رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وانخفاض درجات الحرارة (تفاصيل)    مستشار ترامب: استهداف المدنيين المتعمد في الفاشر مروع وغير مقبول    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    مانشستر سيتى وجها لوجه أمام برينتفورد فى ربع نهائى كأس كاراباو    ارتفاع أرباح إيرباص بنسبة 46% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025    مصطفى محمد يسجل في خسارة نانت أمام موناكو في الدوري الفرنسي    بايرن ميونخ يسحق كولن برباعية ويتأهل بثقة إلى ثمن نهائي كأس ألمانيا    توروب يعطي الضوء الأخضر لرحيل نجم الأهلي.. مدحت شلبي يكشف    مدمن مخدرات يشعل النيران في شقته وزوجته وأبنائه.. والتحريات: الحريق جنائي    دنيا سمير غانم تنعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح وتدعو لهما بالرحمة    الفتة المصرية ب طشة الثوم.. طبق واحد يجمع العائلة (ب نص كيلو لحمة)    أمريكا.. إدانة نائب قائد شرطة بولاية إلينوي بقتل امرأة من ذوي البشرة السمراء    محمد علي السيد يكتب: التجريدة المغربية الثانية.. مصر73    قرار عاجل من «التعليم» بشأن معلمي الحصة خريجي الشريعة وأصول الدين (تفاصيل)    اللواء سمير فرج: مصر تعمل على تثبيت الهدنة ودعم جهود إعادة الإعمار وترفض تهجير الفلسطينيين من غزة    وكيل لاعبين: النظام المتبع فى الزمالك يسهل فسخ العقود من طرف واحد    تشالهان أوجلو يقود إنتر للانتصار بثلاثية زيادة جراح فيورنتينا    موعد صرف المعاشات لشهر نوفمبر فى أسيوط    التحفظ على جثة المصور كيرلس صلاح بمستشفى القنطرة شرق العام ب الإسماعيلية    محامي شهود الإثبات: الأيام القادمة ستكشف مفاجآت أكبر في القضية التي هزت الإسماعيلية    ترامب: كوريا الجنوبية ستدفع 350 مليار دولار مقابل خفض الرسوم الجمركية    «ورد وشوكولاتة».. محمد فراج وزينة بطلا أشهر جريمة قتل    فاهمة الحياة كويس.. أهم 3 أبراج حكيمة وعاقلة ترى ما بعد الحدث    ليس لهم أي انتماء سياسي، حماس ترسل إلى مصر قائمة من 45 شخصية مستقلة لتولي إدارة غزة    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد عيادات التأمين الصحي بالعريش    هيئة الغذاء والدواء الأمريكية تأمر بتسريع تطوير أدوية حيوية أرخص    كواليس العثور على جثة شاب مشنوقا داخل شقته بأوسيم    ترامب: تصريحات بيل جيتس تظهر أننا انتصرنا على "خدعة المناخ"    بيراميدز يواجه التأمين الإثيوبي في مهمة حسم التأهل لدور المجموعات الإفريقي    مصطفى محمد يسجل في هزيمة نانت أمام موناكو بالدوري الفرنسي    قبل ساعات من افتتاحه، اختصاصات مجلس إدارة هيئة المتحف المصري الكبير    أبراج وشها مكشوف.. 5 أبراج مبتعرفش تمسك لسانها    علي صوتك بالغنا، افتتاحية نارية لمدربي "The Voice" في موسمه السادس (فيديو)    تحرير 977 مخالفة مرورية في حملات أمنية على شوارع قنا لاعادة الانضباط    الحبس شهر وغرامة 100 ألف جنيه عقوبة دخول المناطق الأثرية بدون ترخيص    تصاعد اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية.. وهجوم على قرية "برقا"    5 ساعات حذِرة.. بيان مهم ل الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم: ترقبوا الطرق    من تأمين المصنع إلى الإتجار بالمخدرات.. 