يضم العالم في جوفه وظاهره كنوزا أثرية مهيبة وتحفا فنية عديدة، بل ومعالم لم يقل رونقها رغم مرور الزمن، كل منها تحوي وتحمل قصتها وأسرارها الخاصة، فوراء كل اكتشاف ومعلم حكايات ترجع لعصور بعيدة وأماكن مختلفة، على رأسها تلك القطع الفريدة والمعالم التاريخية المميزة في بلادنا، صاحبة الحضارة الأعرق في التاريخ، والتي ما زالت تحتضن أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم. لذلك، تعرض لكم "الشروق" في شهر رمضان الكريم وعلى مدار أيامه، حلقاتها اليومية من سلسلة "قصة أثر"، لتأخذكم معها في رحلة إلى المكان والزمان والعصور المختلفة، وتسرد لكم القصص التاريخية الشيقة وراء القطع والمعالم الأثرية الأبرز في العالم بل والتاريخ. … بين جنبات المتحف المصري ببرلين، تقف بوابة معبد كلابشة الشهيرة بين آلاف القطع الأثرية المصرية، تزهو برونقها وتُظهر براعة القدماء المصريين في نحتها، وتثير فضول العالم ومن يراها حول قدرة وإبداع المصريين القدماء، فتلك البوابة التي سُميت ب"البوابة البطلمية"، كانت إحدى بوابات معبد كلابشة الجنوبي الشهير، إلى أن أهدتها القاهرة إلى برلين، لتحفظها الأخيرة فى جناح الآثار المصرية بمتحفها العريق، وتعرضها للعالم الغربي. وقد نُقلت البوابة البطلمية، التي شُيدت قبل الميلاد، من معبد كلابشة في أسوان إلى برلين، ضمن عدة معابد وهدايا أخرى كانت من نصيب عدة دول أوروبية، فقد أُهدت البوابة البطلمية لألمانيا تقديرا لجهودها في إنقاذ معابد النوبة، من فيضان السد العالي، بالقرن العشرين. وكانت البوابة البطلمية، إحدى بوابات كلابشة الرئيسية بنقوشها الفريدة ومظهرها الذي أُبدع في نحته، بل وكانت الواجهة المميزة للمعبد، الذي يعد أحد أفضل المعابد الرومانية، التي حفظتها الأرض المصرية، رغم الدمار الذي أصاب جدرانه ونقوشه إلى حد كبير. • إنقاذ كلابشة من الغرق وإهداء بوابته لألمانيا وكان المعبد، قبل أن ينقل إلي موقعة الحالي خلف السد العالي بأسوان، يقع على الضفة الغربية لنهر النيل، وعلى بعد 55 كيلومترا إلى الجنوب من أسوان، إلى أن هُدد بالدمار، بعد بناء خزان أسوان، إذ كان المعبد يُغطى بالماء لمدة 9 أشهر من العام. وبعد بناء السد العالي، تهدد المعبد بالغرق تماما وإلى الأبد، الأمر الذي دفع مركز تسجيل الآثار المصرية بالتعاون مع البعثة الألمانية باتخاذ الخطوات الضرورية لإنقاذ المعبد، فقام مركز تسجيل الآثار بإعداد نموذج لبيت الولادة الإلهية بالمعبد، والذي استحال نقله، أما البعثة الألمانية فقررت تفكيك أحجار المعبد واختيار موقع جديد يكون في مأمن من ارتفاع منسوب المياه بعد بناء السد، وقد نجحت البعثة الألمانية في بناء المعبد من جديد في منطقة صخرية مرتفعة خلف السد العالي. وتكريما للجهود الألمانية في إنقاذ معابد النوبة، قرر الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر إهداء ألمانيا البوابة البطلمية الموجودة بالمعبد، لتُنقل وتستقر في الجانب المصري بمتحف برلين العريق، يزورها الملايين من السياح والزوار الأجانب سنويا. • معبد كلابشة والبوابة البطلمية والإمبراطور أغسطس ومعبد كلابشة، الذي ضم البوابة البطلمية، بُني ببواباته في عهد الإمبراطور أغسطس، في القرن الأول قبل الميلاد، وصمم ليشبه في تخطيطه تخطيط المعابد المصرية في عصر الدولة الحديثة، ويضم "الماميزي" الذي كرس لعبادة المعبودة إيزيس. ويتضمن المعبد مناظر لمعبودات النوبة المختلفة مثل ماندوليس المعبود الرئيسي للمعبد، وإيزيس وأوزوريس وآمون وشو وحورس وخنوم وبتاح، ويضم أيضا نقوشا ديموطيقية وقبطية ويونانية، بالإضافة إلى مجموعة من المخربشات المسيحية، وكل هذه النقوش تشير إلى المعتقدات المختلفة التي تعاقبت على هذا المعبد العريق. • معبد مُشيد على بقايا معابد الفراعنة وبالرغم من أن معبد كلابشة ببوابته البطلمية ينتمي إلى العصر الروماني، لكنه قد شُيد على بقايا معبد قديم، يرجع لعصر الملك أمنحتب الثاني، فقد أعاد بناءه الإمبراطور أغسطس، وأهداه إلى اثنين من آلهة النوبة، الأول هو الإله النوبي ددون، الذي يلقب في نصوص الأهرام بلقب "جالب البخور"، لأنه يعتقد بأنه هو الذي يجلب ويحرق البخور في حفل مولد الملوك المصريين. والثاني هو الإله مندوليس، وهو إله النوبة المصرية الرئيسي، والذي ارتبط بالإله المصري حورس، والذي كان يصور بهيئة رجل يلبس تاج به قرني كبش وريشتين وقرص شمس وحيات الكوبرا.