المستقبل.. تلك الحقبة غائبة تماما عن أجندة السينما المصرية..فأفلامنا معظمها إما تنطلق من مرارة الحاضر لتصيغ مشاهدها ولقطاتها، وإما تقف على أكتاف الماضى لتنظر إلى الخلف.. وتبقى سينما المستقبل دائما غائبة عن التصور وعن شاشات دور العرض، رغم حضورها وبكثافة فى أجندة جميع البلدان الصانعة للسينما حول العالم وعلى رأسها بالطبع أمريكا التى أطلقت مؤخرا فيلمها الكبير 2012 والذى يتصور وببراعة شديدة نهاية العالم القادمة وكيف سيكون وضع الناس وقتها.. وكان هذا الفيلم مدخلا لنا لنسأل صناع أفلامنا لماذا غاب المستقبل عن تفكيرهم، ولماذا لا يحاول كتابنا صياغة أى تصورات عن مصر ومستقبلها فى السنوات المقبلة.. بالطبع لا نسأل عن أفلام خيال علمى تنطلق من أشياء غير واقعية بعيدة عن عقولنا وواقعنا، ولكن السؤال لماذا المستقبل غائب ويحل الواقع فقط ضيفا ثقيلا وكئيبا فى كثير من الأحيان. أسامة أنور عكاشة: نفتقد ثقافة الإنتاج الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة.. يقول : السينما الأمريكية معروف باعها الطويل فى تلك النوعية من الأفلام، والكلام عن إمكاناتها الإنتاجية مفروغ منه ولا يحتاج لنقاش وهى تستطيع صنع مئات الأفلام من تلك النوعية كما صنعت العشرات من قبل، ولكن مشكلتنا نحن أننا مازلنا فقراء فى الإنتاج ولدينا نقص كبير فى ثقافة الكوادر البشرية الضخمة والتكلفات الكبيرة وإتقان التفاصيل التى يقف على أكتافها أى عمل كبير ناجح. وأضاف: إننا قادرون على الكتابة فى مثل تلك النوعية من الأعمال ولكن عند تنفيذها سترى أعمالا كوميدية وليست خيالية أو مستقبلية، ولا يجوز تنفيذ أعمال كهذه من أجل إثبات الموقف فقط.. ويرفض عكاشة فكرة أن الأزمة ربما تكون فى الكتاب ويقول: لدينا كتّاب كثيرون يتمتعون بمخيلة واسعة ويعتبرون من كبار كتاب الخيال العلمى ولكن الأزمة فى الإنتاج فقط لا غير. ورأى عكاشة أيضا أنه من الصعب الكتابة عن المستقبل فى ظل الظروف الإنتاجية الراهنة بعيدا عن الخيال العلمى أو انطلاقا من رؤية سياسية أو اجتماعية معينة تتنبأ بوضع المجتمع، مشيرا إلى أن هذه الاعمال ستخضع لا شك لرؤية كاتبها فإذا كان متفائلا سيكتب عملا مبهحا ويبعث على الأمل، واذا كان متشائما سيكتب عملا سوداويا محبطا، لذلك لابد للكتّاب ألا ينزلقوا إلى تلك المنطقة لأنها ستكون كتابة تحت ضغط ظروف معينة ربما تزول بعد فترة قصيرة، والكاتب ليس فى حاجة ليتكالب على نفسه ويضرب أخماسا فى أسداس ليكتب عن المستقبل، ولكن يعوضه أن الكتابة عن الحاضر تحمل بين طياتها إرهاصات عن المستقبل. مصطفى محرم: تراجعنا خمسين عامًا للوراء السيناريست مصطفى محرم يقول إنه فى الوقت الذى تراجعت السينما المصرية أكثر من خمسين عاما إلى الخلف، تقدمت السينما الأمريكية خمسين عاما إلى الأمام.. مشيرا إلى أنه يرى أننا الآن نعيش عصر التهريج السينمائى والتدهور يضرب السينما فى شتى أركانها. وأكد محرم أنه كمؤلف يرى فكرة الكتابة عن المستقبل براقة وجاذبة بالفعل لأى كاتب ولكن لابد أن تكون المعالجة الفنية قوية ومتماسكة تقف فوق قواعد الحاضر لتستشرف المستقبل من خلاله. وبرر محرم الأمر أن مثل تلك النوعية من الأفلام تدخل تحت بند أفلام الخيال العلمى، والغرب ناجح جدا فى كل أنواع السينما وعلى رأسها الخيال العلمى والذى يعد من