تعرف على أسعار الذهب مساء السبت 24 مايو 2025    تعرف على أعلى عائد لشهادات الادخار في البنوك المصرية بعد خفض الفائدة    مصر للتأمين تفتح باب التقديم لبرنامج التدريب الصيفي لعام 2025    44 شهيدا فى غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    أردوغان خلال لقاء مع الشرع: احتلال إسرائيل وعدوانها على الأراضي السورية أمر غير مقبول    موقف تريزيجيه.. تشكيل الريان ضد الغرافة في نهائي كأس أمير قطر    إنفانتينو: رونالدو قد يشارك في مونديال الأندية    حملة تموينية لضبط مخالفات نقص وزن الخبز والدقيق المهرب بمخابز شربين وبلقاس    من سب شرطي مرور للشروع في قتل زميله.. "طفل المرور" يعود من جديد    تأجيل محاكمة متهمي اللجان النوعية    "ملكة جمال الكون" ديو يجمع تامر حسني والشامي    الثقافة بالجيزة تنظم يوما ثقافيا ترفيهيا لمرضى السرطان    ملك المونولوج.. ذكرى رحيل إسماعيل ياسين في كاريكاتير اليوم السابع    تعرف على أسعار حجز الأضاحي بمنافذ الزراعة    البابا لاون يلتقي موظفي الكرسي الرسولي    جامعة أسيوط: متابعة ميدانية لمطاعم المدينة الجامعية للطالبات للتأكد من جودة الوجبات    وزير الداخلية اللبناني: الدولة لن تستكين إلا بتحرير كل جزء من أراضيها    يديعوت: تأجيل تفعيل آلية توزيع المساعدات الأميركية في غزة لأسباب لوجستية    القوات الروسية تسيطر على 3 بلدات في شرق أوكرانيا    بيرو تفتح تحقيقاً جنائياً بحق جندي إسرائيلي بعد شكوى مؤسسة هند رجب    المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تصعد سياسة التهجير والتجويع تمهيدًا لطرد جماعي للفلسطينيين    محافظ قنا يُكرم الشقيقين «أحمد وهبة» لفوزهما بجائزة الدولة للمبدع الصغير    نواب يشيدون بتعديلات قوانين الانتخابات: خطوة نحو برلمان يعبر عن كافة فئات المجتمع    كونتي ضد كابيلو.. محكمة تحدد المدرب الأفضل في تاريخ الدوري الإيطالي    بمشاركة منتخب مصر.. فيفا يعلن ملاعب كأس العرب    هيثم فاروق: بيراميدز الوحيد الذي نجح في إحراج صن داونز بدوري الأبطال    ذا أثليتك: أموريم أبلغ جارناتشو بالبحث عن نادٍ جديد في الصيف    محمد صلاح يعادل إنجاز رونالدو وهنري ودي بروين    النائب مصطفى سالمان: تعديلات قانون انتخابات الشيوخ خطوة لضمان عدالة التمثيل    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    المانجو "الأسواني" تظهر في الأسواق.. فما موعد محصول الزبدية والعويسي؟    تسجل 44.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس في مصر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد ل48 ساعة    سقوط عدد من "لصوص القاهرة" بسرقات متنوعة في قبضة الأمن | صور    أزهر كفر الشيخ يختتم أعمال تصحيح الشهادة الابتدائية وجار العمل فى الإعدادية    مغادرة الفوج الأول لحجاج الجمعيات الأهلية بالبحيرة للأراضي المقدسة    أسعار الفراخ البلدي تتراجع 5 جنيهات اليوم السبت (آخر تحديث)    النزول من الطائرة بالونش!    اتحاد الصناعات: الدولة تبذل جهودا كبيرة لتعميق صناعة حديد التسليح محليًا    موقع سفر: المتحف المصرى الكبير نقلة نوعية فى السياحة الثقافية لعام 2025    ماجد المصري يُقبل "يد" هيفاء وهبي بحفلها في دبي (صور وفيديو)    داليا مصطفى: لا أحب العمل في السينما لهذا السبب    متحف الحضارة يستقبل وفداً رفيع المستوى من الحزب الشيوعي الصيني    القارئ السيد سعيد.. صوت من السماء حمل نور القرآن إلى القلوب | بروفايل    رئيس الوزراء يفتتح المقر الرئيسي الجديد لهيئة الإسعاف    استخراج موبايل من معدة مريض في عملية نادرة بالقليوبية    نائب وزير الصحة يبحث مع وفد منظمة الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة ووضع خارطة طريق مستقبلية    جامعة كفر الشيخ تسابق الزمن لإنهاء استكمال المنظومة الطبية والارتقاء بالمستشفيات الجديدة    مباشر.. أسرة سلطان القراء الشيخ سيد سعيد تستعد لاستقبال جثمانه بالدقهلية    التشكيل الرسمي لصن داونز أمام بيراميدز بذهاب نهائي دوري الأبطال    براتب 20 ألف جنيه.. تعرف على فرص عمل للشباب في الأردن    خلي بالك.. رادارات السرعة تلتقط 26 ألف مخالفة في يوم واحد    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    المتحدث العسكري: الفريق أحمد خليفة يعود إلى أرض الوطن بعد انتهاء زيارته الرسمية لدولة فرنسا    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    الداخلية تضبط المسئول عن شركة لإلحاق العمالة بالخارج لقيامه بالنصب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولكم فى القصاص حياة
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 03 - 2009

وسط تصفيق وتهليل الجنود الذين احتشدوا فى قاعدة عسكرية فى ولاية كارولينا الشمالية يوم 27 فبراير الماضى، تعهد الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما بسحب القوات الأمريكية «المقاتلة» من العراق فى موعد أقصاه نهاية أغسطس من العام المقبل، وأن يحتفظ بحوالى 35 ألفا من الجنود من أجل التدريب وتقديم المشورة لقوات الأمن العراقية، وذلك حتى نهاية عام 2011، وهو الموعد الذى سبق أن اتفقت عليه إدارة جورج بوش مع الحكومة العراقية فى الاتفاق الأمنى الذى وقع نهاية العام الماضى.
ومن الطبيعى ألا يكون أوباما وسط هذا الجمع من العسكريين فى وضع يسمح له بانتقاد الحرب على العراق والتى سبق أن عارضها قبل توليه السلطة، وأن يعترف بأن الحرب كانت طويلة وشاقة وكلفت الولايات المتحدة حوالى التريليون دولار أو ألف مليار بالتمام والكمال. وترك أوباما لوزير دفاعه روبرت جيتس بعد ذلك بأيام مهمة الاعتراف بفشل أجهزة المخابرات فى إطلاع متخذى القرار فى إدارة بوش السابقة على الحقائق المتعلقة بامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وهو الادعاء الذى ثبت بطلانه. ونصح جيتس أى رئيس أمريكى جديد بتوخى الحذر والتدقيق فى المعلومات قبل أن يشن حربا استباقية ضد دولة أخرى، ولم يكتف الوزير بذلك بل اعترف بأن تقديراتهم عن مدى ضراوة المقاومة داخل العراق كانت خاطئة تماما.
لاشك أن الاعتراف بالحق فضيلة، غير أن مما لا شك فيه أيضا أن الندم لا يكفى، وأن ترك من ارتكب الأخطاء والجرائم فى حق الشعب العراقى دون عقاب هو فى الواقع جريمة ضد الإنسانية جمعاء، والسؤال هو: كيف يمكن لشعب العراق القصاص من هؤلاء الذين استباحوا أرضه وشردوا أهله داخل وخارج العراق وعددهم مجتمعين يبلغ الأربعة ملايين نسمة من بينهم خيرة العلماء وأساتذة الجامعات والباحثين؟ هل يمكن للشعب العراقى أن يغفر لمن تسبب فى تحطيم بنية بلاده الأساسية، وحرم الشعب من احتياجاته فى المياه والكهرباء والدواء؟ وتشير التقارير إلى أن ثلث الشعب العراقى أصبح يعيش تحت خط الفقر، وأن معدل البطالة وصل إلى أعلى مستوياته، وهل من المقبول أن نغفر لمن تسبب فى وقوع مئات الآلاف من الضحايا على امتداد ستة أعوام من الاحتلال؟ وهل يمكن للعراقيين نسيان خطيئة تسريح الجيش والاستغناء عن الآلاف من موظفى الوزارات والمصالح لحاجة فى نفس بريمر قضاها!
وهل يمكن تجاهل نهب المتاحف والمكتبات وتخريب المواقع الأثرية؟ وفوق كل ذلك تعميق الطائفية العرقية والدينية حتى أصبح ذلك قانون البلاد. وتحول العراق بفضل المحتلين إلى ملاذ للمتطرفين المتعطشين للانقضاض على دول الجوار كى يعيثوا فيها فسادا.
