مصر وقبرص تنفذان التدريب المشترك «بطليموس 2025»    تأكيدًا ل«المصري اليوم».. «الأوقاف» تصدر بيانًا حول أزمة سفر الأئمة للحج دون إذن مسبق (تفاصيل)    اتحاد عمال مصر يؤكد دعمه لحقوق الشعب الفلسطيني ويدين ممارسات الاحتلال    بدء ضخ 15 ألف متر مكعب بخط الجلالة الكريمات كمرحلة أولى لإنهاء أزمة المياه بالغردقة    البورصات الأوروبية تغلق على ارتفاع وستوكس 600 يصعد 0.49%    رئيس الوزراء يشهد حفل إطلاق خدمات الجيل الخامس للهاتف المحمول في مصر رسميًا    إطلاق خدمات الجيل الخامس للمحمول فى مصر من منطقة الأهرامات    سنابل الخير.. توريد 304 آلاف طن قمح محلى إلى شون وصوامع البحيرة    منظمة الصحة العالمية تطلق استراتيجية للتأهب للكوليرا في منطقة شرق المتوسط    رينارد: جاهزون لمواجهة البحرين وندرك حجم المسؤولية    ترامب: إبرام اتفاق مع الرئيس الصيني سيكون أمرًا «في غاية الصعوبة»    بالأسماء.. 25 لاعبا في قائمة الأهلي المسافرة إلى أمريكا اليوم    منتخب شباب اليد يتوجه إلي بولندا فجر 17 يونيو لخوض بطولة العالم    نتيجة الصف الثاني الثانوي الترم الثاني 2025 في المنيا والمحافظات.. الموعد والرابط    مصرع شاب بطلقات نارية فى مشاجرة بقنا    موفد قناة الناس: توافد الحجاج على مشعر منى فى يوم التروية وسط استعدادات مكثفة    كريم محمود عبد العزيز يحيي ذكرى ميلاد والده برسالة مؤثرة    «إحلالٌ.. نعم! إغلاقٌ.. لا!»    أمين الفتوى يوضح فضل قيام ليلة العيد: من الليالى التى لا تُفوّت    الوداد المغربى يستعجل رد الزمالك على عرض صلاح مصدق    أهم أخبار الكويت اليوم الأربعاء.. الأمير يهنئ المواطنين والمقيمين بعيد الأضحى    حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن 22 صحفيا معتقلا بمناسبة عيد الأضحى    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى بمستشفياتها خلال عيد الأضحى    دعاء يوم التروية لغير الحجاج .. اللهم إنى أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل    محمد بن رمضان يعيد أمجاد هانيبال مع الأهلي.. من هو وما قصته؟    القاهرة تستضيف النسخة الرابعة من المؤتمر والمعرض الطبي الإفريقي «صحة إفريقياAfrica Health ExCon»    اتفاق تعاون بين «مصر للمعلوماتية» و« لانكستر» البريطانية    بعد نشرأخبار كاذبة.. مها الصغير تتقدم ببلاغ رسمي ل«الأعلى للإعلام »    زوارق إسرائيلية تختطف صيادًا من المياه الإقليمية بجنوب لبنان    سيراميكا كليوباترا يفتح الخزائن لضم «الشحات وعبد القادر»    نجم الزمالك السابق: وسط الملعب كلمة السر في مواجهة بيراميدز    حنان مطاوع: يشرفني تقديم السيرة الذاتية ل سميحة أيوب    صعب عليهم نسيان الماضي.. 