أصعب الأنواع الفنية، ولكننا للأسف خيالنا محدود تماما كتفكيرنا. ورأى محرم أيضا أن الكلام عن الحاضر فى الأعمال الفنية يعتبر نوعا من النظر للمستقبل لأنه سيولد من رحم هذا الحاضر، وضرب مثلا بعدد من أعماله التى تناولت قضايا مستقبلية كفيلم «المرتشون» والذى حاول كشف مستوردى الأغذية الفاسدة وفيلم «حتى لا يطير الدخان» وعديد من الأفلام الأخرى. بلال فضل: النجم الأوحد وراء كساد سوق السينما ويقول الكاتب بلال فضل الذى صنع عددا من الأفلام عن واقع الفقراء والمهمشين الكئيب فى مصر فى إطار كوميدى: لابد فى البداية أن نقول إن الإنتاج يحمل جزءا صغيرا من المسئولية، فالعقلية المسيطرة على السوق والتى توقفت عند ثقافة للنجم الأوحد أوقفت كثيرا من الأنواع السينمائية المهمة وليس فقط سينما المستقبل.. فلا يوجد فيلم تاريخى ولا حربى ولا خيال علمى ولا رعب ولا تشويق، وجعلت هذه العقلية المسيطرة السينما مجرد موضة يلهث خلفها الجميع. ويضيف: واقع السينما حاليا متردى جدا، ولا توجد كيانات عملاقة كهوليوود ولا توجد ضمانات من الدولة وبالتالى أفلام المستقبل يخشاها الجميع لأنها تحتاج أموالا ضخمة لصنع شوارع وإكسسوارات ملائمة وبالتالى يخشى المنتج تقديمها لأن الخسارة إذا حدثت تكون موجعة.. وإذا كانت الدولة لم تستطع حماية السينما من القرصنة فكيف يأمن المنتجون على أموالهم. وأكد بلال أننا نستطيع صناعة أفلام حتى على مستوى الخيال العلمى بدون تكاليف ضخمة وضرب مثلا بفيلم «ديستريكت ناين» وهو فيلم من جنوب أفريقيا وصنعه مخرجه بتكاليف قليلة للغاية ولكنه خاض به العالم كله وحقق إيرادات ضخمة وصار مخرجه من كبار المخرجين حول العالم. وفى النهاية حمل بلال الدولة المسئولية فهى لديها 3 جهات مهمة وهى وزارات الثقافة والإعلام والاستثمار وإذا اهتمت تلك الجهات بالسينما بحق فسنخرج من تلك الكبوة لأن السينما بضاعة لا تخسر وتظل تدر أموالا طوال حياتها، وتدخل الدولة منذ أيام الستينيات جعل السينما تزدهر ودفعت المنتج الخاص لخوض تجارب جادة ومهمة كى ينافس الإنتاج الحكومى وطالب بلال بضرورة إصلاح المنظومة السينمائية بأكملها. مروان حامد: أزماتنا بدائية.. فكيف نرى عالمنا المقبل؟! أما المخرج مروان حامد فأرجع الأمر برمته إلى الفرق بين طبيعة الشعبين العربى والأمريكى، فهم شعب يعيش واقعه بين ناطحات السحاب والمعامل ويعيشون يوميا لذة الاكتشافات العلمية وخوض عالم الفضاء والقمر وإطلاق الصواريخ والبعثات العلمية للفضاء إلى آخر تلك الصور الحياتية فى واقعهم فطبيعى جدا أن يتقبلوا فنانيهم عندما يتكلمون عن صورة المستقبل بعد 100 عام مثلا، ولكن انظر إلى الجانب الآخر، إلى شعب يعيش حياته فى ظل أزمات وأسئلة بدائية جدا فمازلنا نعيش عصر غياب رغيف العيش ومياه المجارى المختلطة بماء الشرب ومشكلة غياب الديمقراطية إلى آخر تلك الأزمات التى انتهى العالم المتقدم منها منذ عشرات السنين، فطبيعى ألا يتقبل الجمهور من السينما أى نظرة للمستقبل فى ظل هذا الواقع المر. ويؤكد مروان أن هذا الواقع الذى نعيشه ينعكس على رفض الجمهور تماما لمثل تلك النوعية من الأفلام ودلل على ذلك بمثال أن كل الأفلام التى تحقق ملايين الدولارات حول العالم تفشل فى مصر ولا تجد إقبالا يذكر مثل فيلم حرب النجوم مثلا. ومن ضمن الاسباب التى تساهم فى