طاقة إيجابية هائلة تمنحها مطالعة كتاب «كل شىء عن المشاعر»، الصادر عن دار الشروق، لفيليسيتى بروكس وفرانكى آلان، من ترجمة رحاب بسام، حيث نصوص وتعبيرات شديدة الانتماء لعالم الأطفال بجميع تنويعات المشاعر بداخلة، حيث يقدم الكتاب وجبة متكاملة للصغار لمساعدتهم على معرفة مشاعرهم وفهمها وتسميتها. كما يمنح الكتاب للكبار أيضا «مفاتيح» شديدة الأهمية لفهم شخصية الطفل، وكيفية التعامل الأمثل وفقا لكل حالة، مع وجود «طرق تعليمية»، واختيارات تمنحها نصوص الكتاب فى هيئة أسئلة، مطلوب من الصغار الإجابة عليها أو توصيل المناسب معها، ليكون «كل شىء عن المشاعر»، هو عمل قيم بامتياز يضم كل شىء عن طريقة مساعدة ومعاونة الأطفال على التعبير السليم عن مشاعرهم. نتعرف من خلال «كل شىء عن المشاعر»، الذى يزين أرفف دار الشروق فى معرض الكتاب الحالى بدورته ال 53، على احتياجات الأطفال إلى بعض الوقت للتعافى بعد انفجار مشاعرهم، وأن بعض الأطفال يحتاج إلى وقت أطول من غيرهم، كما أن ما يقدمه الكتاب من تعريف لمشاعر الطفل لا يقتصر فقط على المشاعر بمعناها المباشر، وإنما يمتد لاحتياجاته الجسدية، والتى يكون لها انعكاس ملحوظ على قدرته على التعبير، فعلى سبيل المثال فإن نوبات غضب الأطفال، تجعلهم فى حالة عطش شديد، وأنه فى تلك اللحظة منحهم مشروب ما، يساعدهم على التحسن والرجوع لحالة الهدوء. ♦ محتوى هادف «ماذا سيكون شعورك، رسائل الجسم ومفاتيحه، مساعدة الأصدقاء والعائلة، خذ وقتك، مشاعر متغيرة»، هى بعض من العناوين العريضة التى يشتمل عليها الكتاب، والمرفق معها بتوزيع مثالى فى صفحات الكتاب رسومات بديعة ل«مار فريرو»؛ حيث نجد بين يدينا فقرات ونصوص عن كيفية التلاقى مع الأطفال والتحدث معهم والتعامل مع مشاعرهم المختلفة بطريقة فعالة. يعتمد الكتاب بشكل أساسى على «محتوى هادف» يشجع الأطفال فى البداية على تقوية ثقتهم فى أنفسهم، ومن ثم خلق أجيال لديها القدرة الكاملة على التعبير عن أنفسهم، وتفهم الأشكال المختلفة لهذا التعبير، بداية من «البكاء، الضحك، الصراخ، المرض، التوتر، الفخر»، وهى النصوص التى لم تغفل تعريف الكبار طريقة تشجيع أطفالهم على التعامل مع مشاعرهم. يمرر الكتاب ببراعة مجموعة من الرسائل الإيجابية، عن طريقة الإلمام بمهارات تعلم إدارة المشاعر وكونها تحتاج إلى وقت وممارسة، مع منح تعاليم بسيطة عن كيفية ملاحظة المشاعر وأن القدرة على تسميتها أولا يأتى قبل التعامل معها، وأنه يساعد فى الأساس على تعامل ناجح معها، طالما أمتلك الطفل القدرة على أن يميز بين كونه: متحمس، مغتاظ، قلقان، سعيد وفرحان. ♦ تدرج مثالى يأخذنا «كل شىء عن المشاعر» فى جولة ممنهجة، يبدأها بتدرج محسوب وغير عشوائى، فهناك بداية التأكيد على أن كل البشر لديهم مشاعر، وأن ذلك يبدأ بمجرد محاولة «الطفل الرضيع» الذى لم يملك القدرة الكافية بعد على التعبير بوضوح عن نفسه، إلا أنه يبدأ فى البكاء للفت الأنظار، مرورا بالأطفال الأكبر فى السن الذين يمتلكون المقدرة على التعبير، وصولا إلى الأطفال الذين بإمكانهم أن يفهموا مشاعر الآخرين إذا نظروا لوجوههم. حالة التدرج والمراحل المختلفة تمضى بنا بشكل مرتب وهادئ بما يساعد على فهم مغزى الكتاب؛ حيث ينقلنا إلى مرحلة أن للجسد رسائل يمكن من خلالها أن نفهم ما يمر به الطفل، مثلما يكون متعبا فيتثاؤب، أو حينما يكون جائعا فيشير إلى بطنه وأنها فارغة، أو حينما يصدر جسمة رعشات تخبر عن أنه بردانا فى الوقت الحالى. ويختبر الكتاب فى مراحلة التى تتطور بشكل نموذجى، كل مايتعلق بإمكانية أن تكون مشاعر الأطفال «متغيرة ومتضاربة»، وكيفية التعامل مع ذلك، وصولا إلى أشكال