فى إطار المشروعات القومية التى تتبناها الدولة منذ عدة سنوات والتى تهدف إلى وضع مصر فى مكانها الصحيح بين الدول، شرعت الحكومة، بمبادرة ورعاية من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى تنفيذ المشروع القومى لتطوير جميع القرى المصرية، خلال ثلاث سنوات، باستثمارات تبلغ 515 مليار جنيه. وتنبع أهمية المشروع من حجم القرى التى يستهدفها والبالغ عددها نحو 4741 قرية، فضلا عن العزب، والكفور، والنجوع، ويعيش فيها 56% من السكان، ومن الإيمان بأهمية التنمية المحلية والريفية المستدامة التى أصبحت تمثل هدفا رئيسيا تسعى إلى تحقيقه حكومات جميع الدول النامية والمتقدمة على حد سواء. ولما كان المشروع بهذه الضخامة، من حيث عدد القرى التى يشملها، وحجم التكلفة المقدرة له، وما يهدف إليه من تطوير شامل للبنية الأساسية وللخدمات العامة، فضلا عن المشروعات الاقتصادية والصناعات الريفية، فإن الأمر يقتضى أن يكون هناك تعاون وتكامل فى الأدوار بين الحكومة المركزية وجميع الفاعلين على المستوى المحلى (المحافظات، والمراكز، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدنى، والمواطنين) فى إطار الحوكمة المحلية. فالمشاركة فى تنفيذه من جميع مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية ورجال الأعمال والمواطنين تعتبر ضرورية ومهمة، لأن التنمية الريفية عملية مستمرة ولن تنتهى أو تتوقف بالانتهاء من تنفيذ المشروع فى الفترة الزمنية المحددة له. فللحكومة المركزية دورها فى التخطيط والتمويل والرقابة ووضع المعايير إلى جانب التنسيق بين الوزارات والهيئات المختلفة، كالإسكان، والكهرباء، والصحة، والتعليم، والصناعة، والتضامن الاجتماعى، وغيرها من الوزارات التى تمتد فروعها وهيئاتها العامة وشركاتها المختلفة إلى المحافظات ووحداتها المحلية. ويمكن أن يتم هذا التنسيق، من خلال وزارة التنمية المحلية، باعتبارها الوزارة المسئولة عن التنمية المحلية والريفية، والمرتبطة مباشرة بالمحافظات أو من خلال هيئة أو لجنة قومية يتم فيها تمثيل هذه الوزارات والهيئات العامة، وتتبع رئيس الجمهورية أو رئيس الوزارة مباشرة، لتسهيل عملية التنسيق. *** ويأتى دور المحافظات والمراكز، باعتبارها الأقرب إلى سكان الريف والأكثر دراية بظروفهم المحلية، والأكثر قدرة على المراقبة وتنسيق أنشطة المشروع على مستوى القرية، وربط المسئولين الحكوميين وسكان القرى، ورفع تقارير عن مستويات الإنجاز إلى المستويات الحكومية الأعلى. كما أنها أكثر قدرة على تحديد مجالات وفرص الاستثمار، طبقًا لما يتوافق مع ظروف كل قرية، وتشجيع المستثمرين على استغلالها فى مشروعات توفر فرص العمل وتعود بالفائدة على المجتمعات الريفية، مع العمل على تسهيل إجراءات التراخيص والتشغيل وممارسة النشاط، وتوفير الأراضى والمبانى، لإقامة هذه المشروعات، سواء من خلال التخصيص أو التأجير بأسعار أقل من أسعار السوق. كما يمكنها التعاقد مع القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية لتوفير خدمات مثل جمع القمامة، ونظافة الشوارع، مع احتفاظ هذه الوحدات المحلية بسلطة تحديد مستوى الخدمات ودورها فى تمويلها جزئيا أو كليا. ويمكن إشراك المنظمات والجمعيات الأهلية المتواجدة فى القرى فى تنفيذ المشروع، خاصة فى توفير شبكات الضمان الاجتماعى، والتخفيف من حدة الفقر، حيث تتمتع هذه المنظمات والجمعيات الأهلية بعلاقات قوية داخل مجتمعاتها، ويمكنها تنظيم الفقراء بشكل أفضل. كما تستطيع إشراك الأفراد فى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وتعبئة جهودهم وحملهم على المشاركة فى المشروع، والرقابة على أداء الجهات المنفذة له. ويمكن للقطاع الخاص أن يؤدى دورا مهما فى تنفيذ المشروع وتحقيق التنمية الريفية، لما