«المحطة المقبلة نجع حمادى»، جاءت هذه الكلمات عبر الإذاعة الداخلية للقطار معلنة عن قرب محطة نجع حمادى التابعة لمحافظة قنا. وما إن لُفظ اسم نجع حمادى حتى سادت لحظات من الصمت، وبدأت العيون تبوح بمشاعر القلق والحزن على ما أصاب هذه المدينة الهادئة. «الشروق» كانت ضمن وفد نقابة الصحفيين الذى ذهب الأحد الماضى للمدينة لتقديم واجب العزاء إلى الاخوة الأقباط فى ضحايا جريمة عيد الميلاد.. وطوال الطريق من محطة القطار وحتى مطرانية الأقباط الأرثوذكس بنجع حمادى حيث مقر الأنبا كيرلس، أسقف نجع حمادى، تشعر وكأنك فى مدينة مهجورة، شوارعها خالية تماما إلا من قوات الشرطة وسيارات الأمن المركزى، وكلما اقتربنا من المطرانية زادت أعداد القوات الأمنية بشكل مكثف. هدوء تام، هذا هو الحال داخل المطرانية عكس الأجواء فى الخارج، وبعد انتظار جاء الأنبا كيرلس ليتلقى واجب العزاء. خارج المطرانية التزم أهالى نجع حمادى منازلهم، فمنهم من أعلن الحداد، ومنهم من تملكتهم مشاعر الخوف من تكرار الحادثة مرة أخرى. فى الطريق إلى منزل رفيق رفعت، أحد الأقباط الذين قتلوا فى الحادثة، الذى يقع بالقرب من كنيسة ماريوحنا، تشعر وكأنك تسير فى الصحراء لا يقابلك سوى الصمت والهدوء القاتل الذى قطعه صوت إحدى جارات سوزان صلاح، زوجة رفيق، عند مدخل العمارة «رايحين فين حرام عليكم سيبوا الست فى حالها، كفاية المصيبة اللى هيا فيها»، قالتها بمنتهى الغضب. وهى نفس الحالة التى كانت عليها سوزان ووالدتها وهما ترويان ما حدث ليلة عيد الميلاد دون أن تذرفا الدموع، لكن مشاعر القهر تغطى وجهيهما. قالت سوزان «لم أفهم سر إصرار رفيق على زيارة أحد أصدقائه فى بهجورة على الرغم من أنه وصل من السفر فى نفس اليوم قادما من مكان عمله بإحدى القرى المجاورة لنجع حمادى»، وآخر ما قاله لى «عايزة حاجة قلت له لأ عندنا كل حاجة»، ثم عاد وكرر السؤال مرة أخرى. سوزان ظلت تردد جملة واحدة وهى «مش عارفة هصرف على بناتى منين؟ لو كان زوجى موظف أو أنا موظفة كنت ارتحت شوية». منزل أيمن حامد هاشم، أمين الشرطة المسلم الذى لقى مصرعه فى مذبحة نجع حمادى الأخيرة، اكتسى باللون الأسود، تشعر وكأن جدرانه تذرف دموعا على فراق أيمن. داخل المنزل ضوء خافت وعدد من النساء والرجال تنهمر دموعهم، زوجته لم تستطع قول شىء من شدة البكاء سوى «حسبى الله ونعم الوكيل». شقيق أيمن الأكبر قدم لنا صورة من عقد الشقة الذى سينتهى فى نوفمبر 2011 وبعدها لن تجد أسرة أيمن مأوى إلا الشارع، هذا فى حالة استطاعتهم دفع الإيجار الشهرى الذى تبلغ قيمته 350 جنيها بعد أن انعدم مصدر الدخل لهم. وطالب شقيق أمين الشرطة بأن يتبرع أحد ويوفر سكنا بسيطا للعائلة التى فقدت رب أسرتها. غضب أقباط نجع حمادى لم يتوقف عند حد التظاهر لكنه امتد إلى مستشفى نجع حمادى العام التى هاجمها الأهالى وكسروها ودمروا سيارة الإسعاف الخاصة بها، كما كسروا سيارة الدكتور محمد صلاح، الطبيب الشرعى، وحرقوا موتوسيكلات كانت موجودة بالمصادفة داخل المستشفى، وهو الأمر الذى أجبر المستشفى على نقل المصابين إلى مستشفى آخر فى سوهاج لاستكمال علاجهم. أقل من 24 ساعة كانت كافية لأن يرى وفد من نقابة الصحفيين كيف تحولت المدينة إلى مدينة للخوف والصمت.