من بين الألوان الواضحة التى شكلت لوحة شاشات عام 2009، كانت برامج سير النجوم الذاتية، وعلى الرغم من أنه تم التعامل مع معظم هذه البرامج على أنها ابتكار واختراع فإنها فى الحقيقة فكرة سبق تقديمها منذ بداية التليفزيون وحتى الإذاعة، وبرع فى تقديمها عدد من الأسماء لعل أبرزها وجدى الحكيم وطارق حبيب ولكن الجديد فى برامج 2009 أنها كانت باهظة التكلفة وتم التعامل معها بالمنطق التجارى. ووصلت تكلفة بعض هذه البرامج إلى عدة ملايين، فبرنامج «الحلم» الذى روى قصة حياة المطرب عمرو دياب بلغت تكلفته أكثر من عشرة ملايين جنيه ذهب معظمها لعمرو دياب مع تكلفة العمليات الفنية للبرنامج، والتى تمت على مستوى متقدم من حيث التجهيزات الفنية، وعلى الرغم من ارتفاع تكلفة البرنامج فإنه حقق أرباحا تجارية كبيرة تتخطى أضعاف هذه التكلفة، فالإذاعة الأولى للبرنامج كانت تتم على أكثر من قناة فى وقت واحد كان أبرزها القناة الثانية وقناة روتانا وخصوصا أن هذا البرنامج كان جزءا فى عقد عمرو دياب مع شركة روتانا حسبما أعلنه عمرو دياب نفسه. وكان اسم البرنامج «الحلم» هو عنوان مشروع عمرو دياب السينمائى الذى كان مقررا أن قدم سيرة عمرو دياب سينمائيا ويكتبه بالفعل الدكتور مدحت العدل، ولكن تم التفكير فى تقديمها فى برنامج لزيادة حجم الاستثمار فى سيرة عمرو دياب الذاتية. وهو ما يعنى أن تقديم السيرة الذاتية ليس بهدف التخليد أو التكريم ولكن بهدف الاستثمار حتى مع بعض من لم يفكروا بهذا المنطق طوال مشوارهم الفنى أمثال محمد منير. فقد تم التفكير فى تقديم سيرة حياته والتى اذيعت على قناة الحياة تحت عنوان «الملك» بنفس المنطق فمنير حصل على مليون جنيه مقابل حواره عن سيرته الذاتية وإن كان البرنامج لم يتعامل مع منير بالشكل اللائق، واكتفى بإجراء حوار طويل مع المذيعة ريما نجيم، وبعد ذلك تم مونتاج وتوزيع الحوار على أكثر من حلقة وكان واضحا عدم الاهتمام بالتوثيق لحياة منير من خلال الضيوف الذين حضروا معه البرنامج وهم إيهاب توفيق وسمية الخشاب، وكل منهما لا تربطه علاقة واضحة بمشار منير الفنى. وبالرغم من أنه تم التفكير تجاريا فى مشوار حياة منير فى قناة الحياة، فإن المذيعة شافكى المنيرى نجحت فى أن تحصل من منير على تفاصيل دقيقة عن حياته فى حوار لقناة نايل لايف امتد على طول كورنيش النيل فى أسوان مع شهادات مع عدد من رفقاء منير فى رحلته الفنية ونجح المخرج أكرم فاروق فى البرنامج أن يعكش روح محمد منير ويعطى مثالا على الفارق بين تقديم سيرة ذاتية بهدف التجارة ونفس السيرة الذاتية بهدف التكريم والاحتفاء. ومن بين أهم برامج السيرة الذاتية التى شهدتها شاشات الفضائيات فى عام 2009 كان برنامج «الجذور» الذى تناول سيرة حياة الممثل العالمى عمر الشريف وحاورته الفنانة الشابة مروى حسين فى منطقة الأهرامات وكان اختيارا موفقا للمخرج نبيل عبدالنعيم لهذا الموقع الذى منح البرنامج لمحة الاحتفاء والتكريم لعمر الشريف. وكان البرنامج بداية لمشروع تصوير السير الذاتية لعدد من نجوم السينما المصرية ومنهم أحمد رمزى والذى تم الاتفاق مع أحمد السقا لمحاورته والفنانة سميرة أحمد والتى اتفق مع الفنانة ياسمين عبدالعزيز لتحاورها. أما أبرز البرامج التى كانت تسعى لتوثيق السير الذاتية فكان برنامج الأبنودى الذى قدمه صديقه يوسف معاطى وكان البرنامج يهتم بالتوثيق لحياة الأبنودى وما أحاط بها من ظرف تاريخى وثقافى واجتماعى فى مصر وكذلك اهتم بزيارة الأماكن الحقيقية التى تمت فيها الأحداث والمواقف وخصوصا مكان نشأة الأبنودى وطفولته. وهذا الاتجاه التوثيقى فى السير الذاتية هو ما يفضله الإعلامى وجدى الحكيم عندما اعتبر الهدف من برامج السير الذاتية هو إتاحة الفرصة للتواصل بين الأجيال لزيادة الانتماء من جيل إلى جيل وتوضيح الدور الذى لعبته القمم الفنية والثقافية الكبيرة