هذه مجموعة من «الاكتشافات» وقعت عليها فى الأسبوع الماضى فى ثنايا خبر بشَّرنا بصدور قرار لجامعة الدول العربية باعتبار اليوم السادس عشر من شهر مارس من كل عام يوما عربيا لحقوق الإنسان. أما لماذا ذلك اليوم بالذات، فلأنه التاريخ الذى دخل فيه الميثاق العربى لحقوق الإنسان حيز التنفيذ، كما ذكرت جريدة «الدستور» فى عدد3/19. وهى الإجابة التى كانت بداية الأسرار التى تكشفت تباعا. من ناحية لأننا لم نكن نعلم أن هناك ميثاقا عربيا لحقوق الإنسان، أما المفاجأة الحقة فتكمن فى أن ذلك الميثاق دخل حيز التنفيذ. دون أن نعلم جميعا. من الأسرار الأخرى التى فاجأنا بها الخبر المنشور، أن لدينا لجنة عربية دائمة لحقوق الإنسان تابعة لجامعة الدول العربية، بل ولدينا أيضا لجنة «خبراء» متخصصين فى حقوق الإنسان متفرعة عن اللجنة الدائمة. وهو ما يوفر للمواطن العربى عدة هياكل مشغولة كلها بالدفاع عن حقوق الإنسان. الأمر الذى يطيل من رقبته ويملؤه بالثقة والاطمئنان، على الأقل حتى ينتهى من قراءة الخبر. وهو ما يعنى أن الموضوع تمت تغطيته تماما فى العالم العربى، ولم يبق فيه غير حلقة واحدة «بسيطة للغاية» تتمثل فى ضمانات حماية حقوق الإنسان على أرض الواقع. ذلك أن المهم فيما بدا هو الهياكل والإجراءات، الأمر الذى يذكرنا بالرجل الذى ذهب ليبحث عن سلعة فى متجر كبير متعدد الطوابق، وكلما قصد طابقا دلوه بمنتهى الذوق على الطابق الذى يليه عساه يجد فيه ضالته. وبعدما وصل إلى الطابق الأخير وفشل فى بلوغ مراده، عاد أدراجه ليغادر المتجر، وعلى بابه صادف مديره وروى له قصته، فما كان من صاحبنا إلا أن سأله: لكن بذمتك ما رأيك فى «السيستم» النظام؟ هكذا، فإننا فى صدد حقوق الإنسان فى الوطن العربى شغلنا ب«السيستم» ولم نتقدم خطوة واحدة فى الدفاع عن حقوق الإنسان. وللإنصاف، فإن هذا النهج لم تبتدعه الجامعة العربية، وإنما سبقتها فيه تونس، التى تعد بحق دولة «رائدة» فى هذا المجال. ذلك أن كل وزارة وكل إدارة وكل قسم للشرطة، أنشىء فيه مكتب لحقوق الإنسان. أما الحديث عن ثقافة حقوق الإنسان فى المحاضرات العامة والنشرات وبرامج الإذاعة والتليفزيون والمناهج الدراسية فالإسهاب فيه بلا حدود. بما يعنى أن «السيستم» محكم بدرجة لا تخر منه الماء. وظل الشىء الوحيد المفقود فى المشهد هو احترام حقوق الإنسان. وهو ما تشهد به كل التقارير العربية والدولية المعنية بالموضوع، التى تسجل لتونس أعلى درجة فى انتهاكات حقوق الإنسان فى بلد هو الأكثر احتفاء بالكلام عن تلك الحقوق. ولا تنافسها فى تلك المرتبة سوى مصر. الطريف فى الكلام المنشور الذى زف إلينا خبر تخصيص يوم عربى لحقوق الإنسان، وكشف لنا عن الأسرار سابقة الذكر أن الجامعة العربية لن تتطرق فى تلك المناسبة إلى انتهاكات حقوق الإنسان فى مختلف الأقطار، ولكن غاية ما ستفعله أنها ستعم على العالم العربى مجموعة من النصائح والتوصيات فى هذا الصدد. لماذا ؟ لأن الجامعة العربية تمثل الحكومات ولا تمثل الشعوب، وهى إذا كشفت عن الحقيقة فى الانتهاكات التى ترتكبها الحكومات فمعنى هذا أنها تنتقد من تمثلهم وتتحدث باسمهم وهو ما لا تحتمله العلاقات «الأخوية» بين الحكام العرب. هذا التبرير الذى ورد فى الخبر لا يخلو من منطق، لكنه يطرح السؤال التالى: إذا كان الاحتفال باليوم العربى لحقوق الإنسان وكل «السيستم» المحيط به لن يقدم أو يؤخر فى الموضوع، فما جدواه إذن، ولماذا نضيع الوقت والجهد والمال فى لعبة سقيمة من هذا القبيل؟