مازالت الانتقادات تتواصل لتعامل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، مع ملف أفغانستان، بدءا من قرار سحب القوات الأمريكية من أفغانستان في الصيف الماضي، الذي أدى إلى سقوط البلاد في قبضة حركة طالبان خلال أيام قليلة، وحتى قرارها الأخير الإفراج عن 7 مليارات دولار من أموال البنك المركزي المركزي الأفغاني كانت مجمدة لدى مجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي. وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء، قالت روته بولارد، الكاتبة الأسترالية المتخصصة في الشؤون الآسيوية، إنه من بين كل الإجراءات التي يمكن أن تتخذها إدارة بايدن في أفغانستان، تعتبر السيطرة على احتياطيات أفغانستان من العملات الأجنبية "غير مفيدة". كانت الإدارة الأمريكية قد جمدت في أغسطس الماضي بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم في أفغانستان أرصدة البنك المركزي الأفغاني لدى مجلس الاحتياط بقيمة 7 مليارات دولار. والآن قررت الإدارة إنهاء تجميد هذه الأموال، واقترحت توجيه 3.5 مليار دولار منها إلى صندوق يستخدم في تمويل المساعدات الإنسانية لأفغانستان، في حين يتم تخصيص الجزء الباقي وقيمته 3.5 مليار دولار لتعويض عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية التي استهدفت نيويوركوواشنطن. وتقول روته بولادر الحاصلة على العديد من الجوائز الصحفية في تحليلها إن المشكلة هي أن هذه ليست أموال الولاياتالمتحدة وإنما أموال أفغانستان وبالتالي ليس من حق الأولى التصرف فيها. وقد يكون قرار واشنطن حرمان حركة طالبان من مليارات الدولارات الموجودة لدى مجلس الاحتياط الاتحادي مفهوما. فلا أحد يريد تدفق الأموال إلى نظام حكم قرر ببساطة أن يبدأ الحكم من حيث كان يقف قبل عقدين من الزمن، فيفرض قيودا على تعليم البنات في المدارس والجامعات، ويحرم المرأة من العمل ويخطف المحتجين والصحفيين ويقتل المعارضين. وفي حين تسعى الأممالمتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية الأخرى لإقناع الولاياتالمتحدة والبنك الدولي بتخفيف ما يرقى إلى الحصار الاقتصادي على أفغانستان، تأتي الإجراءات التي يقوم بها بايدن بنتائج عكسية بشكل صارخ. ومع معاناة أكثر من نصف عدد سكان أفغانستان البالغ نحو 40 مليون نسمة من الجوع الشديد، ومواجهة أكثر من مليون طفل لخطر الموت خلال فصل الشتاء القاسي الحالي، دعا أنطونيو جوتيرش الأمن العام للأمم المتحدة البنك الدولي في يناير الماضي إلى صرف 1.2 مليار دولار من أموال إعادة الإعمارلأفغانستان بشكل فوري من أجل تخفيف حدة الأزمة الإنسانية ومنع انهيار الاقتصاد. وكان البنك الدولي قد حول بالفعل 280 مليون دولار إلى صندوق الطفولة وبرنامج الغذاء العالمي التابعين للأمم المتحدة. ولكن كما يرى كثيرون من الخبراء فإنه لا يمكن إطعام شعب بالكامل بالمساعدات. وكتب ديفيد ميلباند وزير خارجية بريطانيا السابق ورئيس لجنة الإغاثة الدولية في بيان للجنة الفرعية للشرق الأدنى وجنوب آسيا وآسيا الوسطى ومكافحة الإرهاب التابعة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ "المساعدات لا تستطيع أن تعوض اقتصادا محروما من الأوكسجين". وأضاف أن "المجتمع الإنساني لم يختر الحكومة (الأفغانية) لكن هذا ليس مبررا لمعاقبة الشعب، وهناك مسار وسط لمساعدة الشعب الأفغاني دون تأييد الحكومة الجديدة". والحقيقة أن السبب الأساسي للأزمة الإنسانية في أفغانستان كان الانسحاب العسكري الأمريكي سيء التخطيط من أفغانستان بعد نحو عقدين من الحرب هناك، إلى جانب الغياب شبه الكامل للرؤية بشأن كيفية التعامل مع مرحلة ما بعد الكارثة. وفي أعقاب إعلان خطة بايدن لتخصيص 3.5 مليار دولار من أموال أفغانستان لصالح عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر، قال الكثيرون من الأفغان سواء داخل أفغانستان أو خارجها إن الاقتراح الأمريكي بمثابة محاولة لمعاقبة الشعب الأفغاني بأثر رجعي، رغم أنه لم يكن هناك أفغاني واحد بين منفذي الهجمات ال18 والذين كانوا 15 من السعودية واثنان من الإمارات العربية المتحدة وواحد من كل من لبنان ومصر. في الوقت نفسه فإن حركة طالبان التي تحكم أغلب الأراضي الأفغانية الآن كانت قد وفرت المأوى لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي نفذ الهجمات، لكن في المقابل لم يكن الأفغان الذين يبلغ عمرهم الآن 18 عاما، قد ولدوا عندما وقعت تلك الهجمات. من ناحيته، قال عبيد الله بهير، المحاضر في العدالة الانتقالية في الجامعة الأمريكيةبأفغانستان، إن هناك غضبا شديدا وخيبة أمل بين الأفغان من القرار الأمريكي الأخير. وأضاف أن الأموال الموجودة لدى مجلس الاحتياط الاتحادي تستهدف دعم العملة الأفغانية وليس استخدامها في تمويل جهود الإغاثة. "أفغانستان تحتاج إلى اقتصاد مستدام إذا كان لها أن تبقى على المدى الطويل وأرصدتها لدى مجلس الاحتياط الاتحادي أساسية في الوصول إلى هذا الهدف". أخيرا، يقول جون سيفتون مستشار شؤون آسيا في منظمة هيومان رايتس ووتش إن بايدن إذا نفذ خطته بشأن أموال أفغانستان، فإنه "سيخلق سابقة مثيرة للجدل، بالنسبة للاستيلاء على الأموال السيادية، دون أن يعالج الكثير من العوامل المسببة للأزمة الإنسانية الطاحنة في أفغانستان.. فالسبعة مليارات دولار بالكامل مملوكة للشعب الأفغاني بالفعل". وعلى إدارة الرئيس بايدن إعادة التفكير في قرارها وإظهار بعض الإرادة السياسية في مساعدة أفغانستان للخروج من الأزمة التي ساهمت في خلقها. فهذا هو الشيء الصواب الوحيد الذي يمكن لواشنطن القيام به.