مطلوب منا أن نكفِّر عن سوء ظننا بالجدار الفولاذى، الذى يقومون بزرعه الآن على الحدود مع غزة. ذلك أننا لم نكن نعلم بأنه قربة إلى الله واستجابة لتكليف دينى، حتى فتح أعيننا على تلك «الحقيقة» أمين مجمع البحوث الإسلامية، فى بيان لفت نظرى إليه بعض الأصدقاء، ولا أعرف كيف فات أجهزة الإعلام أن تعطيه حقه من الذيوع والانتشار، وقد نبهت إليه بعد الذى كتبته يوم الأحد الماضى تعليقا على البيان الذى صدر باسم مجمع البحوث الإسلامية وقرأه شيخ الأزهر، وأعلن فيه تأييد إقامة الجدار، وتأثيم المعارضين والناقدين له. بالمقارنة بدا بيان شيخ الأزهر تفريطا فى حق التكاليف وتهوينا من شأن الواجبات الشرعية، لأنه اكتفى بتأييد إقامة الجدار وسكت عن وجوبه. وبذلك اعتبره من المباحات فى حين أنه عند أمين مجمع البحوث من الواجبات. والفرق بين الاثنين أن المباح لا يحاسب المرء على التقصير فى النهوض به، أما الواجب فيتعين الالتزام به ويؤثم التقصير فى أدائه. الأمر الذى يعنى أن الأمريكيين والفرنسيين، الذين يشرفون على تنفيذه ينتظرهم ثواب كبير فى الآخرة، جزاء «إحسانهم» الذى لم نقدره حق قدره. كلام الشيخ على عبدالباقى أمين مجمع البحوث نشر على الصفحة الأولى من جريدة «المساء»، التى صدرت يوم الخميس الماضى 31/12، وهو اليوم الذى عقد فيه المجمع جلسته التى قرأ فيها شيخ الأزهر البيان دون أن يسمح لأحد بمناقشته أو التعليق على مضمونه. تصريحات الشيخ نشرت تحت عنوان يقول: «الجدار الهندسى فرض دينى». وفى نص الخبر أن الشيخ المذكور قال: «إن إقامة الجدار الهندسى على الحدود المصرية يعد بمثابة فرض دينى لحماية الأمن القومى المصرى.. وإنه يجب على ولى الأمر أن يحمى شعبه بشرط عدم الاعتداء على حقوق الآخرين، وأضاف أن من حق مصر تعزيز حدودها وتأمين أراضيها لضمان عدم زعزعة الاستقرار». ما أتى به أمين مجمع البحوث الإسلامية ليس لوجه الله، لكنه لوجه الحكومة أولا وأخيرا. ذلك أمر لا يختلف عليه، رغم أنه لم يكن مضطرا إليه، ولو أنه سكت لكان خيرا له، وهو ما يستدعى السؤال التالى: لماذا فعلها إذن؟.. ثمة عدة إجابات، تقول إحداها إنه إذا كان رئيس المجمع رجلا مثل الشيخ طنطاوى فلا غرابة فى أن يكون أمينه العام واحدا مثل الشيخ على عبد الباقى، وأن مجمعا يوضع اسمه على البيان الذى قرأه الأول، يستحق بجدارة أن يتولى الثانى «أمانته». ترجح إجابة أخرى أن تكون للرجل حاجة لدى الحكومة إلى جانب استجلاب عطفها ورضاها ترقية فى المنصب أو تجديد لعقد الوظيفة إذا كان قد قارب سن التقاعد، أو سفره للعلاج فى الخارج، أو أى مأرب آخر، ثمة إجابة ثالثة تقول إن الرجل أراد أن يرشح نفسه خلفا لشيخ الأزهر أو وزير الأوقاف فقرر أن يزايد على الجميع، ورفع عاليا سقف التأييد للحكومة، مصداقا لقول من قال إنك كلما انحنيت أمام الحكومة ازداد مقامك ارتفاعا. إذا عنَّ لواحد من الأبرياء أن يسأل: هل يمكن أن تكافؤه الحكومة بعد الفضيحة التى أقدم عليها؟.. فردى أن حكومتنا لا تخشى فى مجاملة أبنائها لومة لائم. فقد كافأت ثلاثة من المسئولين عن محرقة قصر ثقافة بنى سويف وجددت تعيينهم وكافأت وزيرا سيئ السمعة، بأن أعادت تعيينه فى موقع أرفع براتب شهرى تجاوز مليون جنيه. وكافأت مدير الجامعة الذى ركل بحذائه بعض الطلاب المتظاهرين (ضربهم بالشلوت)، فعينته وزيرا للتربية والتعليم مرة واحدة، وإذا كان هذا سجلها، فلما نستكثر عليها أن تقوم ب«الواجب» إزاء أمين مجمع البحوث، الذى فعل فعلته لكى يستر فضيحتها؟!