على دقات الدفوف تظهر ريا وسكينة بالملابس الشعبية على الشاشة وفى الخلفية الشخشيخة الشهيرة تضىء المنزل العتيق، وبالأبيض والأسود تطل علينا نظرة حسين الإمام التى تحمل قدراً من الغموض يوازيه قدر آخر من التحذير"ما ستراه قد يثير فزعك" وموسيقى تعزز هذا الجو المريب تهيئك لاستقبال مشاهد لجثث ريا أو سكينة ملطخة بالدماء وأكف تتحرك برعب أمام الكاميرا. هذا ما يدفعنا للجزم بأن الملاحظة الأهم حول برامج رمضان التلفزيونية، هى الاهتمام البالغ من قبل بعض مخرجى هذه البرامج بطريقة تنفيذها، فلم يعد الأمر فى البرامج الحوارية مثلاً قاصراً على ديكور فخم يجلس فيه الضيف والمذيع ليتحاورا والكاميرا تصورهما وفقط، لقد تحول إخراج البرنامج إلى عمل حقيقى يعبر عن فكرة البرنامج وينقل للمشاهد الحالة التى يتم خلالها الحوار،ظهر ذلك جلياً فى برامج مثل ريا وسكينة وعفاريت حسين الإمام، التى تعرضهما وتشارك فى إنتاجهما قناة المحور. وإذا كان البرنامج الأول يحمل فكرة ليست بالجديدة، فيحسب له أنه كبرنامج ترفيهى يحقق الغرض منه كاملاً، فالضيوف على سجيتهم مع زميلتين لهم غادة عبد الرازق وهالة فاخر، والجميع يضحك ومعهم المتفرج. لكن الملفت هو الأجواء التى حرص مخرج البرنامج على تقديمها للمشاهد والتى تحمل قدراً من الطرافة فى التعامل مع شخصيتى القاتلتين الشهيرتين ريا وسكينة، رغم أن اختيار ريا وسكينة فى حد ذاته لم يشكل فارقاً جوهرياً فى فكرة البرنامج، فريا وسكينة أو بوجى وطمطم أو هناء وشيرين، أياً ما كان مجرد أسماء لشخصيات ستجرى حوارات ضاحكة مع نجم وفقط. أما البرنامج الثانى فهو يحمل فكرة مختلفة بالفعل، وبعيداً عن حبى الشخصى لحسين الإمام كمقدم برامج ناجح، فهو هذا العام يخلع عباءة المقالب التى اعتاد أن يدبرها لضيوفه، ليحكى بعض القصص عن الظواهر الخارقة للطبيعة، وبجدية أظنها نابعة من قناعة حسين نفسه بأن هناك وسائل أخرى لفهم العالم الذى نعيش فيه، وسائل مختلفة عن العلم المنهجى الذى نفسره به. المشكلة الوحيدة فى هذا البرنامج أنه خضع لمعايير التسويق بصناعة مسابقة تبدو دخيلة على فكرة البرنامج نفسها، وهذه المسابقة أدت لاختلاق بعض القصص، وعلى المشاهد أن يتعرف على القصص الحقيقية من تلك الملفقة، ولا أعرف لماذا تم إقحام هذا الجزء على البرنامج المختلف؟ فما هى المشكلة أن نناقش قصص العفاريت والعالم الميتافيزيقى كاملة وبوضوح. على كل البرنامج تم تنفيذه بشكل مبهر إخراجياً، فتم التعامل بذكاء ووعى مع المؤثرات والجرافيك، لينقل لنا المخرج شحنة كاملة محملة بقدر من الغموض يناسب الموضوع. برنامج آخر تميز باختلافه، أو بالأحرى مشروع ضخم حمل هدفاً نبيلاً ثم تحول لبرنامج تلفزيونى جميل ظلمه العرض على قناة تبدو بعيدة نوعاً ما عن عين المشاهد، هو برنامج "سبوت" للمخرج سمير العصفورى، والذى يعرض على قناة المنوعات. البرنامج