التمييز هو هاجس متزايد فى قطاعات مختلفة من المجتمع.. إلى جانب النساء والأطفال التمييز أصبح كلمة كثيرة التردد على لسان الأقباط الذين أصبحوا بصورة متزايدة يوصفون على أنهم أقلية عددية والنوبيون والبدو الذين ينظر إليهم البعض على أنهم أقلية ثقافية وينظر إليهم البعض الآخر على أنهم دخلاء على المجتمع. وبالرغم من أن عام 2009 لم يكن بامتياز عام التشاحن الطائفى بين الأقباط والمسلمين وأن الأمور كانت أحسن حالا مقارنة بالعام الماضى وأعوام سابقة فإن «التوتر الطائفى» كما يقول المتحسبون من المسلمين والمسيحين ما زال مشكلة لا يمكن إغفالها. «أنا مش عارفة إيه اللى حصل لنا.. مصر صدقينى ما كانتش كده.. أيام حرب 67 وحتى أيام حرب 73 الناس كانت كلها مع بعض مسلمين ومسيحين وما فيش مشكلة بين ده وده» تتذكر هنية بآسى. وتضيف: «أنا فاكره أيام حرب 67 كان المسيحين والمسلمين بيلجأوا لبيوت بعض وقت الغارات.. أنا فاكره إنه فى ليلة كان الضرب فيها جامد وجم ناس خبطوا على بيتنا ودخلوا.. وبعدين ناس تانيين.. كانوا نازلين من القطر اللى وقف بسبب الضرب.. الكل دخل وما كناش نعرف مين المسلم ومين المسيحى.. بس عرفت مين مسلم ومين مسيحى وقت ما كان الواحد فينا يصلى كان بيبان من الصلاة بس». التوتر ترصده هنية مع نهاية حكم أنور السادات.. «فى حاجة اختلفت وبعدين ما رجعتش أبدا زى ما كانت»، تقول هنية البالغة من العمر 55 عاما. أما رشا البالغة من العمر، 24 عاما، والتى عاشت كل حياتها فى قرية بوش ببنى سويف لا تتذكر أياما كتلك التى تتذكرها هنية. كل ما تعرفه رشا أن «ما فيش اختلاط قوى بين المسيحين والمسلمين». السبب عند رشا فى عدم الاختلاط يترواح بين تفادى نشوء علاقات حب بين المسيحيين والمسلمين تنتج زيجات مشتركة «بتحطم الأسر دى ودى خصوصا أسرة المسيحى ولا البنت المسيحية لأن دول هما اللى بيغيروا دينهم». الزيجات المختلطة والعلاقات العاطفية بين المسيحين والمسلمين ليست السبب الوحيد وإن كانت سببا رئيسيا فى الخلافات بين المسلمين والمسيحين. بناء الكنائس وأحيانا مجرد اصلاحها هو أيضا أحد الأسباب. فى المنيا وفى أسيوط يشتكى رهبان ومواطنون مسيحيون من أن الإصلاحات التى يقومون بها فى الكنائس أو محاولات التوسيع تتسبب فى أغلب الأحيان فى إثارة حفيظة المسلمين. وفى المنيا وفى أسيوط أيضا يقر مسلمون أنهم يشعرون بشىء من الارتياب فيما يصفه البعض بالنشاط المفاجئ من قبل المسيحين لبناء المزيد من الكنائس «رغم أن عددهم لا يزيد»، خاصة فى ضوء ما يرصد من تزايد فى التوجه نحو الهجرة من قبل المسيحيين. لم تعلن الحكومة المصرية أبدا عن تعداد المسيحيين منفصلا عن باقى التعداد بوصف إن ذلك موقفا تمييزا لا يتوافق مع الدستور ولكن التقديرات، التى يتم تسريبها من جهات رسمية تتحدث عن نسب تتراوح بين ال6 و9 بالمائة فى حين أن تقديرات الكنيسة المعلنة هى نحو 15 بالمائة. ويعترض الناشطون الحقوقيون على ربط بناء دور العبادة بنسب السكان. ويرون أن فى ذلك