خرجت الحكومة الانتقالية الليبية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، إلى النور بعد نيل ثقة البرلمان بأغلبية كبيرة إثر ثلاث جلسات ماراثونية شهدت الكثير من الشد والجذب، في تطور وصفه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بأنه "حدث تاريخي". وهذه خطوة اعتبرها الكثير من المراقبين الأبرز في محطات الأزمة الليبية المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، وجاءت بعد ثلاثة أيام من المناقشات المكثفة والشائكة بشأن التوزيع الجغرافي والعشائري للمناصب الوزارية وخارطة الطريق الخاصة بها، ليوافق مجلس النواب على تشكيلة الدبيبة بأغلبية 121 صوتا من أصل 132 نائبا حضروا الجلسات. وتتكون الحكومة الليبية الجديدة من 27 حقيبة وزارية و6 وزراء دولة ونائبين لرئيس الحكومة، الذي احتفظ بحقيبة الدفاع. واعتبر الدبيبة "منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية لحظة تاريخية لليبيا، ومن الآن شعارنا (ليبيا موحدة)... سأعمل لإنجاح المصالحة الوطنية ودعم مفوضية الانتخابات... وأدعوكم اليوم لتعويض فترة الانقسام في ليبيا، فهناك استحقاقات تنتظرنا، أبرزها قانون الموازنة الموحدة وقانون الانتخابات". وقوبل منح الثقة للحكومة الليبية بترحيب عربي ودولي واسع، وداخليا أعرب التجمع الوطني الليبي، وهو تنظيم سياسي للقوى الوطنية الليبية وكيان جامع لليبيين المؤمنين بالعمل تحت مظلة الوطن ومن أجله، عن ارتياحه لهذا التطور. إلا أن الأمانة العامة للتجمع الوطني الليبي، قالت في بيان: "إنه ينبغي على الحكومة التركيز على عدد من الملفات، وهي تنفذ خارطة الطريق المنبثقة عن ملتقى الحوار الوطني، وأهمها توحيد المؤسسات كهدف رئيسي، والإسراع بالتعامل مع الوضع الصحي والوبائي الخطير بمختلف مناطق ليبيا وبالخصوص توريد اللقاحات لحماية صحة الليبيين وتطعيمهم ضد وباء كورونا، ودعم القطاع الصحي شبه المنهار ببلدنا، إضافة إلى معالجة ملفات النازحين والمهجرين والمعتقلين". ولفتت الأمانة إلى أهمية "اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإطلاق مسار المصالحة الوطنية وتثبيت الهدنة الشاملة، ومباشرة العمل الجاد من أجل ضمان تنظيم الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر وفق خارطة الطريق، وتحرير الإرادة السياسية من الهيمنة الأجنبية والتدخل الأجنبي، وتجميد أية اتفاقية تؤثر على أمن وسلامة واستقرار البلاد، ووضع ميثاق شرف وطني ملزم يؤسس للابتعاد عن الكراهية والعداء والتمييز، وتجريم العنف بشكل كلي". ودعت الأمانة العامة للتجمع الوطني الحكومة الجديدة أيضا إلى الضغط على وسائل الإعلام كي "تساعد على التقارب وجسر الهوة بين الليبيين والتوقف عن لعب دور التعبئة والتحريض الداخلي والخارجي، والأخذ بمخرجات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 واجتماعات المسار الاقتصادي بما يصون مقدرات الشعب الليبي ويخرج البلاد من أزمتها، ويحقق أمنها واستقرارها". وربما لخص التجمع الوطني الليبي أثقل المهام التي سيتعين على الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي التصدي لها، وفي مقدمتها الاستعداد وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات قبل 24 ديسمبر القادم وإعادة توحيد المؤسسات الليبية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية بحلول هذا الموعد. وعلى قدر جسامة وثقل المهمة ربما ينظر الكثير من المراقبين بعين الأمل لإمكانية حدوث انفراجة حقيقية تساعد في خروج ليبيا من أتون الصراعات، وألا يكون مصير هذا التطور كغيره من المحاولات السابقة التي آلت إلى الفشل، أخذا في الاعتبار المتغيرات فيما يتعلق بالقوتين المتنافستين داخليا وإشارات على حدوث مستجدات بشأن علاقات الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية ببعضها البعض. فداخليا، أبدت حكومة الوفاق في طرابلس، والحكومة المؤقتة في الشرق، استعدادهما لتسليم السلطة للحكومة الجديدة. وأكد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في بيان استعداد حكومته "لتسليم المهام والمسؤوليات لحكومة الوحدة الوطنية بكل رحابة صدر". بينما هنأت الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، في بيان، رئيس وأعضاء حكومة الوحدة على نيل ثقة مجلس النواب، مبدية استعدادها التام لتسليم المهام ووزاراتها وهيئاتها ومصالحها ومؤسساتها كافة لحكومة الدبيبة "متى شكلت اللجان المختصة". ومن المؤكد أن هذه تطورات تشي بطي صفحة مريرة من الصراع في ليبيا، شهدت خلالها البلاد انقساما حادا، فكان هناك أكثر من برلمان وأكثر من حكومة وحتى كان هناك بنكان مركزيان، وانتشرت الميليشيات المسلحة لتعم الفوضى ويستعر القتال، مخلفا آلاف القتلى والمشردين في بلد يزخر بالثروات وهو الذي كان يوما من أكثر الدول الأفريقية ازدهارا وأحد كبار مصدري النفط في القارة السمراء. ويعول الكثير من الليبيين على البناء على هذا التطور والاستفادة من الزخم الدولي المرحب بالتطورات الأخيرة على صعيد الدول والمنظمات، في دعم لم الشمل الليبي وإخراج المسلحين الأجانب من البلاد، وترك الليبيين يقررون مصيرهم بأنفسهم. ومن المقرر أن تؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية يوم الاثنين القادم في مدينة بنغازي شرقي البلاد إيذانا ببدء صفحة جديدة في تاريخ ليبيا.