خيمة مصنوعة من القش مساحتها 3 فى 4 أمتار تقريبا، تخترقها أشعة الشمس الملتهبة فى فصل الصيف ولا تبخل عليها الأمطار من قطراتها المنهمرة فى فصل الخريف كما لا تحمى ساكنيها من برد الشتاء، ودورات مياه جماعية مساحتها متر فى متر ونصف المتر، لا تزيد على كونها حفرة صغيرة، ومطبخا ليس به سوى بضعة أوانٍ قديمة ومتهالكة توضع فيها المعونات الغذائية. هذا هو واقع الحياة المعاش للنازحين الدارفوريين فى معسكر السلام. يعد معسكر السلام من أفضل المعسكرات التى تأوى نازحى دارفور سواء من حيث الظروف المعيشية أو من حيث الأوضاع الأمنية. وقد افتتح فى 17 يونيو 2005 بعد تزايد أعداد النازحين الدارفوريين وهو الآن يقدم المأوى لنحو 48 ألفا من اللاجئين والنازحين. وينقسم المعسكر لخمس وحدات، تضم كل وحدة مجموعة متقاربة من 28 قبيلة من العرب والزرقة. ويعتمد سكان المخيم فى غذائهم ودوائهم بالأساس على ما تقدمه منظمات وجمعيات الإغاثة الدولية، بما فيها تلك التابعة للأمم المتحدة، بالتعاون مع منظمة الهلال الأحمر الوطنية، حيث يقومون بتوزيع الذرة والزيت والسكر والملح والعدس والخلطة (وهى مجموعة من البقوليات مطحونة كطعام للأطفال). وعلى حد قول أغلب النازحين، فإن حصة الفرد شهريا كانت سابقا نحو 15 كيلو من الغذاء، لكنها تناقصت بنسبة 50%، وتناقصت أكثر بعد طرد المنظمات. وفقا لمحمد عبدالله يونس، مدير المعسكر، فإن النازحين يتلقون خمس خدمات أساسية هناك، هى الرعاية الصحية والأمن والغذاء والماء والتعليم. ولا يعتد يونس كثيرا بتأثير قرار الحكومة السودانية بطرد 13 من منظمات الإغاثة العاملة فى دارفور. ويقول «إنه كان يجب طردها مبكرا لأنها تعمل على تعقيد المشكلات وتتاجر بقضية دارفور». ويزعم يونس أنه لا يوجد تأثير سلبى للطرد، فالحكومة قد وضعت تدابير لسد النقص الذى قد يحدثه غياب المنظمات. محمود إلياس أحمد، هو أحد الشباب النازحين فى مخيم السلام، وكان مزارعا، وهو متزوج وله ستة أبناء. يسعى حاليا للانتهاء من تعليمه الجامعى من خلال الانتساب إلى قسم اللغة الانجليزية بجامعة الفاشر. ويقول أحمد إنه بعد أن تمكن من الوصول إلى معسكر السلام استطاع أن يتخلص مؤقتا من المخاوف الأمنية التى كانت تهدده وأسرته، غير أنه لا يزال يعانى صعوبة الحياة فى المخيم، حيث الغذاء شحيح والتدفئة شبه منعدمة فى الشتاء والحر الشديد أمر لا مفر منه فى الصيف. ولكن الهم الأكبر بالنسبة لأحمد هو المستقبل. فأحمد ليس واثقا من أن مشكلة دارفور يمكن حلها بسهولة، ليس فقط بسبب التناحر بين الحكومة وحركات التمرد ولكن أيضا لأن هناك الكثيرين، على ما يقول، لا تهتم بهم أى من حركات التمرد أو الحكومة. ويقول أحمد «نحن لا تمثلنا الحركات المسلحة، ولا الحكومة». ويضيف «إننى أعيش فى هذا المخيم من أربعة أعوام، ولم يطرأ أى تحسن يذكر على حالتى، فى حين إن بعض قيادات التمرد يعيشون فى فنادق راقية فى العواصم الأوروبية». ويشعر أحمد بالحيرة إزاء القرار الأخير للحكومة السودانية بطرد عدد من المنظمات الإغاثية، فهو من ناحية لا يستطيع التخلى عن العون الذى يعيش وأسرته عليه، ومن ناحية أخرى لا يقبل، كما يقول، أن تتورط هذه المنظمات فى أعمال التجسس التى تدعيها الحكومة. والمشكلة بالنسبة لأحمد بالغة التعقيد فهو غير راضٍ عن الحكومة وغير راضٍ عن حركات التمرد، ولكنه أيضا غير راغب فى أن تتحول المأساة الإنسانية لنازحى دارفور لجسر يعود عليه «الاستعمار الجديد» إلى السودان. وأحمد يقول إنه أيضا يرفض قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السودانى عمر البشير لمواجهة تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى دارفور لأنه لا يثق فى أن النوايا وراء هذه المذكرة ترتبط بإنصاف النازحين واللاجئين من أهالى دارفور. إن أحمد يخشى أن يتسبب قرار التوقيف هذا، كما يقول، فى إثارة المزيد من الفتنة مما سيتسبب فى تدهور الأوضاع الأمنية داخل معسكرات اللاجئين أنفسهم. ويقول أحمد «إن ما نحتاجه هو الأمان، والعودة إلى قرانا والمشاركة فى عمليات التنمية بهذه القرى». وبرأيه فإن ما يحقق تلك الأهداف هو تحقيق السلام وليس إصدار قرار بتوقيف البشير. أما محمد بلال سليمان، وهو أحد العمد ال34 فى معسكر السلام، فيعترف بأن «المشكلة الأساسية التى يعانى منها النازحون الآن هى الهلع من طرد المنظمات خوفا من انقطاع المعونات التى كانت تقدمها لهم». ويقول سليمان إن وعود الحكومة بتدبير النقص المتوقع من المواد الإغاثية لم يلق تجاوبا من النازحين خاصة أن الحكومة لم تبدأ حتى الآن فى توفير أى بدائل. أما عمار حسن إبراهيم 21 سنة فيقول «إننا نأكل الذرة يوميا وفى حال طرد المنظمات فإننا لن نجد حتى هذه الذرة».