فى احتفالية شعبية بقرية بنجا التابعة لمركز طهطا بمحافظة سوهاج تجمع أكثر من خمسة آلاف شخص ينتمون لخمس قرى تابعة لنفس المركز وقفت سامية سعد أم لثلاث بنات من قرية بنجا لتعلن بشجاعة ودون خوف أو خجل أنها لن تختن بناتها البالغات من العمر تسع وسبع وثلاث سنوات. ولم يكن هذا مقبولا قبل سنوات ليست بالكثيرة فى قلب الصعيد، لكنها فكرت كثيرا وسمعت الكثير وسألت وجادلت خلال لقاءات تنظمها جمعية الصعيد للتنمية بالكنيسة ومركز الشباب، إلى أن تيقنت أن ختان الإناث أو (الطهارة حسب التعبير الشعبى) ليست لها أى أهمية للبنات إلى جانب مضارها الصحية والنفسية، وأنها عادة ليس لها علاقة بالأديان، ولا تمارسها الدول العربية والإسلامية الكبرى، بل هى ممارسة أفريقية انتقلت إلى مصر من خلال العلاقات التاريخية بدول القارة، ومارستها الأسر المسلمة والمسيحية فى مصر على حد سواء، واستطاعت أن تقنع زوجها بالعدول عن فكرة إجراء الختان لبناتهما، واستعانت بالأنبا يوسف أبوالخير مطران الاقباط الكاثوليك بسوهاج. الاحتفالية ضمت أهالى قرى بنجا، نزلة خاطر، الجباب، الخزاندرية وبناويط بحضور مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان واللواء محسن النعمانى محافظ سوهاج، وعمد القرى الخمس وعلماء الدين الإسلامى والمسيحى، وممثلى مديريات التربية والتعليم والصحة والتضامن الاجتماعى، وأعضاء من مجلس الشعب والشورى والمجلس المحلى ورئيس مركز ومدينة طهطا وأمين الحزب الوطنى بالمحافظة، ورؤساء الجمعيات الأهلية التى شاركت فى جهود التوعية بهذه العادة منذ عام 2003 بالتعاون مع المشروع القومى لمناهصة ختان الإناث الذى يتبناه المجلس القومى للطفولة والأمومة الذى يستهدف 120 قرية من قرى الصعيد. وهى الاحتفالية الأولى التى تحضرها السفيرة مشيرة خطاب بعد توليها وزارة الأسرة والسكان، ولهذا أشارت فى كلمتها أمام أهالى القرى الخمس إلى أن الوزارة سوف تستثمر الحركة الشعبية لبرنامج مناهضة ختان الإناث فى التوعية بتنظيم النسل والتماسك الأسرى، موضحة أن القضية السكانية ليست قضية صحية أو دينية فحسب، بل هى قضية اقتصادية واجتماعية وثقافية قبل ذلك، ووعى المواطن هو السبيل لمواجهتها وليس الوزارة أو الدولة، مؤكدة أن أهداف برامج المجلس التى ينفذها بالمحافظات ستتكامل للوصول إلى الارتقاء بالمستوى الاجتماعى للأسر، حتى لا تضطر إلى دفع أبنائها إلى سوق العمل قبل السن القانونية وحرمانهم من التعليم. وأعربت الوزيرة عن سعادتها بإعلان عشر قرى مناهضتها لختان الإناث فى يوم واحد بعد أن كانت الاحتفاليات المشابهة تتم لقرية واحدة فقط قبل سنوات قليلة بدأت بقرية بنبان بمحافظة أسوان عام 2006، وحملت الوزيرة القرى الخمس التى جاءت لتعلن تخليها عن ختان الإناث فى وثائق شعبية مسئولية نشر الوعى بين القرى المجاورة، لأن صدور قانون بتجريم ختان الإناث لا يعنى أن نتوقف عن التوعية. ودعت خطاب أهالى القرى إلى التطبيق الحقيقى وليس الشكلى لمادة الكشف الطبى قبل الزواج المقررة فى قانون الطفل، حفاظا على صحة الأجيال الجديدة من الأطفال، وحملت لجان حماية الطفل العامة بالمحافظات والفرعية بالمدن والمراكز متابعة تنفيذ مواد قانون الطفل التى تؤكد حق كل طفل فى التعليم ومحاسبة ولى