ودع الأدب العربي الشاعر مريد البرغوثي، أحد رموز الثقافة الفلسطينية والعربية وعلما من أعلام الإبداع والكفاح الثقافي الوطني الفلسطيني الذي وافته المنية أمس الأحد 14 فبراير 2021. ولد الراحل عام 1944 في قرية دير غسانة قرب رام الله، وسافر إلى مصر في العام 1963 حيث التحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها عام 1967، وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية ومنعت الفلسطينيين الذين تصادف وجودهم خارج البلاد من العودة إليها. وللبرغوثي 12 ديواناً شعرياً، وكتابان نثريان منهما "رأيت رام الله" والذي نال عنه عام 1997جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي التي تمنحها الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وفي الطبعة الإنجليزية للعمل مقال للمُنظر الأدبي إدوارد سعيد، تناول فيها جماليات النص، وأصبحت جزءاً من كل الطبعات فيما بعد، وفي ضوء ذلك نستعرض ما كتبه سعيد. يصف سعيد في مقدمة حديثهٌ العمل إنه نص محكم يروي قصة العودة بعد سنوات من النفي بعيداً عن رام الله، في سبتمبر 1996، وأنها واحدة من أرفع أشكال كتابة التجربة الوجودية للشتات الفلسطيني التي نمتلكها حتى الآن. وقال سعيد: "إن عظمة وقوة وطزاجة كتاب مريد البرغوثي تكمن في أنه يسجل بشكل دقيق مرجع هذا المزيج العاطفي كاملا وفي قدرته على أن يمنح وضوحاً وصفاء لدوامة من الأحاسيس والأفكار التي تسيطر على المرء في مثل هذ اللحظات...وأنه يعبر عن الوضع الراهن من خلال بداية روايته، حيث انبثق مشهد البداية أثناء وقوف البطل على الحدود". ونتج هذا المشهد بسبب عملية السلام بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات واسرائيل، والتي بدأت في سبتمبر 1993، وسمحت بعودة بعض الفلسطينيين من أهالي المناطق المحتلفة في 1967 إلى منازلهم، وهو ما أدى لزيارة البرغوثي لمدينته، بحسب ما ذكره سعيد. وأضاف سعيد أن السياسة في الكتابة ليست مقحمة أو قائمة على دوافع أيدولوجية أو تحريضية بل ناتجة عن الأوضاع المعيشية الحقيقية في حياة الفلسطينيين المحاطة بقيود تتعلق بالإقامة والرحيل، وإن وهذا الواقع جعل نص البرغوثي حافلاً بالهموم المرتبطة بحياة الفلسطيني كلاجيء، لا يمتلك حرية الحركة مثل باقي الشعوب الأرض، وإن امتلكوها فهم يحملون وزر كونهم مقتلعين وغرباء. ويحتوي النص على كثير من الأسئلة حول حياة الفلسطيني الغريب، أين يمكنه أو لا يمكنه الإقامة؟ وكم يمكنه البقاء؟ ومتى عليه أن يرحل؟ كما تحوم في أدواء الكتاب طول الوقت شخصيات ثقافية مرموقة كالروائي غسان كنفاني ورسام الكاريكاتير ناجي العلي، وكأن البرغوثي يذكرنا أن الفلسطيني مهما كان موهوباً أو مرموقاً يظل عرضة للموت المفاجيء والإختفاء الذي لا يمكن تفسيره، من هنا تظهر نغمة موجعة حزينة في السطور، على حد قول سعيد. وقال سعيد أيضاً: "إن كتابة البرغوثي وبشكل مدهش كتابة تخلو من المرارة فهو لا يلقي خطباً تحريضية رنانة ضد الإسرائيليين لما فعلوه ولا يحط من شأن القيادة الفلسطينية جراء الترتيبات التي وافقت عليها وقبلتها على الأرض". يقول البرغوثي في نصه: "يكفي أن يواجه المرء تجربة الاقتلاع الأولى حتى يصبح مقتلعاً من هنا إلى الأبدية"، ويعلق سعيد على هذه الجملة تحديداً، بالرغم من الفرح ولحظات النشوة التي يحملها النص فإن جوهره يستحضر المنفى لا العودة... هذا الكتاب يجسد لنا التجربة الفلسطينية بأسلوب جديد ويمنحها معنى جديد" .