5 أبراج لا يمكنها «تموڤ أون» بسهولة    تأكيدا ل «المصري اليوم».. أيمن منصور بطل فيلم آخر رجل في العالم (البوستر الرسمي)    محمد رمضان يقترب من الانتهاء من تصوير «أسد»    قرار عاجل من الزمالك بفسخ عقده لاعبه مقابل 20 ألف دولار    بعد اهتمام برشلونة والنصر.. ليفربول يحسم موقفه من بيع نجم الفريق    برسالة باكية.. الشيخ يسري عزام يودع جامع عمرو بن العاص بعد قرار الأوقاف بنقله    خُطْبَةُ عِيدِ الأَضْحَى المُبَارَكِ 1446ه    وفد من الأزهر والأوقاف والكنائس يهنئ محافظ الإسماعيلية بعيد الأضحى    رئيس هيئة الاعتماد يعلن نجاح 17 منشأة صحية فى الحصول على اعتماد "جهار"    جامعة القاهرة ترفع درجة الاستعداد القصوى والطوارئ بجميع مستشفياتها    وزيرة خارجية لاتفيا: سنعمل في مجلس الأمن لتعزيز الأمن العالمي وحماية النظام الدولي    الصحة: 58 مركزًا لإجراء فحوصات المقبلين على الزواج خلال فترة إجازة عيد الأضحى المبارك    رئيس الوزراء: إزالة تداعيات ما حدث بالإسكندرية تمت فى أقل وقت ممكن    شيخ الأزهر يهنئ الأمة الإسلامية بعيد الأضحى ويطالب المجتمع الدولي بوقف غير مشروط للعدوان على غزة    ما تفاصيل مشروع قرار مجلس الأمن المرتقب بشأن غزة؟    صلاح عبدالله يستعيد ذكرياته مع سميحة أيوب في مسرحية رابعة العدوية    مد فترة التشطيبات.. مستند جديد يفجر مفاجأة في واقعة قصر ثقافة الطفل بالأقصر    مجلس الوزراء يوافق على اتفاقية مع الاتحاد الدولي للاتصالات لتحقيق التنمية الرقمية    زلازل وعواصف وجفاف.. هل تستغيث الأرض بفعل تغيرات المناخ؟    الإسكندرية ترفع حالة الطوارئ بشبكات الصرف الصحي استعدادًا لصلاة عيد الأضحى    أول تحرك من «الطفولة والأمومة» بعد تداول فيديو لخطبة طفلين على «السوشيال»    تحرير 911 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    مسابقة لشغل 9354 وظيفة معلم مساعد مادة «اللغة الإنجليزية»    «اللهم املأ أَيامنا فرحًا ونصرًا وعزة».. نص خطبة عيد الأَضحى المبارك 1446 ه    زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50% تدخل حيز التنفيذ    موعد إعلان نتيجة الصف الثالث الإعدادي 2025 في الجيزة ترم ثاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا استقبل المصريون ترشيح البرادعى بكل هذه الجدية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 01 - 2010

أثار إعلان الدكتور محمد البرادعى عن إمكانية ترشحه فى الانتخابات الرئاسية زوبعة رجت الحياة السياسية المصرية بشكل غير مسبوق، ما بين حماس بايعه مبايعة كاملة وغير مشروطة، حتى قبل أن يعلن أى برنامج سياسى، أو عداء سافر واتهامات وصلت إلى الطعن فى وطنية الرجل ونزاهته، وبأقلام سبق أن دبجت قصائد المديح فيه قبل أعوام قليلة احتفالا «بنوبل مصر الرابعة»!
المدهش أن هذا الحماس الصاخب معه وضده تجاهل حقيقة بسيطة، وهى أن أغلبية الشواهد تكاد تقطع بأن الدكتور البرادعى لن يكون مرشحا فعليا فى الانتخابات الرئاسية لعام 2011.
فهناك أولا المشكلة الإجرائية المتمثلة فى القيود المعقدة التى وضعتها المادة 76 من الدستور المصرى والتى تجعل من ترشح الدكتور البرادعى أمرا مستحيلا من الناحية العملية، ما لم يقم بالانضمام مثلا للهيئة العليا لأحد أحزاب المعارضة التى ستمتلك تمثيلا برلمانيا فى انتخابات 2010، على أن يتم ذلك خلال أشهر الصيف الثلاثة القادمة (لكى يمر على عضويته فى الهيئة العليا لهذا الحزب عام واحد على الأقل قبل الانتخابات الرئاسية كما ينص الدستور). ولا يوجد فى تصاريح الدكتور البرادعى حتى الآن ما يشير لاعتزامه القيام بهذه الخطوة.
