نقلت جريدة «النيويورك تايمز» مراجعة نقدية للكتاب الصادر حديثا لمراسلتيها الصحفيتين، شيرا فرينكل، وسيسيليا كانج، والذى تناولتا من خلاله الجوانب السيئة «الخفية» لتطبيق «فيسبوك» الأكثر استخدامًا فى عالمنا اليوم؛ حيث أوردتا بالوثائق عدة مواقف تقاعست فيها مؤسسة الفيسبوك عن القيام باتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع وقوع كارثة ما. ومن بين المواقف التى أوردها الكتاب: ما حدث فى السادس من شهر يناير الماضي؛ حين تصاعد قلق خبراء الأمن فى شركة «فيسبوك» بسبب ما عرفوه بعد قراءة الرسائل الشخصية للمستخدمين وعلمهم أن العديد من مؤيدى الرئيس السابق دونالد ترامب يعتزمون الاحتشاد للتظاهر، وقد كان واضحًا من الرسائل أن المتظاهرين لن يتوانوا عن استعمال العنف فى واشنطن لتحقيق مآربهم، وعلى الفور قام فريق الأمن بتحذير كبار المديرين التنفيذيين، الذين فكروا فى مطالبة رئيسهم التنفيذى، مارك زوكربيرج، بالاتصال بدونالد ترامب ومعرفة ما كان الرئيس ينوى التحدث لأنصاره علنًا لتهدئتهم، ثم ما لبث المسئولين أن ألغوا تلك الخطة خوفًا من أن تكتشف وسائل الإعلام أمر هذه المكالمة الهاتفية وأن «فيسبوك» قد يكون متورطًا فى كل ما سيحدث بعد ذلك. وجميعنا نعرف ما حدث بعد ذلك؛ فبعد أن أثار «ترامب» الحشود الغاضبة بتعليقاته على سير العملية الانتخابية الأمريكية، تصاعدت التهديدات التى كانت تحتل منشورات «فيسبوك» فقط إلى هجمات فى العالم الحقيقى على مبنى الكابيتول، وبعد أحداث الشغب تلك بعدة أيام ألقت مديرة العمليات فى الشركة، شيريل ساندبرج، باللوم فى أعمال الشغب على مواقع التواصل الاجتماعى اليمينية المتطرفة مثل موقعيّ «جاب» و«بارلر». وهذا أعطى الحافز للمراسلتين الصحفيتين لكتابة كتابهما الجديد الذى يحمل عنوان «الحقيقة المُرة»، الذى تدينان عبر صفحاته موقع «فيسبوك» باعتباره أضخم مواقع التواصل الاجتماعى وأكثرها شهرة؛ حيث ادعتّا خلاله أن موقع التواصل الاجتماعى لا يفعل سوى أقل القليل لمنع حدوث الكوارث، ومن ثمّ يحاول تجنُّب اللوم بعد وقوع الكارثة وتحسين صورته أمام العامة. وأضافتا أن نمط تلك الأحداث يتكرر بلا هوادة؛ حيث يبدأ الأمر بتحذير لا يتم الالتفات إليه فى البداية من موظف أو شخص خارجى، متبوعًا بتقاعس المديرين التنفيذيين، متبوعًا بأزمة، وهو نفس السيناريو الذى حدث فى قضية خصوصية بيانات المستخدمين، وتأثير روسيا فى الانتخابات الأمريكية، والعنف العِرقى فى ميانمار وغيرها. وصرّحت كل من «فرينكل» و«كانج» أنهما واجهتا تحديًا كبيرًا متمثلًا فى اكتشاف مواد جديدة ومثيرة للاهتمام حول واحد من أكثر التطبيقات استخدامًا وإثارة للجدل فى عصرنا الحديث، وكشفتا أنهما أجرتا أكثر من 400 مقابلة، كما قامتا بتمحيص الأدلة الخاصة بكل فضيحة كبرى خاصة بال «فيسبوك» من أجل كتابة ذلك الكتاب الذى وعدتا من خلاله القُراء بأنه «سيؤكد أسوأ شكوكهم تجاه الفيسبوك» ولكن هذه المرة بالتواريخ والتفاصيل. جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التى يتم فيها الكتابة عن ظاهرة «الفيسبوك»؛ فقد ظهرت فى السوق كتب أخرى، بعضها يدين «الفيسبوك» مثل: كتاب رجل الأعمال الأمريكى، روجر ماكنامى، بعنوان «زوكد» وكتاب المؤرخ الأمريكى، سيفا فايدهياناثان، بعنوان «ضد السوشيال ميديا»، وكتب أخرى أكثر حيادية تؤرخ تاريخ صعود الشركة فحسب، مثل كتاب الصحفى الأمريكى، ستيفن ليفى، بعنوان «فيسبوك» وصحفى التكنولوجيا، ديفيد كيركباتريك، بعنوان «تأثير الفيسبوك». وقد ألحقت المراسلتان الصحفيتان بالكتاب مجموعة من التقارير الجديدة من الاجتماعات رفيعة المستوى فى وادى السيليكون وواشنطن العاصمة، مكنتهما من فحص أوجه القصور فى قيادة الشركة وهيكلها ومسئوليتها وقدرتها على صناعة القرار من عدمها بشكل فعال، وأكدتا أن صفحات الكتاب تأخذ القارئ فى جولة لتصفُّح عالم «الفيسبوك» من الداخل، أو من وراء الكواليس، فيشهد بنفسه اجتماع مجلس إدارة الشركة الطارئ عندما تم توجيه الاتهام للشركة بالتدخُّل الروسى فى الانتخابات، ووقائع الاستماع لشهادة «ساندبرج» فى لجنة التجارة الفيدرالية بشأن سياسات الاحتكار التى يتبعها «الفيسبوك»، والتى حضرتها بمنتهى الرعونة؛ حيث خلعت حذاءها وطوت ساقيها تحتها وكانت تحتسى الكابتشينو أثناء الرد على الأسئلة. وكشف موظفو «فيسبوك» عن قلقهم بشأن صدور الكتاب، حيث إن الكاتبتين تكشفان من خلاله الخلل الوظيفى فى صفوفهم العليا، وتزيحان الستار عن العلاقات المتوترة بين «زوكربيرج» و«ساندبرج» اللّذين يلومان بعضهما البعض على مشاكل «فيسبوك» كما يتضح عبر صفحات الكتاب؛ فقد خيبت «ساندبرج»، التى اشتهرت بكونها محاورة بارعة، آمال «زوكربيرج» بفشلها فى التواصل مع الجمهور لتبسيط وتقريب وجهات النظر بين «فيسبوك» وبينهم، وفى نفس الوقت، ترفض «ساندبرج» جميع قرارت «زوكربيرج» التنفيذية، لكنها لا تجرأ على التصريح بذلك ذلك خوفًا من أن يطردها «زوكربيرج» من منصبها. كما كشف الكتاب أيضًا عن أن بيئة عمل «الفيسبوك» أشبه بالقوقعة، ونادرًا ما يثير الموظفون المتاعب أو يبلغون مرءوسيهم بأى أخبار سيئة أو سلبية؛ لأنهم يعرفون جيدًا الضغط الواقع على مؤسسة «الفيسبوك» لزيادة عدد المشتركين وإيرادات الإعلانات والتسويق؛ لذا فعند حدوث أى مشكلة تكون على الأغلب لأسباب خارجية، سواء فى شكل تحقيق تنظيمى أو قصة إعلامية متفجرة. ويعود اختيار عنوان الكتاب إلى مذكرة داخلية كتبها أندرو بوسورث، وهو أحد المديرين التنفيذيين فى الشركة عام 2016، تحت عنوان «القبيحة»، ادّعى خلالها أن «فيسبوك» لا يهتم سوى بإضافة مستخدمين جدد أكثر من أى شيء آخر؛ حيث كتب: «الحقيقة القبيحة أو المُرة هى أننا حيوانات اجتماعية فحسب لدرجة أن أى شيء يسمح لنا بالتواصل بين المزيد من الأشخاص نعتبره شيئًا إيجابيًا على الفور، ولا ننظر أبدًا لجوانبه السلبية التى ربما تكلف شخصًا ما حياته من خلال تعريضه للتنمر المستمر مثلًا، أو تؤدى إلى موت الأشخاص من خلال هجوم إرهابى ما تم تخطيطه عبر المنصة».