استعرض معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، أمس الأربعاء، أسباب عدم نجاح اتفاقيات "مينسك" في حل الصراع الروسي الأوكراني، وإنهاء الحرب المندلعة منذ 8 سنوات بإقليم "دونباس" بجنوب شرق أوكرانيا. وقال المعهد البريطاني في تقرير مطول نشره عبر موقع الإلكتروني، إن الخوف من غزو روسي شامل لأوكرانيا، أعاد تنشيط محاولات العواصمالغربية لإيجاد حل سياسي للمحرك الرئيسي للأزمة آلا وهو الصراع في دونباس جنوب شرق أوكرانيا، الذي يضع السلطات في كييف في مواجهة دونيتسك وجمهورية لوجانسك الشعبية المعلنة من جانب واحد، والمدعومتين من روسيا. وكان الأمل في إنهاء هذه الحرب التي استمرت لما يقرب 8 سنوات، هو أن توفر اتفاقية "مينسك 2" الموقعة في فبراير 2015 الحل، وقد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة لموسكو تلك الاتفاقية ب"السبيل الوحيد للمضي قدما"، لكن الاجتماع الذي استمر 9 ساعات لمجموعة النورماندي (روسياوأوكرانيا وفرنسا وألمانيا)، في برلين في 10 فبراير الحالي من أجل إحياء صيغة تفاوضية لاتفاقية مينسك، انتهى دون التوصل لنتيجة حاسمة.
* لماذا كان من الضروري التوصل لصيغة تفاوضية بشأن "مينسك 2 "؟ تهدف اتفاقية "مينسك 2" إلى إنشاء إطار عمل لحل الحرب، لكنها مجموعة متشابكة من الأحكام المتناقضة، وتسلسل معقد ومتنازع عليه من الإجراءات. ويعكس عدم الاتساق النصي تفسيرات غير متوافقة لما يجب تحقيقه وكيف. وترى أوكرانيا أن "مينسك2" وسيلة لاستعادة سيادتها، لكن روسيا تعتبرها أداة لشل سيادة أوكرانيا. ولا يمكن تفادي الخلاف الجوهري حول السيادة في "مينسك 2"، هل أوكرانيا ذات سيادة أو ليست كذلك، فلا يوجد طريق وسط. وهذا هو "لغز مينسك" المدمج في جوهر البنود السياسية "لمينسك2"، وهي الانتخابات و "الوضع الخاص لدونباس"، وتقول أوكرانيا إن الأمن له أولوية على التوصل إلى تسوية سياسية، حيث لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في دونباس إلا بعد نزع السلاح من الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومين من روسيا، واستعادة أوكرانيا السيطرة على الحدود، مما يعني انسحابًا عسكريا روسيا كاملا. ويعتبر الالتزام باحترام سيادة الدولة وسلامة أراضيها هي "قواعد آمرة" في القانون الدولي العام، أي لا يسمح بأي انتقاص منها، وليست خاصة فقط بتفسير اتفاقية "مينسك 2"، لكن روسيا تصر على وجوب إجراء الانتخابات في دونباس قبل أن تستعيد أوكرانيا سيطرتها على الحدود، لضمان "فوز" وكلائها من جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك.
* ما هو موضوع "الوضع الخاص" لدونباس؟ تعتبر مسألة "الوضع الخاص" لجمهوريتي لوجانسك ودونيتسك الواقعتين في حوض دونباس الشرقية، الأكثر إثارة للجدل لأنه على عكس ما يقترح في بعض الأحيان، تتجاوز مطالب روسيا أي تعريف معقول للحكم الذاتي، حيث تريد موسكو نسخة متطرفة من الحكم الذاتي وتصر على أن هذا منصوص عليه في دستور أوكرانيا، مما يعني أنه بعد إعادة الاندماج الرسمي في أوكرانيا ستكون هذه الدول الصغيرة مستقلة بشكل أساسي عن كييف. وهذا من شأنه أن يرسخ النفوذ الروسي في النظام السياسي الأوكراني، ويهدد سيادة أوكرانيا من الداخل. وفي رسائل البريد الإلكتروني المسربة من العقل المدبر لانفصال دونباس، فياتشيسلاف سوركوف، تم التأكيد على أن هذه هي الاستراتيجية التي ستتبع، وأن القانون الأوكراني لن ينطبق في دونباس بعد التسوية. ولذلك فإن "الوضع الخاص" هو سؤال يحتمل أن يكون متفجرا في أوكرانيا، وقد تم التغاضي عنه من قبل بعض دعاة التسوية، في المقابل يرفض الغالبية العظمى من الأوكرانيين هذا المفهوم لأنهم يخشون أن تستغله روسيا لزيادة زعزعة استقرار البلاد. وتحت ضغط دولي، أشار قادة أوكرانيا على مضض إلى قبول "الوضع الخاص" فقط ليواجهوا المعارضة المحلية. واقترحت أوكرانيا تضمين جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك، في برنامج اللامركزية على الصعيد الوطني حتى تكتسب هذه المناطق سلطات جديدة ولكنها لن تكون مثل الشكل المتطرف لنقل السلطة الذي تطالب به روسيا أو "الوضع الخاص" الدستوري. وبدلا من ذلك، ستتم إعادة إخضاعهما للسلطات في كييف التي ستكون قادرة على تحديد السياسات الداخلية والخارجية لأوكرانيا، وهذا غير مقبول لروسيا.
* لماذا يعتبر تطبيق "مينسك2" مشكلة ؟ على عكس روسيا، التي لم يتغير موقفها بشأن "مينسك2" منذ عام 2015، أبدت أوكرانيا مرونة. ووصل الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى السلطة في عام 2019 واعدا بحل الصراع وتجنب بوضوح تسمية روسيا كمعتد، والتركيز على القضايا الإنسانية بدلا من ذلك والسعي إلى حل وسط حيثما أمكن ذلك. لكن سرعان ما واجه الرئيس الأوكراني، نفس العقبة التي لا يمكن التغلب عليها، فبدون السيطرة على حدود أوكرانيا وأراضيها، لا يمكن أن تكون هناك تسوية سياسية تحترم سيادة أوكرانيا. ومنذ عام 2015، حاول الغرب بشكل يائس التوفيق بين المواقف الروسية والأوكرانية، مع اعتبار "صيغة شتاينماير" (خطة لتعديل الدستور الأوكراني تحدد آلية إدخال قانون حول النظام الخاص للإدارة المحلية في بعض مناطق مقاطعتي دونيتسك ولوجانسك) أشهر محاولة لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه.
* ما هي القضايا الأخرى التي تحتاج إلى حل؟ هناك أيضا قضايا أخرى يغض فيها بعض دعاة "تطبيق مينسك" الطرف عن تصرفات موسكو، فمنذ عام 2014، تعمل روسيا باستمرار على دمج إقليم دونباس في نظامها القانوني والاقتصادي والسياسي، مما يجعل احتمالية استعادة أوكرانيا للسيطرة على المنطقة موضع نقاش بشكل متزايد. وتعتبر القضية الأكثر إثارة للجدل هي "جواز السفر" حيث أصدرت روسيا أكثر من 720 ألف جواز سفر لسكان لوجانسك ودونيتسك، مما جعل المواطنين الأوكرانيين يتحولون إلى مواطنين روس. وتمنح جوازات السفر روسيا نفوذا دائمًا على الأراضي الانفصالية دون ضم مباشر، ويمكن أيضا استخدامها كذريعة لتبرير تدخل عسكري روسي واسع النطاق "لحماية مواطنيها".