من ناحية ثانية، فإن الدكتور البرادعى رهن ترشيحه بعدة تعديلات دستورية أخرى (كعودة الإشراف القضائى المباشر على جميع مراحل الانتخابات مثلا)، ولا يوجد بطبيعة الحال أى سبب للاعتقاد بأن الحكومة ستتطوع بالقيام بمثل هذه التعديلات خلال الأشهر المقبلة، لمجرد إتاحة الفرصة للدكتور البرادعى لدخول الانتخابات الرئاسية منافسا لمرشح الحزب الوطنى!
وأخيرا، فإن الدكتور البرادعى لم يقدم فى حقيقة الأمر أى برنامج سياسى تفصيلى يحمل رؤية لتغيير واقع مصر، وإنما كل ما قدمه هو تصور لبرنامج انتقالى يؤسس لدستور جديد، وانتخابات نيابية ورئاسية قادمة يتنافس فيها المرشحون على قواعد جديدة أكثر وضوحا وشفافية. بعبارة أخرى، اختار الدكتور البرادعى على الأقل كما ظهر فى حديثه لجريدة «الشروق»، والتصريحات المتفرقة التى أدلى بها حول ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية ما يمكن تسميته «بنموذج الرئيس السودانى الأسبق عبدالرحمن سوار الذهب»، أى الرئيس الانتقالى الذى يفضل دخول التاريخ من بوابة إعادة ترتيب أوراق النظام السياسى، تمهيدا لانتخابات حرة يوكل إليها تحديد الخيارات السياسية للدولة، دون أن يقوم هو شخصيا بتقديم برنامج مفصل للتغيير السياسى على المدى المتوسط والبعيد.
فى الأحوال العادية، كان يفترض أن يكون ترشيح الدكتور البرادعى بالصيغة التى قدم بها، ووفق الشروط الصعبة التى يحتاجها ليتحقق فعلا هو موقف سياسى وأخلاقى له قيمته بكل تأكيد، ولكنه لا يستحق كل السجال الصاخب الذى أثاره. فلماذا قامت قائمة المصريين حكومة ومعارضة لمجرد الإعلان عن هذا الترشيح صعب التحقيق؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب الالتفات ابتداء إلى أن ترشيح الدكتور البرادعى مثل أول تحد لنظرية وشعار «الفكر الجديد» الذى يرفعه الحزب الوطنى منذ عام 2002، على ساحته ووفق منطقه وشروطه. «فالفكر الجديد» يقدم تصورا لمرشحين نيابيين وربما رئاسيين، إن أخذنا بتلميحات قادة الحزب الوطنى عن إمكانية ترشح السيد جمال مبارك (مفجر ثورة التحديث بالحزب، حسب تعبير رجل الأعمال الشهير السيد أحمد عز) للانتخابات الرئاسية القادمة مرشحا عن الحزب الوطنى أهم مزاياهم أنهم مرشحون تكنوقراطيون، ممتلكون لمهارات فنية وإدارية مميزة، ويستطيعون التفاهم والتعامل مع «القوى الدولية المختلفة» التى بات التعامل معها ضرورة فى ظل العولمة. يلح أيضا قادة الحزب الوطنى على أن حزبهم يمثل البديل «التحديثى» الوحيد فى مواجهة «سلفية الإخوان المسلمين».
فى هذا السياق، مثل ترشيح الدكتور البرادعى قلبا كاملا للمعادلة. فهو مرشح تكنوقراطى لا شك فى كفاءاته الفنية، ممتلك لخبرة إدارية لا يمكن المزايدة عليها وقد توجها بالبقاء على رأس واحدة من أخطر المنظمات الدولية. وهو بطبيعة الحال شخصية مرموقة، ومقبولة من جميع «القوى الدولية» التى خبرته طوال سنين عمله الطويلة فى منظومة الأمم المتحدة ثم الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ليبرالية و«تحديثية» البرادعى أيضا ليست موضع شك. هو إذن يقارع أى مرشح تكنوقراطى يقدمه الحزب الوطنى بنفس أسلحته. إذ يصعب تصور وجود مرشح تكنوقراطى يتفوق فى مؤهلاته على الدكتور البرادعى، كما أن وجود مرشح ليبرالى وتحديثى كالبرادعى يكسر احتكار الحزب الوطنى لفكرة «البديل التحديثى الوحيد لمواجهة التيارات السلفية».
