ثار جدل واسع النطاق حول السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووصفها البعض بأنها لا تختلف كثيرا عن نهج سلفه دونالد ترامب. وفي حقيقة الأمر، فإنه بالفعل سار على خطى ترامب، وسارع بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان. لكن من الواضح أنه لن يستمر في ذلك. ويقول الكولونيل ريتشارد كيمب، وهو القائد السابق للقوات البريطانية فى أفغانستان، والرئيس السابق لفريق مكافحة الإرهاب في رئاسة الحكومة البريطانية، في تقرير نشره معهد "جيتستون" الأمريكي، إنه قبل أشهر قليلة، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بخيانة دولة حليفة لأمريكا من خلال سحب قوات بلاده من أفغانستان حسب ما قرره ترامب، مما تسبب في انهيار الحكومة الأفغانية وترك البلاد عرضة لعمليات نهب وسلب من جانب حركة طالبان. ويرى كيمب أن بايدن يقترب الآن من خيانة حليف آخر أقرب كثيرا وهو إسرائيل، وهو ما لم يفكر فيه ترامب مطلقا؛ إذ يعتزم بايدن فتح قنصلية في القدس. وقد تبدو هذه مجرد منشأة دبلوماسية أخرى لإصدار التأشيرات وتعزيز التجارة ورعاية المواطنين الأمريكيين، بدون عواقب أكبر من قنصلية الولاياتالمتحدة في مدينة إدنبرة بالمملكة المتحدة. لكنها أكثر كثيرا من مجرد مكتب لدبلوماسيين يتصفحون فيه الأوراق. فهي ترقى إلى سفارة أمريكية فعلية للفلسطينيين على أراض إسرائيلية، حسبما يقول كيمب. والهدف الحقيقي منها هو تقويض السيادة الإسرائيلية في القدس، وسوف تؤثر سلبا على الآفاق المستقبلية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويضيف كيمب أن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية يفهم التداعيات بشكل جيد للغاية، حيث تنبأ في مقابلة أجراها مؤخرا، أن القنصلية الجديدة ستعيد من جديد تقسيم القدس. وقال كيمب إنه بعدما نقلت الولاياتالمتحدة سفارتها من تل أبيب إلى القدس في 2018، ضمت إليها القنصلية الموجودة في المدينة لتشكل بعثة دبلوماسية واحدة. وقد تحقق ذلك في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وهذا، إلى جانب سوء فهم عميق لديناميكيات السلام، يفسر تصميم بايدن على إعادة فتح القنصلية. فقد كرس فترة طويلة من رئاسته حتى الآن للتخلص قدر استطاعته من القرارات التي اتخذها ترامب، باستثناء كارثة أفغانستان، التي يدعي بشكل استثنائي أنه ملتزم بخطط ترامب السابقة بشأنها. وتابع كيمب أن القنصلية الجديدة- التي ستركز بشكل خاص على إدارة العلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين- هدفها إعطاء الأمل في أن تصبح مدينة القدس في يوم ما عاصمة لدولة فلسطينية مفترضة. ويمكن لإسرائيل ألا تسمح بذلك، وأنه يتعين عليها ألا تسمح بذلك. واعتبر أنه بالإضافة إلى خيانة إسرائيل، فإن إشارات بايدن الدبلوماسية غير المسؤولة -التي ترضي أيضا أنصاره اليساريين المتشددين- تعد أيضا خيانة للشعب الفلسطيني. فقد تعرضوا لمعاناة لفترة طويلة للغاية ولمعاناة قاسية للغاية في ظل سياسة قيادتهم، التي رفضت باستمرار قبول جميع مقترحات السلام مع إسرائيل التي يمكن أن تؤدي إلى إقامة دولتهم. ويقول كيمب أنه قد تم تشجيع القادة الفلسطينيين المتعاقبين في تعنتهم من جانب الولاياتالمتحدة وأوروبا، اللتين انتزعتا على مدى عقود تنازلات من إسرائيل بينما لم يقدم الفلسطينيون أي تنازل. وقد تعرضت التطلعات المستحيلة لقيادة السلطة الفلسطينية -التي لا ترغب في رؤية حل الدولتين بل تدمير الدولة اليهودية- لضربة قاسية من خلال اتفاقيات إبراهيم لعام 2020 بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، وأيضا من خلال اعتراف الولاياتالمتحدةبالقدس، كعاصمة لإسرائيل في عام 2017 مع افتتاح سفارة هناك في العام التالي. وقال كيمب إن القنصلية المرتقبة في القدس ستدق مسمارا آخر في نعش السلام، حيث ستحفز قادة السلطة الفلسطينية على مضاعفة عداوتهم لإسرائيل، وستحرض على مزيد من العنف ضد الإسرائيليين وكراهية اليهود في جميع أنحاء العالم من خلال الإدانة الكاذبة وتشويه رد إسرائيل الدفاعي الضروري على حد قوله. كما أن القنصلية ستشجع على دعم أكبر لحركة حماس التي تحكم قطاع غزة والتي تعارض بشكل أكثر صراحة وجود إسرائيل، حيث يرى الفلسطينيون أن سياساتهم العنيفة تحمل إمكانية متجددة للنصر على اليهود. ويضيف كيمب أن هذا كله يبدو كتأثير خطير غير واقعي لافتتاح مكتب دبلوماسي.. لقد طالبت السلطة الفلسطينية بإغلاق السفارة الأمريكية في القدس منذ افتتاحها. لكن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية اعترف في فبراير أن إنشاء قنصلية أمريكية سيكون بديلا مناسبا، قائلا إنها "تبعث برسالة سياسية واضحة". إنه يتفهم الهدف الذي تسعى الإدارة الأمريكية إليه، وهو أن يكون إنشاء قنصلية للفلسطينيين في القدس بمثابة تراجع عن الاعتراف الأمريكي بسيادة إسرائيل على المدينة. واعتبر كيمب أن حقيقة أن هذا ليس مجرد تعديل بيروقراطي، يمكن فهمها أيضا من إصرار إدارة بايدن على القيام بفتح القنصلية في مواجهة معارضة الحكومة الإسرائيلية وعلى الرغم من أنه يحتمل أن ذلك يشكل انتهاكا للقانون الأساسي لإسرائيل والقانون الأمريكي واتفاقية فيينا لعام 1963، التي لا تسمح بفتح قنصلية بدون موافقة الدولة المضيفة. وقد أوضح وزير العدل الإسرائيلي جدعون ساعر قبل أيام قليلة أن ذلك لن يحدث قريبا. واختتم الكولونيل كيمب تقريره بالقول إن البعض يتوقع أن تؤدي خطة بايدن لإنشاء قنصلية في القدس إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت. وقد حذر وزير الخارجية يائير لابيد في سبتمبر من أن ذلك قد يزعزع استقرار ائتلافه الهش. بالإضافة إلى ذلك، فإن فتح قنصلية في نفس المدينة التي توجد بها سفارة بالفعل -وهي خطوة غير مسبوقة- يعزز أهميتها السياسية الكبيرة. خاصة في ظل عدم وجود أي هدف عملي للمنشأة الجديدة، حيث إن السفارة تضم بالفعل قسما مخصصا بشكل خاص للشؤون الفلسطينية. وإذا كانت هناك حاجة فعلية إلى قنصلية مستقلة للفلسطينيين، فمن المنطقي أن يتم إنشاؤها في رام الله، حيث توجد جميع المباني الحكومية التابعة للسلطة الفلسطينية.