من موقفها الداعي لتبني عقوبات محددة وضيقة النطاق ضد روسيا إلى اعتماد سياسة حرب اقتصادية شاملة عليها دون تحديد أي شروط لرفع هذه العقوبات والقيود في حالة تغيير روسيا موقفها الحالي. ويختتم الكاتب مقاله محذراً من خطورة الاندفاع والتهور في اتخاذ القرار في تلك اللحظات العصيبة التي تمر بها الدول الغربية حالياً في محاولة لتصحيح أخطائها في الماضي وتخاذلها تجاه المواقف الروسية.