فى مساء الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 أسرعت الخطى عبر بستان تفاح مظلم إلى أقرب جهاز تليفزيون فى هذه القرية بجبال الهيمالايا. فتح صاحب البيت الذى أسكن فيه الباب على مضض، ثم بدا غير متأثر بالخبر الذى تلقيته للتو بالتليفون. بذلت جهدا فى شرح جسامة ما كان يحدث، وأهمية نيويورك، والوضع الأيقونى لمركز التجارة العالمى، ولكن بلا جدوى. وحان موعد صلاته المسائية، فكان لا بد من إغلاق التليفزيون. لم أشاهد مناظر الحادى عشر من سبتمبر المرعبة إلا بعد ثلاثة أيام. ومنذ ذلك الحين، وصل التليفزيون الكيبل وحتى خدمة إنترنت الموجة العريضة إلى ماشوبرا وفى بيتى. والآن فظائع العالم العديدة متاحة باستمرار للتفتيش السريع على قنوات الأخبار الهندية العديدة التى تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة. بل إن الهجوم الإرهابى الوحشى على مومباى الذى أودى بحياة 163 شخصا قبل عام أُعلن على الفور باعتباره الحادى عشر من سبتمبر الخاص بالهند بواسطة مذيعى التليفزيون الشبان فى البلاد، الذين اتخذوا هيئة شين هانيتى وبيل أوريلى. إلا أنه فى الذكرى الأولى ل«السادس والعشرين من نوفمبر» يبدو الأمر بعيدا بُعْد الحادى عشر من سبتمبر بالنسبة لسكان هذه القرية. ليس هناك لغز كبير وراء هذه اللامبالاة التى يمكن تمييزها عن القسوة. فالهند، حيث ما زال معظم الناس يعتمدون على الزراعة فى كسب رزقهم، عانت للتو من واحدة من أخطر موجات الجفاف منذ عشرات السنين. والتوقعات الخاصة بمحاصيل الشتاء تبعث على الكآبة: فقد انتحر مزارعون كثيرون فى الشهور الأخيرة، مما يزيد من وباء الانتحار الريفى على مدى السنوات القليلة الماضية. من الناحية السياسية كذلك، تتقاذف الأزمات الهند فى السنة الأخيرة. وقد أنقذها التنظيم المالى الحكيم من أن ينالها أسوأ آثار الركود الاقتصادى العالمى. ولكن غضب الأشخاص الذين لا يشعرون بأن النمو الاقتصادى، الذى تحركه الشركات ذات التوجه الحضرى لم يتجاوزهم فحسب، بل ضحى بهم، قد ثار ليصبح عنفا، وقد دعت الحكومة الهندية إلى شن حرب شاملة ضد الجماعات المتمردة الماوية التى تدير حاليا أجزاء من وسط الهند. وما زال التمرد المضاد للهند فى كشمير والشمال الشرقى يجيش محدثا خسائر يومية لا يُبلَّغ عنها بشكل كامل ولكنها كبيرة. ومن الناحية الجيوبوليتيكية، انكمشت المساحة التى تسمح للهند بالمناورة منذ هجمات مومباى. وفى شهر نوفمبر الماضى انصب غضب القوميين من الطبقة الوسطى على باكستان حيث جرى التخطيط للهجمات وتمويلها بشكل جزئى، وإن كان الغضب موجها فى الأصل إلى السلطات الهندية غير الكفء. وصف الكاتب شاشى تارور «قادة الهند ومفكريها الاستراتيجيين» وهم يشاهدون هجوم إسرائيل على غزة فى الشتاء الماضى ب«تعاطف»، ويتساءلون: «لمَ لا يمكن فعل الشىء نفسه؟» ونأمل أن يكون السيد تارور، الذى أصبح منذ ذلك الحين وزير الدولة للشئون الخارجية الهندى، أكثر وعيا بعدم استطاعة الهند عمل ما حدث فى غزة أو لبنان على أرض جارتها المسلحة نوويّا. مع تزايد القلق الغربى بشأن استقرار باكستان المسلحة نوويّا، لا يمكن للهند تحمل تبعات الخطاب العدوانى، ناهيك عن الرد العسكرى، ضد عدوها القديم. فما زالت باكستان مهمة للحملات الغربية ضد القاعدة وطالبان. وعلى أثر ذلك وإدراكا من باكستان لأهميتها الإستراتيجية، فهى ليست فى عجلة من أمرها بشأن الموافقة على مطالب الهند الخاصة بمحاكمة المسئولين عن مذبحة مومباى. (هناك أمل فى أن تكون التهم الموجهة إلى سبعة متشددين يوم الأربعاء بمثابة إشارة على حدوث تغيير حقيقى). وقد زادت إسلام أباد من حدة لغتها كذلك باتهامها الهند بمساندة الحركة الانفصالية العنيفة فى بلوشستان الواقعة فى غرب باكستان. ويثير ما يبدو عجزا هنديّا غضب الإعلام اليمينى الجديد الحريص على إحياء ذكرى السادس والعشرين من نوفمبر، وقد جعل ذلك الاختزال المصطنع دلالة على إذلال الهند وعارها الذى لم يُنتقَم له. وعبَّر باربو تشاولا، رئيس تحرير «إنديا توداى»، وهى المجلة الإخبارية الأولى فى البلاد، عن إحباط قوميى الطبقة الوسطى: «لا تعرف الهند التى تقسمها السياسة ما الذى يجب عمله مع عدوها أو مع روحها القومية التى لحق بها ضرر بالغ. ونحن لا نفهم شيئا تماما مثلما كنا فى تلك الليلة الكئيبة من شهر نوفمبر العام الماضى». ربما يكون هذا صحيحا. ولكن فى بلد يعيش فيه 400 مليون شخص بلا وصول كهرباء يكون من الصعب خلق الإجماع الوطنى أو الحفاظ عليه. وعلى أى الأحوال فإن الأمور ليست بالسوء الذى يحاول المنتقدون إثباته. فقاتل مومباى الوحيد الذى بقى على قيد الحياة تجرى محاكمته، ويجرى شيئا فشيئا الكشف عن المتواطئين معه. ولم تكن هناك هجمات انتقامية كبيرة ضد المسلمين. وهناك الآن تزايد فى الوعى المدنى، بل والسياسى، بين الهنود الأغنياء، الذين كانوا حتى مذبحة مومباى غير متأثرين بشكل كبير بتفجيراتنا الإرهابية المتكررة. ربما كانت الهند سلبية بعد هجمات مومباى. ولكن الهند لم تشن حروبا ضد أسماء مجردة أو بلاد فعلية تأمل الفوز فيها أو الانسحاب منها. والحقيقة الآن أن أى هجوم إرهابى آخر على مدننا الكبيرة المتسمة بالفوضى محتمل جدّا، ولكن من غير المرجح أن يكون له ذلك الأثر الذى كان لأحداث الحادى عشر من سبتمبر على أمريكا. هذا إلى حد كبير لأن العديد من الهنود لا يزالون يعيشون مع الإحساس بالأزمة الدائمة، الخاصة بعالم مضطرب، حيث يمكن احتواء العنف ولكن لا يمكن منعه بشكل كامل، وحيث سرعان ما يكشف العمل الإنسانى عند حدوده المأساوية. وأشعر فى قريتى بأن القدرية يمكن أن تكون سلوى الضعفاء، والعاجزين عن تشكيل العالم على النحو الذى يحقق غاياتهم. ولكنها توفر كذلك قيدا مدمجا يحول دون تفشى غطرسة القوة، وتلك العجرفة التى جعلت من رد أمريكا على هجمات الحادى عشر من سبتمبر ذا أثر عكسى على نحو مفجع. New York Times Syndication Service