من ناحية أخرى، فإن معالم برنامج «المرحلة الانتقالية» الذى قدمه البرادعى يتقاطع مع مجموعة مطالب تتردد أصداؤها فى مختلف تيارات المعارضة المصرية، الأمر الذى جعله عمليا يجسد بفكرة «البرنامج الانتقالى»، التى اقتصر عليها فى أحاديثه عن ترشحه الرئاسى، نقطة تلاقى لقوى سياسية لا يستهان بها فى المجتمع المصرى، ومن ثم لم يعد مجرد مرشح «فرد» منبت الجذور عن الحراك السياسى العام للمجتمع المصرى (وهى التهمة التى كررها بعض الكتاب القريبين من الحزب الوطنى، فى مفارقة تلفت النظر لكون الحزب الوطنى بتركيبته الحالية هو أقل تمثيلا لشرائح المجتمع المصرى من أى مرحلة سابقة منذ نشأته).
بشكل عام، كان الطريق لقيادة العمل السياسى فى مصر طوال القرن العشرين وبخاصة فى نصفه الثانى يمر من واحدة من ثلاث بوابات: إما بوابة الاستناد لدعم مؤسسات الدولة العملاقة بأدواتها المتشعبة، وإما من بوابة بعض المؤسسات التى اكتسبت شرعيتها بإنجاز تاريخى ضخم جعلها حامية للجمهورية ومجسدة لها، وإما من البوابة الأضيق لقوة سياسية من خارج الدولة تحصل على شرعيتها بناء على جاذبية خطابها وموقفها السياسى فى لحظات استثنائية (نموذج سعد زغلول والوفد المصرى فى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى مثلا). وفى السنوات الأخيرة، سعى البعض داخل الحزب الوطنى لاستكشاف إمكانية إيجاد بوابة رابعة هى باب «القائد كخبير تكنوقراطى ذى مصداقية محلية ودولية».
ترشيح الدكتور محمد البرادعى، برغم الصعوبات التى تعترض إمكانية تحققه، أغلق أو كاد أن يغلق هذه البوابة الرابعة على من عداه (باعتباره الأكثر جدارة من زاوية الكفاءة الفنية أو المصداقية الدولية)، ومن ثم أعاد المعادلة القيادية فى مصر إلى أبوابها التقليدية.
ثم إن برنامج الدكتور البرادعى، فتح عمليا النقاش حول المستقبل السياسى فى مصر، من باب وضع القواعد العادلة التى تتيح للشعب المصرى اختيار ممثليه بحرية فى مختلف مستويات النظام السياسى. المسألة إذن، وفقا للدكتور البرادعى، هى مسألة تأسيس قواعد جديدة للعبة، وليست مجرد سجال على تفصيل هنا وتعديل هناك.
لا يجب أن ننسى أيضا أن ترشيح الدكتور البرادعى أعاد الثقة لقطاعات واسعة من المصريين من زاويتين: الأولى، هى أن طرح اسمه ذكر المصريين بحقيقة بديهية كادوا ينسونها، وهى أنه إذا كانت القضية قضية كفاءة فنية وتكنوقراطية، فمصر لحسن الحظ لم تنضب من المواهب. والثانية، وهى الأهم، هى أن فكرة «تأسيس قواعد جديدة للعبة السياسية فى مصر، ثم ترك الانتخابات تحدد هوية القادة السياسيين وبرامجهم لاستنهاض الوطن» تتضمن احتراما بالغا لاختيارات الشعب المصرى وإيمانا كاملا «بنضجه السياسى»!
لهذه الأسباب أساسا، وبرغم صعوبة تحول ترشيح البرادعى إلى حقيقة انتخابية فى انتخابات 2011، أخذه المصريون بكل هذه الجدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.