أو المشروع بدأ بعمل ورشة لتدريب الممثل، أعدها المخرج الكبير واكتشف من خلالها طاقات مصرية فنية تؤكد أن الفن نبع لا ينضب طالما أن الحياة مستمرة، هذا المشروع الذى تحول لبرنامج يمثل باباً يفتحه العصفورى أمام وجوه جديدة فى عالم التمثيل والغناء، والأمر لا تحكمه معايير السن أو الشكل فقط صدق الموهبة هو المعيار، كما كانت أجمل حلقات البرنامج تلك التى تم استضافة الفنان الجميل لطفى لبيب فيها. بالطبع فإن شهر رمضان الكريم يطل علينا بزخم برامجى شديد، حيث تلجأ كل القنوات الفضائية لإنتاج برامج خاصة بالشهر، وتحصد لها النجوم كى تضمن عناصر جذب المشاهد لذلك فهو ليس غريباً أن نرى شوبير فى برنامجه "الوجه الآخر" يحاور نجوم الفن، والواقع أن حارس المرمى السابق أحمد شوبير هو ظاهرة تستحق الدراسة فعلاً، فهو يتمتع بأداء صوتى منفر، وقدرته على طرح الأسئلة شبه معدومة، ومع ذلك تتصارع القنوات على تقديمه كمذيع صاحب جماهيرية. مشكلة البرامج هى الحصول دائماً على النجم بأقل تكلفة ممكنة، وهذا ما يفسر اللجوء لمشاهير لتقديم البرامج الرمضانية، وتتضاءل أهمية الفكرة فى هذه الحالة، وربما لهذا السبب تم فرد هذه المساحة للسيناريست الشاب تامر حبيب ليقدم برنامجاً للأسف جاء ثقيلاً يتحاور فيه مع أصدقائه من الممثلين والنجوم أثناء وضعهم فى اختبارات لدقة الملاحظة، من حيث الفكرة يبدو البرنامج مكرراً فهى ليست المرة الأولى التى يشترك فيها النجوم فى اللعب أمام كاميرات التلفزيون فقد فعلها مراراً ومنذ سنوات بعيدة خلال شهر رمضان الإعلامى طارق حبيب، أما من حيث خصوصية الأسئلة فلم يشكل كون تامر سيناريست أى فارق فى أسئلته لأصدقائه ولا حتى بحكم معرفته المسبقة بهم وبخصائصهم، والسؤال الذى يطرح نفسه ما دامت النية متوفرة لإنتاج برنامج ولا توجد مشكلة فى تكلفته والنجوم سوف يظهرون مجاملة لزميلهم، فلماذا لا تستغل مهنة المقدم فى عمل برنامج له شكل مختلف وتحمل حواراته خصوصية ما؟ وعلى نفس القدر من الاستسهال يأتى برنامج التجربة الذى يستضيف النجم، ويسعى معه لتغيير مهنته لمدة يوم واحد، دون أى هدف محدد ولذلك ظهر التباين واضحاً فى هذا البرنامج فى حلقة لإعلامى محمود سعد الذى بدا مهموماً بالتعرف على تفاصيل مهنة جامع القمامة التى اختارها لنفسه ومشاكلها فى بلد يعانى من تكدس القمامة مثل مصر، على عكس حلقات أخرى لنجوم آخرين، كان اللعب هو هدفهم الرئيسى من الحلقة. على كل حال فإن هذا الزخم البرامجى الذى نشاهده ويوازيه زخم درامى فى المسلسلات يطرح مفارقة ضخمة، وهى أنه فى الوقت الذى يسعى فيه مخرجو البرامج للتطور وإثبات قدراتهم الإخراجية حتى لو كان المنتج فى النهاية هو مجرد برنامج حوارى، فإن مخرجى المسلسلات ما زالوا فى نفس مكانهم الذى يقفون فيه منذ سنوات بعيدة، وبهذا يتدنى المستوى الإخراجى للمسلسلات التلفزيونية.