وإذا أضفنا لكل ذلك حقيقة قيام الولايات المتحدة بشن حروبها على العراق دون تفويض دولى، الأمر الذى يعتبره خبراء القانون عملا من أعمال العدوان وانتهاكا صارخا للقانون الدولى، فما الوسيلة التى يمكن بها معاقبة المسئولين الأمريكيين على جرائمهم؟
قبل أن يغادر الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون البيت الأبيض مستقيلا على خلفية فضيحة ووترجيت، حصل من خلفه جيرالد فورد على عفو رئاسى شامل يضمن له النجاة بفعلته. وعلى حدّ علمى لم يصدر عن أوباما مثل هذا العفو عن جرائم بوش وبطانته. ومن المهم أن نتذكر أن الكثير من الزعماء الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية قد لوحقوا فى العديد من الدول خارج أراضيهم. فقد لوحق أرييل شارون وزير الدفاع ورئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق فى المحاكم البلجيكية لمسئوليته عن المذابح التى جرت فى صبرا وشاتيلا عام 1982، ولوحق أيضا رئيس شيلى السابق أوجست بينوشيه الذى قاد انقلابا دمويا عام 1973 وتم فى أثناء فترة حكمه اغتيال أكثر من ألفى شخص، بالإضافة إلى اختفاء ألف شخص دون أثر.
وقد تم إلقاء القبض على بينوشيه فى لندن عام 1998 بناء على مذكرة توقيف صادرة من المحاكم الإسبانية غير أن محاولات ترحيله إلى أسبانيا لم تكلل بالنجاح. أما هنرى كيسنجر مستشار الأمن القومى وزير الخارجية فى عهد الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون. فهو ملاحق فى العديد من الدول بتهمة ارتكابه جرائم حرب، شملت فيتنام وقبرص وكمبوديا وشيلى وبنجلادش! وقد آثر كيسنجر بسبب ذلك الحد من سفرياته الخارجية وابتعد عن الأضواء التى كان يعشقها فى السابق. وهناك أيضا وزير الدفاع الأمريكى دونالد رامسفيلد الذى اضطر للهرب من فرنسا عام 2007، بسبب ملاحقته هناك من قبل أربع منظمات لحقوق الإنسان لمسئوليته عن أعمال التعذيب التى وقعت فى «أبو غريب» و«جوانتنامو». وحوكم الرئيس الصربى السابق سلوبودان ميلوسوفيتش أمام محكمة جنائية دولية خاصة، تنظر فى جرائم الحرب التى ارتكبت فى يوغوسلافيا السابقة. ووجه إليه 66 اتهاما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية فى كل من كرواتيا والبوسنة وكوسوفو. وقد توفى ميلوسوفيتش فى عام 2006 بأزمة قلبية داخل زنزانته فى لاهاى.
نعلم أن الولايات المتحدة لم تقبل الانضمام إلى النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية، بل ووقعت مع العديد من الدول على اتفاقيات ثنائية لتوفير الحصانة لرعاياها، وكأن الولايات المتحدة بهذا الموقف تتبع المثل المعروف «يكاد المريب أن يقول خذونى». مع كل هذا فإن فقهاء القانون الدولى لن يعدموا الوسيلة للاقتراح أفضل السبل لتقديم بوش ونائبه تشينى ووزير دفاعه رامسفيلد وغيرهم إلى العدالة، وهناك مبدأ الولاية القضائية العالمية الذى يسمح لمحاكم بلد ما بالنظر فى الجرائم التى ارتكبت على أراضى دول أجنبية أخرى وبواسطة قيادات هذه الدولة.
ويرى فقهاء القانون إمكانية اللجوء إلى المحاكم الفيدرالية الأمريكية ذاتها عن طريق منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدنى والمضارين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. المهم ألا نتوقف وأن نثابر وألا يفت فى عضدنا أى عقبات قد تثار، حتى لا نندم حيث لا ينفع الندم، ويكفى أن نتابع كيف يلاحق الإسرائيليون مجرمى النازية حتى الآن حتى لو توفوا وشبعوا موتا. مثل ذلك الألمانى الذى أشاعوا أنه كان يعيش فى مصر وحمل لقب حاج بين جيرانه.
ولا أجد فى النهاية أصدق من قوله تعالي: «ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب» صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.