«تحولت البلدة كلها إلى فخ من الوحل، أخشى أن تسقط وأن تتلوث ثيابها البيضاء». منسى قنديل لا يكتب عن القرية فى «طبيب أرياف» بل يريك إياها، لا يخبرك أن القرية مريضة وفقيرة وجاهلة لكنه يجعلك تشم رائحة الدواء وترى البيوت الطينية والجلاليب المهترئة والنظرات المتربصة بكل من هو مختلف. «طبيب أرياف» رواية بديعة، عن طبيب شاب يعانى من الوحدة فى قرية نائية بالصعيد، فى أيامه الأولى بالعمل يقع فى غرام ممرضة ريفية، لكن المفاجأة، هى متزوجة. الرواية تدور فى أواخر حكم الرئيس السادات وبداية تسلم الرئيس مبارك للسلطة، والطبيب سبق اعتقاله فى بداية حياته ما دمر له مستقبله فى القاهرة. وترصد الرواية سلسلة من قصص وحكايات أهل القرية، زوجة العمدة الشابة الخائنة، والأرملة الثرية المسلمة التى تحب الترزى المسيحى فتتربص بها عائلة زوجها الراحل، بينما يعانى الطبيب من حبه المستحيل للممرضة. لا يُخبرك منسى قنديل بشىء لكنه يُظهر لك كل شىء، لا يكتب عن سحق المجتمع لفرد بل يبكيك على شخصيات الرواية، فوصفه ينعش النص ويعطيه مسحة حياة، يريك الجانب الحسى. وربما أجمل ما فى الرواية هى عالم «الجازية» الغجرية وحكايتها السحرية للسيرة الهلالية التى ترويها للفلاحين؛ حيث يستخدم قنديل تقنية الدمية الروسية؛ حيث القصة بداخلها قصة أخرى. و«طبيب أرياف» صدرت عام 2020 عن دار الشروق، وهى من 282 صفحة وتتوفر نسختها الإلكترونية عبر موقع دار الشروق وجوجل بلاى، كما يتوفر منها نسخ صوتية عبر تطبيقى اقرأ لى واستورى تيل، وهى الرواية السابعة لكاتبها بعد انكسار الروح (1988)، قمر على سمرقند (2005)، يوم غائم فى البر الغربى (2009)، أنا عشقت (2012)، كتيبة سوداء (2015). ومحمد المنسى قنديل ولد فى المحلة الكبرى عام 1949 وتخرج فى كلية طب المنصورة، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1988 عن مجموعته القصصية: من قتل مريم الصافى. وكتب قنديل أكثر من سيناريو للسينما والتليفزيون منهم سيناريو فيلم أيس كريم فى جليم (1992) بالمشاركة مع مدحت العدل والفيلم للمخرج خيرى بشارة وبطولة عمرو دياب. «جذور المرض مقيمة فى مصر بينما الصحة عرض زائل، مثلما تمَ خلق الظلام وجعله مقيما فى مصر، راقدا فى ثنايا تربتها ووضع النور فى أماكن أخرى». قرأت الرواية ككتاب إلكترونى.