في الوقت الذى بدأ فيه شبح الحرب في أوكرانيا يتراجع مع سحب روسيا، اليوم الثلاثاء، جزء من قواتها لمنتشرة قرب الحدود الأوكرانية بعد استكمال تدريبات كانت مقررة في تلك المنطقة، استعرض "المجلس الأطلسي" (مركز بحثي مقره واشنطن)، سيناريو بديل عن الغزو الروسي المباشر لأوكرانيا، يتمثل في "الهجوم الهجين" عن طريق من اسماهم ب "وكلاء" يعملون لصالح موسكو. وقال المجلس في تقرير مطول إن أوكرانيا حاليا أصبحت في دائرة الضوء على المستوى العالمي، وسط تكهنات متزايدة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتزم شن أكبر صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية، مضيفا أن الغرب قام بالرد على استعدادات بوتين للحرب، من خلال إعداد حزمة عقوبات غير مسبوقة يقال إن لديها القدرة على تدمير الاقتصاد الروسي. ونوه المجلس بأن روسيا تعتمد على الغرب في معظم عائدات صادراتها، ولا يمكنها توسيع أو حتى تشغيل صناعاتها الرئيسية دون الوصول إلى التقنيات الغربية، لافتا إلي أنه على الرغم من اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية، إلا أنه يستطيع إيجاد بدائل، معتبرا أن روسيا ستجد نفسها عاجزة عن خوض حرب اقتصادية حقيقية مع الغرب. وقال المجلس الأطلسي إن التأثيرات القوية للعقوبات الغربية واضحة، لكن القضية الحقيقية هي ما إذا كانت ستطبق بطريقة حازمة ومتسقة، لافتا إلي أن موسكو لديها خبرة قوية في كيفية تجنب توقيع تلك العقوبات. وأوضح أن "روسيا تتمتع بمهارة في أشكال العدوان الهجين، فمنذ سيطرتها على شبه جزيرة القرم في بداية عام 2014 عن طريق الاستعانة ب"الرجال الخضر الصغار" (جنود ملثمين من الاتحاد الروسي ظهروا خلال الحرب الروسية الأوكرانية في 2014، كانوا يرتدون الزي العسكري الأخضر غير المميز ويحملون أسلحة ومعدات عسكرية روسية حديثة)، مما سمح لموسكو بشن حرب مع التقليل من أي عقوبات إثر تلك الحرب"، على حد قوله. وتابع المركز البحثي الأمريكي: "لا ينبغي تجاهل الطبيعة الهجينة للعدوان الروسي في أوكرانيا، على مدى السنوات الثماني الماضية، عند محاولة توقع ما قد يأتي بعد ذلك، وبينما يراقب العالم الحدود الأوكرانية وينتظر المشهد الرهيب لغزو روسي واسع النطاق، فمن الممكن أن يختار بوتين بدلا من ذلك المزيد من التكتيكات الهجينة التي خدمته بالفعل بشكل جيد في أوكرانيا مثلما حدث مع شبه جزيرة القرم". وحث المجلس الأطلسي، القادة الغربيين على الوضع في اعتبارهم تفضيل بوتين للحرب الهجينة أثناء قيامهم بوضع اللمسات الأخيرة على عقوباتهم التي من المخطط أن يفرضوها إذا ما حدث غزو لأوكرانيا، أو على أي تصعيد هناك. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد ألمح بالفعل، إلى احتمال تباين الآراء بشأن العقوبات داخل المعسكر الغربي في حالة حدوث "توغل بسيط"، ومن المؤكد أن الزعيم الروسي سيسعى لاستغلال هذا الضعف، على حد قول المجلس الأطلسي. وأشار المجلس إلي أن "الجمهوريات الانفصالية" التي يسيطر عليها الكرملين في شرق أوكرانيا، هي الورقة التي سيستخدمها بوتين في الحرب مع أوكرانيا، وفي الوقت الحاضر، تتواصل المناقشات في البرلمان الروسي حول الاعتراف الرسمي المحتمل بما يسمى بجمهوريات دونيتسك ولوهانسك الشعبية، المعلنة من طرف واحد، وفي حين أن أي تحرك للاعتراف رسميا باستقلال هذه "الجمهوريات" لن يغير في حد ذاته الوضع العسكري على الأرض، إلا أنه قد يمهد الطريق لمجموعة من التطورات المستقبلية المثيرة للقلق. وأشار إلى "قيام الكرملين بتزويد التشكيلات العسكرية في جمهوريات شرق أوكرانيا الانفصالية بالسلاح منذ بدء الأعمال العدائية في ربيع 2014.، مشيرا إلي أنه إذا اختارت روسيا الاعتراف رسميا بتلك الجمهوريات، فستكون موسكو قادرة على إمدادهم بالأسلحة بشكل أكثر انفتاحا وعلى نطاق أكبر بكثير". وتابع أن "الاعتراف الرسمي من الممكن أن يؤدي إلى زيادة تواجد القوات الروسية النظامية وتشكيلات المرتزقة بشكل كبير، والأكثر إثارة للقلق أنه يمكن أن يمهد الطريق لنشر قوات حفظ السلام الروسية بناء على دعوة من السلطات الانفصالية". واعتبر المجلس الأطلسي أن الاعتراف الروسي بجمهوريات شرق أوكرانيا الانفصالية سيعني نهاية نهائية لاتفاقات "مينسك" (تهدف إلى تأمين وقف إطلاق النار بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا)، وسيترك عملية السلام الراكدة بالفعل في حالة يرثى لها. في الوقت نفسه، من غير المحتمل أن يصنف المجتمع الدولي هذا الاعتراف على أنه عمل عدواني يؤدي إلى توقيع أشد العقوبات. ورجح المركز البحثى الأمريكي أن تسعى موسكو إلى هندسة ما اسمها ب"استفزازات عسكرية" على طول الخطوط الأمامية للصراع المحتدم، مع إمكانية أن ترد أوكرانيا على هذه الاستفزازات بشن "هجوم" على قوات حفظ السلام الروسية ليكون بمثابة ذريعة للتقدم في عمق أوكرانيا، على حد تعبيره. وأوضح أن الهجوم الهجين، سيكون بالنسبة لأوكرانيا، مدمرا مثل الهجوم الروسي التقليدي، مشيرا إلى أن هذا النهج سيوفر فرصة لموسكو للتغلب على التهديد بالعقوبات مع إلحاق قدر كاف من الألم بأوكرانيا، لتفرض على كييف شروط السلام. واعتبر المجلس الأطلسي أن الأزمة الحالية، لم تترك أي مجال لمزيد من الشك في أن روسيا عازمة على إعادة كتابة نظام الأمن الأوروبي بأكمله، مطالبا القادة الغربيين بإرسال رسالة واضحة إلى موسكو بأن أي محاولة لشن حرب سرية من خلال وكلاء ستعرض روسيا لنفس العقوبات الساحقة التي يتم إعدادها حال وقوع غزو روسي لأوكرانيا.