غياب أفلام الخيال والنظرة للمستقبل فى مصر من وجه نظر مروان هو غياب مثل تلك النوعية من الكتابات فى شتى فروع الأدب والفن المصرى، فهى إن كانت موجودة فى روايات وقصص عالمية كثيرة لا تجدها فى مصر إلا على استحياء شديد لا يذكر وكلها محاولات فردية. وذكر مروان أيضا أنه عرض عليه أحد الأعمال المتعلقة بالخيال واستشراف المستقبل و كانت بعيدة عن فئه الخيال العلمى، ولكنها كانت تجربة جديرة بالاهتمام، وأجود ما فى تلك الأفلام هو أنك ترى الواقع وتنقده من خلال عيون المستقبل، كما نفعل عندما نرى الواقع من خلال حكايات الماضى. إسعاد يونس: لا ننتج عن الماضى فكيف ننتج للمستقبل؟ المنتجة إسعاد يونس التى توضح أن هناك أفلام خيال علمى وأفلام تنبؤ بالمستقبل وأفلاما ميتافيزيقية أو ما وراء الطبيعة.. وتضيف: بالنسبة لافلام الخيال العلمى، فإنه لن يصدقها الجمهور فى مصر لان نفسية هذا الجمهور لا تقبلها فكيف تقنع شعبا تعجز حكومته عن جمع القمامة من الشوارع أن بلدنا فيها علم نصنع منه أفلام خيال علمى !. وهذا يختلف عن طبيعة الشعب الأمريكى الغارق فى كل ذلك وأحيانا تسبق السينما الأمريكية العلم فى شىء ما، فيصنعه العلم بالفعل مثلما حدث فى فيلم جيمس بوند عندما اخترعوا الموتوسيكل المائى وبالفعل بعد سنتين صنعت أمريكا موتوسيكلات مائية حقيقية. أما أفلام المستقبل والنظرة للأمام فهناك كّتاب عديدون كتبوا عن ذلك ولكن كانت أفكارهم محصورة بين تشاؤم ضخم مبنى على الواقع وأما توقع شىء ما سيجبر الجميع على أن يصبح شديد الإيمان والطيبة، بعد الفساد الذى نعيشه. ولكن فضلا عن ذلك فهناك أزمة إنتاجية كبرى وهى أن تلك الأفلام تتطلب بناء ديكورات ضخمة لشوارع وأزياء وسيارات ستكون موجودة بعد خمسين عاما وهذا صعب للغاية.. فإذا كنا الآن لا نستطيع تصوير أفلام عن خمسين عاما مضت فكيف نصنع أفلاما عن خمسين عاما مقبلة.. والمفترض أن الدولة تحافظ على تراثها من الأماكن القديمة وهذا لا يحدث فمثلا القطارات التى اصطدمت واحترقت كان لابد من نقلها لمدينة الإنتاج الإعلامى لصناعة أفلام توثيقية أو سينمائية عنها. وضربت إسعاد مثلا بمدينة وراسو فعندما صنعت الدولة مدينة جديدة نقلت السكان إلى تلك المدينةالجديدة وحولت المدينة القديمة بأكملها لمزار سياحى لتحافظ على شكلها القديم وتاريخها وتكون عونا لصناع السينما إذا أرادوا توثيق فترة مضت.. أما فى مصر فإذا أرادت تصوير فيلم عن الماضى لن تجد إلا شارعا صغيرا بمدينة الإنتاج الإعلامى وستضطر لبناء شوارع وأماكن كانت الدولة ستوفر الكثير إذا حافظت على ماضيها. وتضيف إسعاد يونس قائلة: أما أفلام ما وراء الطبيعة فسنجد الفكر السلفى الذى تجامله الحكومة «عشان تريح دماغها» سيفرض عليك ختم الفيلم بآيات قرآنية حتى لا تتهم بالشعوذة والضحك على الجمهور، فغير مسموح تقديم أفلام خيالية أو أفلام عن الجن وما لا يراه الإنسان. وفى النهاية حملت إسعاد الدولة مسئولية كبيرة للغاية فهى لا توفر للسينما ما يجب عليها توفيره لها، مشيرة إلى أن السينما فى أمريكا المصدر الأول للدخل القومى هناك وحافظت عليها كل الحكومات الأمريكية بشتى الطرق حتى فى عز أزمتها المالية.. وفى الهند الآن فإن ثالث مصدر للدخل لها هو بوليود، والتى سبقتنا بمراحل رغم أن مصر يوما ما كانت السينما فيها رقم 3 فى العالم.