لا يبدو أن باكستان على موعد قريب من الهدوء. فالدولة التى لا تنقصها الأزمات والصراعات دخلت قبل أيام دائرة أزمة جديدة ربما تكون الأعنف بعد انتهاء العفو الممنوح لعدد كبير من السياسيين، وعلى رأسهم الرئيس زردارى. فاتهامات الفساد التى تطارد هؤلاء السياسيين لا يبدو عادت من جديد بعد إنهاء العفو لتضع البلاد على فوهة بركان سياسى جديد. قبل نحو عام ونصف العام من حكم الرئيس الباكستانى السابق الجنرال برويز مشرف، وفى إطار البحث عن «خروج آمن» له وللبلاد من الأزمة السياسية، التى عصفت به أصدر مشرف قانونا للعفو عن عدد كبير من السياسيين فى حزب الشعب المعارض الذى كانت تقوده رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو. تعلق قرار العفو بالعديد من اتهامات الفساد الموجهة إلى قادة المعارضة ومنهم آصف زردارى زوج بوتو فى ذلك الوقت. وكان العفو يهدف على عودة قادة المعارضة، ومنهم بوتو من الخارج وإعادة الحياة الديمقراطية إلى البلاد. وعادت بوتو بالفعل من منفاها الاختيارى لتلقى حتفها فى عملية اغتيال لم يتم كشف أسرارها حتى الآن. وقفز زاردارى إلى الواجهة فى حزب الشعب الذى حسم الانتخابات لصالحه. وأصبح زادارى رئيسا لباكستان العام الماضى. لكن وكما يقال «الجريمة لا تموت» أصدرت المحكمة العليا فى باكستان، والتى كانت رأس الحربة فى المعركة ضد الحكم الاستبدادى للجنرال مشرف حكمها بإلغاء العفو عن «الفاسدين». وبسرعة بالغة توالت الأحداث. فبعد ساعات قليلة من إنهاء العفو تم منع وزير الدفاع الباكستانى أحمد مختار من السفر، وصدرت مذكرة استدعاء بحق وزير الداخلية رحمان مالك. وقال سلمان بوت مساعد مدعى عام المكتب الوطنى للمسئولية فى منطقة السند (جنوب) «استدعت المحكمة رحمن مالك.. لقد أعدنا أيضا فتح ملفات قضايا تتعلق ب52 شخصا آخرين». ومما يزيد المشهد فى باكستان تعقيدا أن تأتى هذه التطورات السياسية فى الوقت الذى تخوض فيه المؤسسة العسكرية الباكستانية صراعا مزدوجا الأول ضد حركة طالبان الباكستانية فى مناطق القبائل شمال وغرب البلاد والثانى ضد محاولات القيادة السياسية تقليص دور العسكريين فى الحكم استجابة لمطالب أمريكية بعد أن ربطت واشنطن تقديم مساعدات ضخمة للبلاد بزيادة الرقابة على نشاط المؤسسة العسكرية. لذلك لم يكن غريبا أن يتحدث البعض فى أعقاب الإعلان عن منع وزير الدفاع من السفر عن مؤامرة للقيام بانقلاب عسكرى، وهو ما سارع سفير باكستان فى الولاياتالمتحدة حسين حقانى بنفيه. ويشمل العفو الذى أصدره الرئيس الباكستانى السابق برويز مشرف فى اكتوبر 2007 لتشجيع المصالحة الوطنية أكثر من ثمانية آلاف شخص من بينهم الرئيس الحالى آصف على زردارى، الذى هبطت شعبيته إلى الحضيض وعدد كبير من وزرائه. وقال المحلل الباكستانى حسن عسكرى الأستاذ فى جامعة جونز هوبكنز الأمريكية لوكالة الأنباء الباكستانية إن إلغاء العفو وما يرافقه من عودة ظهور قضايا الفساد «يشوه سمعة النخبة السياسية» و«يثير بالتأكيد القلق على المستوى الدولى». وقال حسن عسكر إن «الاهتمام الرئيسى للمجتمع الدولى سيكون معرفة إلى أى مدى ستؤثر الصراعات السياسية بين الحكومة والمعارضة على قدرة باكستان على مكافحة الإرهاب». ويرى المحلل السياسى شوكت محمود أن التوتر السياسى لم تؤثر على ما يبدو حتى الآن على عملية مكافحة الإرهاب. وقال: «الجهاز الأمنى فى يد الجيش الذى يحظى بنوع من الاستقلال الذاتى». إلا أن الجنرال المتقاعد طلعت مسعود يرى أن الأمر سيكون له انعكاسات إذا تمسك المسئولون السياسيون الواردة أسماؤهم فى قضايا الفساد بمناصبهم، ودخلوا فى معركة قضائية طويلة. وقال لفرانس برس «قد ينتهى الأمر بالتسبب فى مشكلات سواء فى إدارة الحكم أو فى الأمن». وأشار عسكرى إلى جانب إيجابى لإلغاء العفو وهو إظهار أن الجهاز القضائى الباكستانى عازم على معالجة قضية الفساد على أعلى مستوى. ويرى طلعت مسعود أن استقالة الوزراء المعنيين أو تعديلا وزاريا يمكن أن يتيح الخروج سريعا من هذه الأزمة السياسية. فى المقابل فإن نجم سيتهى المحلل السياسى والصحفى الباكستانى يرى أن زاردارى وحكومته فقدوا السلطة الأخلاقية لكى يستمروا فى الحكم والشعب يتطلع إلى رئيس السلطة القضائية ليتولى الحكم فى البلاد «والجيش رغم أنه سيكون صاحب الكلمة الأخيرة فى هذه الأزمة فإنه قد يظل بعيدا عن المسرح». وإذا كان البعض يرى أن الأزمة الحالية تهدد التجربة الديمقراطية الجديدة وتفتح الباب أمام عودة العسكر إلى السلطة فى باكستان وفقا لسيناريو تكرر كثيرا فى هذه الدولة على مدى تاريخها الممتدة لستين عاما تقريبا فإن أسماء جاهانجير رئيسة لجنة حقوق الإنسان، وهى منظمة مستقلة فى باكستان ترى العكس فتقول: «الأزمة الحالية تحت السيطرة القضائية تماما. وعلينا أن نترك السلطة القضائية تتعامل مع الأمر دون الخوف على النظام الديمقراطى». فى الوقت نفسه فإن الرئيس زردارى فى منأى عن الملاحقة القضائية، رغم أنه يكاد يكون القاسم المشترك فى كل اتهامات الفساد، التى تطارد حزب الشعب وقادته منذ عشر سنوات بفضل حصانته الرئاسية، التى تمنع خضوعه لأى مساءلة قضائية فى الوقت الراهن. ولكن المظاهرات التى خرجت فى شوارع باكستان تحمل لافتات تقول: «الرئيس المتهم» تفتح الباب أمام إمكانية الطعن فى أهليته للرئاسة. غير أن هذا الإجراء قد يحتاج إلى شهور طويلة قبل البت فيه تجرى خلاله الكثير من مياه فى نهر السياسة الباكستانى الذى لا يهدأ.