القارعة وما أدراك ما القارعة، إن الذى حدث فى نجع حمادى مساء يوم عيد الميلاد، وامتد إلى بعض المدن الأخرى هو نذير بالقارعة. إن الذى حدث فى نجع حمادى أمر خطير بكل المعايير ويجب ألا نهون من دلالاته، ذلك أن الناس تشعر بحقيقة ما يجرى على أرض مصر وليست فى انتظار بيانات أمنية أو صحفية لتدلها على حقيقة ما حدث. فى مصر ردة عقلية سلفية لابد وأن نعترف بذلك ونواجهه. فى مصر بثورة خطيرة تطفو على سطح المياه تحمل مظاهر من التطرف والعنف لم يكن المجتمع المصرى يعرفها فى الغائب من سنين القرن الماضى. أدرك أن مثل هذه التيارات تجتاح بلادا كثيرة فى منطقتنا، بل وفى غيرها من مناطق العالم، ولكن أزعم أن البنية الحضارية المصرية فى جذورها وأصولها بل وفيما عشناه حتى سنوات مضت لا تصل إلى نصف قرن هذه البنية الحضارية المصرية لم تكن تعرف هذا العنف وهذا التطرف وهذا التخلف العقلى المريض. ماذا حدث؟ محاولة تسطيح الأمور والبحث عن سبب وحيد لهذه الظاهرة الجديدة الغريبة المعقدة يبدو نوعا من المجازفة الفكرية. إن الأمر أكثر تعقيدا وخطورة من أن يعالج بالتبسيط والتسطيح. هذه الظاهرة الخطيرة سببها المباشر «التدنى العقلى والسلفية الفكرية». أشعر أحيانا أن ما يجب أن نضعه فى أرجلنا خلعناه ووضعناه فى رأسنا، وأن ما يجدر أن يبقى تاجا على رأسنا وضعناه مكان الأحذية فى أرجلنا. كتبت مقالا منذ أكثر من ثلاثين عاما عن «عم ميخائيل».. وعم ميخائيل هذا كان نجارا متخصصا فى تجارة السواقى جمع ساقية، وكان يربى النحل ويبيع العسل إلى جوار مهنته الأصلية. عم ميخائيل هذا كان بمثابة أمين السر لعدد من القرى الصغيرة المتقاربة فى محافظة المنوفية. من عنده حجة أرض ويريد أن يحفظها يعطيها لعم ميخائيل. من عنده «سند» مديونية يودعه عند عم ميخائيل. حسابات القطن كلها كانت تودع عند عم ميخائيل. كان عم ميخائيل هو محور الحياة الاقتصادية فى هذه القرى الأرض الصغيرة المحيطة ببلدتى سلامون قبلى وسلامون بحرى. لم يكن هناك فى هذه الأيام فروع للبنوك فى القرى ولا فى المدن الصغيرة، وكان عم ميخائيل يقوم بهذه المهمة لأهل هذه القرى وغالبيتهم من المسلمين وأقلهم من النصارى. وكان يقوم بها تطوعا بغير مقابل إلا ما يحصل عليه من أهمية «وبرستيج» وسط أبناء هذه القرى. هل يتصور وجود بديل لعم ميخائيل الآن؟ العقلية المتدنية المتخلفة السلفية الحالية لا يمكن أن تولد «عم ميخائيل» جديد. إنها تولد متطرفين وإرهابيين وقتلة. تقديرى أن الأمر يرجع إلى أمور ثلاثة متداخلة مترابطة. انهيار مستوى التعليم والحشو فى كثير من المناهج وتصوير الأديان كما لو كانت جسورا تعزل الناس بعضها عن بعض، وليست رسالات حب تجمع الناس على المحبة والسلام. كانت أم كلثوم تغنى «الله محبة» النور محبة. والآن أصبح لكل فريق وثنه، وأصبح كل وثن يناطح ويحاول إزاحة الوثن الآخر. وصور لنا التخلف العقلى أن هذا الوثن الذى أزيل من أربعة عشر قرنا هو الإله الجديد. وإلى جوار تدنى مستوى التعليم فإن موجة النفاق الدينى، الذى تبثه بعض الفضائيات وبعض المتخلفين من رجال الدين أو من يطلق عليهم ظلما هذا الوصف ساعدت على زيادة التخلف والتعصب والتطرف. إن العنف وليد التطرف، والتطرف وليد التعصب. والتعصب هو الابن البكر للتخلف العقلى. وإلى جوار مستوى التعليم وشيوع السلفية الدينية فإن الأنظمة الشمولية، التى لا يعنيها غير البقاء فى السلطة لا يهمها أمر التقدم العلمى بل قد يكون هذا التقدم مصدر خوف لها. نحن نعيش مرحلة فارقة. مرحلة حبلى بالمخاطر والقوارع.. فهل نستيقظ؟.. لا حل إلا الديمقراطية والعلم.. أفيقوا يرحمكم الله..