الأمر الذى يتخلى عن إلحاق ابنه بالتعليم أو يلقى به إلى الشارع الذى جرمه قانون الطفل. وحمّلت لجان حماية الطفل العامة التى يرأسها المحافظون مسئولية التصدى للقضية السكانية لا مركزيا، من خلال التأكيد على عدالة التوزيع الجغرافى للسكان والارتقاء بالخصائص السكانية. وتنتقل الاحتفالية الشعبية إلى قرية بنى زار التابعة لمركز سوهاج لإعلان قرى جزيرة شندويل ونجع الأقباط والزوك الغربية وسفلاق وبنى زار قرى مناهضة لختان الإناث بحضور أهالى القرى الخمسة، ليؤكد اللواء محسن النعمانى محافظ سوهاج أهمية أن يتخلى المجتمع عن العادات السيئة التى ليست من الدين فى شىء، مثل ختان الإناث التى انتقلت إلى مصر من دول أفريقية لأسباب لم يعد لها وجود الآن، وحق كل فرد من أفراد الأسرة أن يحصل عل حقوقه كاملة وألا ينظر إليه على أنه مواطن من الدرجة الثانية، مشيرا إلى أن محو الأمية هى السبيل إلى القضاء على هذه العادات، وبقاء الأمية يعطل أى تطور فى المجتمع. وأشاد النعمانى بقرار إنشاء وزارة للأسرة، موضحا أن تقسيم المجتمع إلى أجزاء أو فرق لا يؤدى إلى تقدمه، لأن المجتمع يتكون بالأساس من أسر. وأوضح الشيخ زين الدين عابدين بوزارة أوقاف سوهاج أن ختان الإناث عادة وليست عبادة، وقد أفتى بهذا فضيلة مفتى الجمهورية الشيخ على جمعة، وأصدرت وزارة الأوقاف المصرية بيانا بذلك واتفق علية مجمع البحوث الإسلامية، وبهذا أفتى علماؤنا منذ عصور الإسلام الأولى، وكذلك فضيلة الشيخ القرضاوى، وقد أكد الأطباء ضررها، ولا تمارسها أغلب الدول العربية، ويقول الله تعالى (هو الذى صوركم فأحسن صوركم) وقال أيضا: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذى خلقك فسواك فعدلك) أى أن الله تعالى لم يخلق جزءا فى الفتاة يجعلها تسيئ السلوك، وقد دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن نربى أبناءنا ونحسن تربيتهم. وقال الأب كيرلس بباوى الذى حضر نيابة عن الأنبا باخوم أسقف سوهاج : إن الكتاب المقدس لم يذكر ختان الإناث، بينما أقر ختان الذكور فى اليوم الثامن من الولادة، وترفض المسيحية كل أشكال العنف ضد المرأة، وتؤكد أن طهارة الإنسان تأتى من طهارة القلب واللسان، مشيرا إلى أنه شارك فى التوعية بمضار ختان الإناث قبل أن يصبح قسيسا، ولم يكن الأمر سهلا لكى يقتنع الناس بالتخلى عن عادة تمارس من آلاف السنين، بل كانت جلسات التوعية تشهد الكثير من الجدال والنقاش، لأن الناس تريد أن تعرف المعلومات الحقيقية، ويريد كل أب وكل أم أن يطمئنا إلى القرار الذى يتخذانه بشأن ابنتهما. وقال سامى جدعون مدير المؤسسة المصرية للتنمية والتدريب : إن إعلان هذه الوثائق يأتى بعد عمل بدأ منذ 2003 بالتعاون مع مديريتى التربية والتعليم والصحة ومجالس المدن لنشر التوعية بين جميع الفئات بحقيقة هذه الممارسة، من خلال الندوات المصغرة التى تسمح بالنقاش وتبادل الأفكار دون خجل مع الأطباء وعلماء الدين، ويخصص بعضها للرجال، وبعضها للنساء، وبعضها للشباب. وقال أحمد فرغل عمدة بنى زار عاوز أقول لكم كلمة واحدة خلوا بناتكم زى ما هى. وشارك الأهالى والمحافظ والسفيرة فى توقيع الوثائق الشعبية العشرة، ليصل عدد الوثائق التى تم توقيعها 45 وثيقة، منها 11 وثيقة بمحافظة سوهاج.