مخالفة للحقوق المفترض أنها مكفولة دستوريا بحرية العقيدة. أما الحكومة خاصة مسئولى الأجهزة الأمنية الذين يعنون مباشرة بقضايا التوتر الطائفى خاصة فى محافظات الصعيد فيقولون إن التعقيدات «الإدارية» المتعلقة ببناء الكنائس أصبحت أفضل بكثير وأن الأمور إلى تحسن. المسئولون يقولون أيضا إن الأمور إلى تحسن وإن كان البعض يعترف ببطء هذا التحسن فى مجالات توظيف الأقباط فى المراكز الرفيعة فى الدولة والمواقع الأمنية. أحد المنسقين للحزب الوطنى الديمقراطى قال إن الحزب سيرشح عدد لا بأس به من المسيحيين فى الانتخابات التشريعية المقبلة فى خريف 2010، نافيا أن يكون لذلك صلة «على الإطلاق» بتأييد أبداه البابا شنودة بطريرك الطائفة القبطية الأوسع انتشارا فى مصر لتولى جمال مبارك الرئاسة خلفا للرئيس حسنى مبارك. ولكن هذه الوعود كما تقول بعض القيادات القبطية فى الصعيد لن تجدى إلا إذا ما قامت الحكومة بتحقيق نقلة نوعية فيما يخص «منح الأقباط حقوقهم» بحيث يكون بناء الكنائس بنفس قواعد بناء الجوامع وبحيث يمنع القانون زواج المسيحية من المسلم بالضبط كما يمنع زواج المسلمة من المسيحى وبحيث يكون من حق المسلم تغيير ديانته إلى المسيحية كما يحق للمسيحى تغيير ديانته إلى الإسلام وبحيث يكون للمسيحيين حقوق متكافئة فى جميع مناصب الدولة باستثناء ربما كما يقول البعض رئاسة الجمهورية. المهم بالنسبة للقيادات القبطية فى هذه المحافظات التى تشهد معظم مظاهر الاحتقان الطائفى هو إنهاء وضعية «مواطنى الطبقة الثانية» التى ترى أن المسيحيين يواجهون بها بغض النظر عن النفى الدائم من الحكومة لهذا التصنيف. إميل، ابن كفر سنباط يقول إنه غير معنى على الاطلاق بالحديث عن التوتر الطائفى. «على إيه.. الفقر وكالنا كلاتنا.. ما احنا كلنا طافحين الهم من كل ناحية.. نتخانق على إيه الفقر وكالنا». «صحيح إنا إحنا كلنا بنتعرض لنفس المشاكل لكن فيه مشاكل أكتر عند بعض الناس» هكذا تقول منال التى تصف نفسها بأنها محامية مصرية من النوبة. منال معنية بشدة بما تسميه «الهم النوبى»، والذى يمكن إيجازه فى أن عمليات التهجير، التى تعرض لها سكان القرى النوبية خلال عقود متلاحقة من القرن الماضى، بدءا من طلع القرن لبناء خزان أسوان، وصولا إلى ما يسمى بالتهجير الأكبر فى عام 1964 لبناء السد العالى حرمت أهل النوبة من حقوق كثيرة تشمل قراهم «التى أصبحت الآن تحت مياه بحيرة ناصر»، والتى يجتمع الناشطون النوبيون على أنهم لم يلقوا عنها التعويض اللازم. ومنها ما تعرض له النوبيون من «عملية تذويب للهوية بعد أن شردوا من قراهم وتم تسكينهم فى مناطق لا تصلح لأن تكون قرى لأن ليس بها أراضى زراعية خصبة» ومنها أيضا، كما تقول منال مرارا وتكرارا، حرمان النوبيين من الحصول على قرى بديلة تستوعب الزيادة السكانية عبر العقود السبع الماضية تقام على ضفاف بحيرة ناصر وليس فى أماكن أخرى تقترحها الحكومة ولا تصلح، كما ترى القيادات النوبية، لأن تكون قرى للزراعة وتربية الماشية.