من الدعم والمساندة والتفهم التى يمكن أن يظهرها الأهل والأصدقاء لفهم سبب المشاعر والقدرة على التعبير عن ذلك من خلال الكلام عن المشاعر اليومية فى الحوارات العادية أو التطرق للمشاعر الصعبة فيما بعد، لنصل إلى محطة التحذير من تجاهل مشاعر الأطفال أو إنكارها عليهم. ♦ الصورة والنص يقدم لنا الكتاب «بالنص والصورة»، نصائح حول أنه من الأفضل دائما التحدث عن المشاعر الصعبة للطفل بعد أن تهدأ الأمور، وأن يكون كل من فى محيطه أكثر هدوءا، حيث برعت رسومات وألوان «مار فريرو» فى تنبيه الكبار إلى كيفية استخدام الألوان لوصف مشاعر الأطفال، وأن تلك الطريقة، من حيث إيصال فقاعات مرسومة باللون الأحمر، بصورة تعبر عن الغضب، يؤدى إلى مساعدة الأطفال الذين لا يريدون أو لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بالكلام، حيث يمكنك أن تضع لوحة عليها الألوان أو تعطى لطفلك بطاقات ملونة يختار منها اللون المناسب لوصف حالته. ومن خلال تنويعات الألوان وما يمكن أن تعكسه من مشاعر مختلفة ومفارقات متنوعة فى ظروف وأحوال شديدة التباين، ينبهنا الكتاب إلى أن الأطفال يكتسبون مهارات التعبير عن النفس بطرق مختلفة وفى مراحل مختلفة، لذلك لا تقارن أطفالك بآخرين، مع تشديد على التذكير بأن الموقف نفسه قد يتسبب فى مشاعر مختلفة لدى طفلين مختلفين. لا يفقد كتاب «كل شىء عن المشاعر» نقاط قوته بمرور صفحات الكتاب، حيث ذات الطريقة التفاعلية الشيقة والمرحة تتواصل بلا توقف، وما يساعد على ذلك بشكل قوى هو «الصور والألوان والأشكال والتعبيرات الملونة»، التى تحافظ على تركيز الطفل أو أهله لمواصلة تلك الرحلة الاستكشافية فى عالم المشاعر المتنوعة. ♦ حلول واقعية لا يستغرق الكتاب فى أى حلول حالمة أو طرح غير واقعى للتعامل مع الأطفال، وإنما على العكس تماما يمد يد العون والمساعدة للصغار والكبار بشكل واقعى وفعال، بما يتضمنه من حلول ترقى فى العديد من الأحيان إلى كونها «استراتيجيات علمية» تستخدم فى مواقف مختلفة تشجع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم من جهة، وتساعد الأهالى فى التعامل الفعال مع ذلك وعدم قمعه من جهة أخرى. حيث يحرص الكتاب على تدريب حقيقى للأطفال على استراتيجيات مواجهة المشاعر الصعبة مثل أخذ نفس عميق والعد ببطء لعشرة ومساعدة الأطفال الأكبر سنا فى تقليل الكلام الذاتى السلبى، وتسليط الضوء على كيفية تغيير طريقة تفكيرهم فى المواقف والمشاعر، مع إيضاح أن هناك استراتيجية ناجحة تتمثل فى أن الكلام عن المشاعر الصعبة فى القصص التى تروى للأطفال هى طريقة جيدة لغرس التعاطف والإحساس بالغير وبمشاعرهم. كما يواصل الكتاب تقديم نصائحة الواقعية للأهالى فى صورة مطالبة بالاحتفاظ ب«صندوق» من الأشياء التى يمكن استخدامها لتساعد طفلك فى تفادى أو التعافى من نوبات الغضب كالكرات الخفيفة التى يمكن طيها ورميها فى الهواء، حلة قديمة، فقاعات يمكنه نفخها لينظم تنفسه. ويتملك قارئ الكتاب يقينا بأن صفحات هذا المؤلف القيم تساعده على طرح الأسئلة والعثور على الأجوبة فى مراحل أساسية من نمو الأطفال وتطورهم، وكيفية تدريبهم بشكل واقعى كما ذكرنا على أمور مثل الحفاظ على علاقات جيدة بمن حولهم، وقدرتهم على التعلم الفعال، وإيجاد طريقا لصحة نفسية أفضل للأطفال، وذلك اعتمادا على ألا نجعلهم «محبوسين» فى مشاعرهم. وهو ما يأتى من خلال العديد من التعاليم حول تجاوز المشاعر السلبية، وكيفية تخطى الصعوبات النفسية الداخلية للأطفال بحسن التعبير عنها، وغيرها مما يمثل «روشتة ناجحة» فى التعامل مع مشاعر الطفل عبر نصوص تنساب وتمتزج مع الألوان المبهجة لتشكل «كل شىء عن المشاعر».