فى الحياة الثقافية، وقال: «لابد أن تتوقف هذه البرامج عند الأمور الكبيرة وليس المشاهير فقط حتى يكون المعيار هو العطاء الفنى»، وأضاف: «ما يحدث الآن أن برنامج السير الذاتية أصبحت تحكمها قوانين تجارية وحسابات الإعلانات فهى الآن بيزنس وإعلان أكثر من كونها إعلاما وتثقيفا. وخصوصا أن معظم الجهات التى تتصدى لهذه البرامج إما شركات خاصة أو قنوات فضائية خاصة وهذا يعكس فى نفس الوقت غياب دور التليفزيون المصرى وتقصيره فى لعب دوره التنورى والثقافى وامتثاله لحسابات السوق الإعلانية ضمن حالة التخاذل التى يمر بها الإعلام الرسمى ليؤكد أن التليفزيون ألقى بكل تقاليد الإعلام من فوق برج ماسبيرو والآن هناك مشاريع لسير ذاتية لأشخاص لهم أيام وشهور فى المجال الفنى فى حين تهمل قمم مثل كمال الشناوى ونادية لطفى وعمر الحريرى ومحمد سلطان وحلمى بكر. وأكد وجدى الحكيم أنه من الأكيد أن العام المقبل سيشهد تقديم عدد أكبر من السير الذاتية عن النجوم ولكنه يخشى أن تكون سيرا ذاتية لا تستحق الاهتمام بها وتكون البرامج مجرد نوع من الإعلان عن هذه الشخصيات وليس توثيقا وسردا لأهم مراحل حياتها. وعلى الرغم من ذلك يرد المخرج محمد زهران رئيس قناة نايل سينما وصاحب مشروع مذكرات النجوم الذى تم تصوير عدد من حلقاته لمديحة يسرى ولبنى عبدالعزيز قائلا: «نحن على وعى بأننا تليفزيون حكومى وإعلان رسمى وعلينا مسئولية كبيرة فى تشكيل جانب من وجدان الناس وأن دورنا مختلف عن القنوات الفضائية فنحن لا نلهث وراء الإعلانات لأن المعلنين لهم حسابات أخرى لا تضع القيمة الفنية فى مقدمة أولوياتها وإنما لها أولويات أخرى. وإلا ما كنا قدمنا على عمل حلقات عن أمينة رزق وحسن الإمام وغيرهم، نحن لدينا مشروع لتصوير مذكرات النجوم قدمنا منه مديحة يسرى وصورنا لبنى عبدالعزيز وهناك قائمة نعد لها ولكننا لن نفصح عنها لأننا عندما أفصحنا عن إتفاقنا مع أحمد رمزى سابقنا إليه شركة خاصة وزايدت على القصة وحصلت على حقوق لتقديمها.. وأضاف عمر زهران: «تجربتنا فى مديحة يسرى كانت فى مرحلة لم تكن القناة مهتمة فيها بجذب الإعلانات لأنها كانت مرحلة البداية وتكوين الشخصية الفنية والإعلامية للقناة ولكن ما لمسناه من متابعة كبيرة لهذه النجمة يؤكد أن هناك نسبة مشاهدة قد تجذب إعلانات لنجوم آخرين بنفس القيمة مع ضرورة الاعتراف بأن هناك خطأ فى تركيبة المسئولين عن الإعلانات وقصورا فى رؤيتهم لما يجب أن يضعوا إعلاناتهم عليه فهم يضعون مجموعة من الأسماء يزحفون وراءها بدون النظر عن القيمة الفنية». وتوقع زهران أن يشهد عام 2010 المزيد من البرامج التى تروى السير الذاتية وقال: «كل من سيقدم برنامجا سيقدمه من وجهة نظره وأهدافه وإمكاناته». الإعلامى طارق حبيب أحد رواد تقديم السير الذاتية علق بقوله: «تابعت ما قدم من برامج تتناول السير الذاتية وأرى أن بعضها خضع للمجاملات مع طريقة سرد السير الذاتية لأن حديث الفنان أو صاحب سيرة عن ذاته مع المذيع يعطى المذيع الفرصة لمناقشة أكثر من مجرد أن يأتى أصدقاؤه والعاملون معه للحديث عن ذكرياتهم المشتركة. وهنا تأتى المجاملات وهذه المجاملات تكون على حساب جودة العمل ومصداقية البرنامج، وإن كنت أرى أن البرامج التى قدمت بشكل عام وخصوصا الجذور الذى تناول سيرة عمر الشريف والحلم الذى تناول سيرة عمرو دياب والبرنامج الذى تناول سيرة الأبنودى كانت فى مجملها برامج جيدة وبها مجهود واضح فى الإعداد والإخراج. وأضاف: «أتوقع أن تزيد هذه النوعية من البرامج لأننا فى العادة نلهث وراء التقليد والاستسهال وهذه النوعية من البرامج حققت النجاح وجذبت المنتجين والمعلنين وحققت شهرة لأصحابها والتخوف من هذه البرامج أنها ستكون انتقائية حسب الشعبية والنجومية وليس القيمة الفنية أى إنها ستكون برامج لمن هم أكثر شعبية وتستبعد من هم أكثر قيمة وأقل شعبية.