يتوافر لديه من الكفاءات والخبرات الإدارية والفنية والموارد المالية اللازمة، من خلال الاستثمار فى مشروعات ربحية تعود بالفائدة على المجتمع الريفى وتساهم فى تنميته، وذلك فى إطار المسئولية الاجتماعية. كما يمكن تكوين شركات مساهمة تستفيد من مدخرات المواطنين فى القرى واستثمارها فى مشروعات تحقق لهم عوائد مجزية من ناحية، وتوفر فرص العمل والخدمات والسلع التى تحتاجها مجتمعاتهم، بدلا من تركهم لما يسمى بشركات توظيف الأموال الوهمية والنصابين. وفيما يتعلق بدور المواطنين الريفيين، فإن مشاركتهم فى المشروع تعتبر عاملا حاسما فى نجاحه والحفاظ على ما ينتج عنه من مشروعات خدمية واقتصادية. وهنا، يتعين على المحافظات والمراكز خلق البيئة المشجعة على إشراك المواطنين، من خلال لقاءات دورية واجتماعات مفتوحة مع المسئولين المحليين. وتكون الدعوة لهذه الاجتماعات مفتوحة أمام المواطنين ومنظمات المجتمع المدنى، ليشاركوا فى مناقشة مشكلاتهم ووضع أولوياتهم، كما يرونها، بحيث تصبح مرشدا لهؤلاء المسئولين المحليين عند اتخاذهم القرارات التى تتعلق بعملية الاستثمار والتنمية الريفية. وبالإضافة إلى ما سبق، يمكن إتاحة آليات أخرى للمواطنين، ليتم من خلالها التعرف على مقترحاتهم وآرائهم وشكاواهم، وإشراكهم فى وضع الخطط والموازنات الخاصة بقراهم، وذلك مثل صناديق معدة لهذا الغرض أو تشكيل لجان للتخطيط التشاركى فى مناطق معينة بالقرية يشارك المواطنون فى اجتماعاتها. *** ولما كانت المجالس المحلية لا تغطى سوى نسبة محدودة من القرى المصرية لا تتجاوز 29% تقريبا من إجمالى القرى الأم والقرى التوابع، مقارنة بالدول الأخرى، فإنه يمكن التوسع فى تحويل بعض القرى التابعة إلى وحدات محلية، بحيث يكون فى كل منها مجلس محلى يمثل المواطنين فى هذه القرية، إلى جانب مجلس تنفيذى. كما يمكن أيضا إنشاء لجان محلية منتخبة فى القرى الأخرى تتبع المجالس المنتخبة، بحيث تكون مسئولة عن وضع خطط الاستثمارات المحلية، ومراقبة كيفية تنفيذ المشروعات المحلية. وقد قامت دول عديدة بإنشاء شبكات قروية تهدف إلى تأييد ودعم الجماعات المجتمعية النشيطة، وتحسين قدراتها على التعاون والتفاعل مع المجالس المحلية. ويتم تكوين هذه الشبكات عن طريق انتخابات محلية على مستوى القرية، وتحت إشراف أعضاء المجالس المحلية. وتخضع عملية اختيار أعضاء الشبكة القروية (بمتوسط 5 أشخاص للشبكة الواحدة) لشروط ومعايير صارمة تضمن كفاءة أداء هذه الشبكات، كما يلى: أن يكون الشخص على قدر كاف من التعليم، ومن سكان القرية أو الوحدة المحلية، وحسن السلوك والسمعة، وألا يقل عمره عن 21 عاما، وأن يكون لديه استعداد للعمل التطوعى وخدمة المجتمع. ومما لا شك فيه أن إصدار قانون الإدارة المحلية وتشكيل المجالس المحلية فى الفترة القادمة سوف يوفر إطارا مؤسسيا مهما، لإشراك المواطنين المحليين فى إعداد وتنفيذ المشروعات المحلية فى المجالات المختلفة: التعليم، والرى، والصرف الصحى، ورصف الطرق، وغيرها من المشروعات الخدمية والاقتصادية. كما يمكن أن يمثل فرصة لاستحداث الآليات التى تكفل إشراك المواطنين فى مناقشة مشاكلهم وتحديد أولوياتهم، وتدبير التمويل اللازم لإقامة هذه المشروعات. وفى كل الأحوال، يجب أن تتوافر الشفافية اللازمة، لإمداد المواطنين بالمعلومات المتعلقة بمشروعاتهم، والتأكيد على ضرورة تكامل أدوار الحكومة المركزية والوحدات المحلية، والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى، والمواطنين، بما يكفل فى النهاية نجاح تنفيذ المشروع القومى لتطوير القرى المصرية، وتحقيق التنمية الريفية المستدامة، خاصة فى ظل توافر أهم شروط نجاح المشروع، وهو الالتزام والدعم السياسى من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية.