انهار الجيش الأفغاني الذي بنته الولاياتالمتحدةالأمريكية على مدى 20 عاما، أمام حركة طالبان التي تفتقر إلى أسلحة متطورة وغطاء جوي واستخباراتي، وفي لمح البصر دخلت الحركة المسلحة إلى العاصمة كابل، في خطوة كانت تتوقع واشنطن حدوثها خلال 3 أشهر. أنفقت الولاياتالمتحدة على مدى عقدين من الزمان أكثر من 83 مليار دولار لتدريب وتجهيز الجيش والشرطة في أفغانستان، أي ما يقرب من ثلثي مساعداتها الخارجية للبلاد منذ عام 2002، حسب تقديرات وسائل إعلام أمريكية، لكن الصدمة ليست بسبب حجم الإنفاق الضخم أو سيطرة طالبان فقط، وإنما تحول تلك الأسلحة إلى طالبان، للدرجة التي أصبحت فيه الحركة هي المستفيد النهائي من "الاستثمار الأمريكي" في بلاد الأفغان. لم تستول طالبان فقط على الحكم والقرار السياسي بالبلاد، وإنما أيضا استولت على القوى العسكرية "البنادق والذخيرة والمروحيات" التي كانت قدمتها الولاياتالمتحدة للجيش الأفغاني، وفقاً لاسوشيتدبرس التي قالت إن قوات الأمن التي أنشأتها الولاياتالمتحدة وحلفائها في الناتو كانت بمثابة "منزل من ورق". كيف حدث الانهيار الأفغاني؟ قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إن انهيار الجيش الأفغاني أمام مسلحي حركة طالبان حدث بعد سلسلة من الصفقات التي تمت بوساطة في القرى الريفية بين الجماعة المسلحة وبعض المسؤولين الحكوميين الأفغان. وقال ضابط أفغاني ومسؤول أمريكي، إن قادة طالبان عرضوا أموالا مقابل تسليم القوات الحكومية أسلحتهم إلى قادة الحركة، ووصفت صحيفة واشنطن بوست هذه الاتفاقات بأنها "سلسلة مبهرة من التفاوض" أدت في النهاية إلى استسلام القوات الحكومية. في غضون أكثر من أسبوع اجتاح مقاتلو طالبان أكثر من اثنتي وعشرين عاصمة إقليمية ودخلوا كابل دون مقاومة تذكر، ما أدى إلى رحيل رئيس أفغانستان وانهيار حكومته. ونتيجة لذلك اختفت قوات الأمن الأفغانية في المناطق المحيطة بكابل وفي المدينة نفسها. وبحلول الليل كانت نقاط التفتيش التابعة للشرطة قد تركت مهجورة ويتجول المسلحون في الشوارع بحرية. أصاب الانهيار العسكري الأفغاني العديد من المسؤولين الأمريكيين بصدمة، ما أجبر الحكومة الأمريكية على الإسراع بشكل كبير في الجهود المبذولة لسحب أفراد من سفارتها في كابل. اتفاق الدوحة أمر آخر عجل من الانهيار السريع للقوات الحكومية أمام طالبان وهو اتفاق فبراير 2020 الذي تم التوصل إليه في الدوحة بين الولاياتالمتحدة التي كانت تحت إدارة ترامب في ذلك الوقت وحركة طالبان، والذي دعا إلى انسحاب أمريكي كامل من أفغانستان، ما جعل بعض القوات الأفغانية تدرك أنها لن تكون قادرة قريبًا على الاعتماد على القوة الجوية الأمريكية وغيرها من أشكال الدعم الحاسمة في ساحة المعركة، وتزايدت تقبلها لمقاربات طالبان. وقال ضابط في القوات الخاصة الأفغانية، عن أولئك الذين وافقوا أولا على لقاء طالبان من المسؤولين الحكوميين"البعض أراد المال فقط". لكن آخرين حسب الضابط الذي تحدث شريطة الكشف عن هويته، اعتبروا التزام الولاياتالمتحدة بالانسحاب الكامل بمثابة "ضمان" بأن المسلحين سيعودون إلى السلطة في أفغانستان، لذلك أرادوا تأمين مكانهم في الجانب الفائز. جيش غير مستعد للموت وتحدث الضابط عن مشكلة تأخر الرواتب، مؤكدا أن العديد من ضباط الشرطة في خطوط القتال الأمامية في قندهار، قبل سقوطها، لم يحصلوا على رواتبهم منذ 6 أشهر أو أكثر، ولذا فقد كانت الأموال التي دفعتها طالبان مغرية لهم. في كتابه "أوراق أفغانستان" ، كتب الصحفي كريج ويتلوك، أن المدربين الأمريكيين حاولوا فرض الأساليب الغربية على المجندين الأفغان ولم يفكروا كثيرًا فيما إذا كان دافعو الضرائب الأمريكيون يستثمرون في جيش قابل للحياة حقًا. وكتب: "بالنظر إلى أن استراتيجية الحرب الأمريكية اعتمدت على أداء الجيش الأفغاني، فإن البنتاجون لم يول سوى القليل من الاهتمام لمسألة ما إذا كان الأفغان على استعداد للموت من أجل حكومتهم". إحصائيات هامة من بين ما يقرب من 145 مليار دولار أنفقتها الحكومة الأمريكية على محاولة إعادة بناء أفغانستان، تم تخصيص حوالي 83 مليار دولار لتطوير ودعم قوات الجيش والشرطة، وفقًا لمكتب المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، وهو جهاز رقابي أنشأه الكونجرس . كما يعد مبلغ 83 مليار دولار المستثمر في القوات الأفغانية على مدى 20 عامًا هو ما يقرب من ضعف ميزانية العام الماضي لكامل سلاح مشاة البحرية الأمريكية.