10 سنوات خلف القضبان لاتجاره في السموم والسلاح بشبرا    النيابة الإدارية تُعاين موقع حريق مخبز بمنطقة الشيخ هارون بمدينة أسوان    متهمين جدد.. تطور جديد في واقعة قتل أطفال اللبيني ووالدتهم    بالصور.. تكريم أبطال جودة الخدمة الصحية بسوهاج بعد اعتماد وحدات الرعاية الأولية من GAHAR    أسعار الذهب فى أسيوط الخميس 30102025    أخبار × 24 ساعة.. مدبولى: افتتاح المتحف المصرى الكبير يناسب مكانة مصر    الشرقية تتزين بالأعلام واللافتات استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير    حارس بتروجت: كنا نطمع في الفوز على الأهلي    ارتفاع الأخضر عالميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الخميس بغد قرار الفيدرالي    المالية: حققنا 20 إصلاحا فى مجال التسهيلات الضريبية    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الخميس 30102025    رسميًا.. أسعار استخراج جواز سفر مستعجل 2025 بعد قرار زيادة الرسوم الأخير (تفاصيل)    مطروح تستعد ل فصل الشتاء ب 86 مخرا للسيول    جامعة المنيا: فوز فريق بحثي بكلية الصيدلة بمشروع بحثي ممول من الاتحاد الأوروبي    ختام البرنامج التدريبي بجامعة المنيا لتعزيز معايير الرعاية المتمركزة حول المريض    سوهاج تكرّم 400 من الكوادر الطبية والإدارية تقديرًا لجهودهم    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    محاكمة صحفية لوزير الحربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يريد الحب لا يهرب من ذاته
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 01 - 2021

زادت نسبة الأمراض النفسية فى عصرنا الحديث بشكل غير مسبوق، وكان لمرض الكورونا تأثير سلبى خطير على صحة الفرد والمجتمع بما خلقه من خوف جماعى من عدوٍ مجهول، فنسبة مرضى الاكتئاب والتوتر (depression, anxiety) تعدت 30% من سكان العالم. وهو يختلف عن الحزن والخوف الممنطق فى أنه يؤثر على قدرة الإنسان على العمل والإنتاج والحياة الاجتماعية، ويولد أمراضا عضوية من سكر وضغط وأمراض مناعة وسرطان وحساسية، ويؤدى إلى الوفاة إذا لم يشخص ويعالج، ويكفى أن نعرف أن الانتحار ثانى سبب للوفاة بعد الحوادث فى الفئة العمرية من 15 إلى 30 عاما فى مصر والعالم.. بالطبع هذه الأمراض مثل غيرها لها درجات والمريض يحتاج إلى علاج يتراوح ما بين جلسات علاج نفسى وما بين دواء يضبط اضطراب كيميائى فى المخ يصاحب هذه الأمراض. وكأى مرض فقد أعطتنا الطبيعة جهازا مناعيا يحمينا ويساعدنا على الشفاء بشكل تلقائى إذا أصبنا. وما يلى محاولة لفتح نافذة على إحدى هذه الأدوات التى ترتكز على علم جذوره ضاربة فى تاريخ الإنسانية عابرة للأيديولوجيات نابعة من بحث الفرد عبر التاريخ عن معنى للحياة منذ الولادة حتى الوفاة، فرحلة البحث عن الإجابة فريدة لكلٍ منا، تثرينا وتطمئننا وتبنى أوتادا قوية لشخصيتنا تجعلنا أكثر قدرة على مواجهة هجمات الاكتئاب والخوف والتوتر التى أصبحت هى «الجائحة المرضية» الأكبر والأكثر استمرارية عن الكورونا.
***
بدأت الحياة ببروتونات واليكترونات تلف حول نفسها فى توازن عبقرى سواه الخالق تصنع خلية ثم ولد من هذا التوازن كل الحياة على كوكبنا. فخلايانا وأنسجتنا وأعضاؤنا كلها تعمل فى توازن مبهر، نعيش فى طبيعة التوازن فيها بين المخلوقات أساسا لاستمرارنا (بشرا، حيوانات، ميكروبات، نباتا، بحارا، رياحا، صحراء، غلافا جويا...) كلنا فى توازن دقيق، أى اختلال فيه ينتج عنه تعديل ذاتى يصلح هذا التوازن ويعيده بقوة، وإذا لزم الأمر بقسوة، فالأعاصير والهزات الأرضية والأوبئة مثل الكورونا كلها ردود أفعال الطبيعة لإعادة التوازن بين المخلوقات على ظهر الكوكب.
انعكس هذا على مثلث تكويننا: «الجسد» و«العقل» و«الروح»، كلٌ منهم أساسى للحياة كما نعرفها على الأرض، وإدراكنا لهذه الحقيقة يحل إشكاليتين: أولاهما الانتباه إلى أهمية التوازن بينهم وأننا نعيش اختلالا فى عالمنا الحديث؛ حيث لم تعد حياتنا اليومية تقدم لنا بيئة طبيعية لتغذية كلٍ منهم بالتساوى، فنحن لا نتحرك ولا نأكل بشكل صحى، ونستخدم عقولنا بشكل سريع ومكثف فنقوم بعمل أكثر من نشاط ذهنى فى آن واحد، وتقلصت لحظات الروحانية فى يومنا لتنحصر فى عبادات روتينية لا نعطيها العمق ولا التركيز الكافى لنرتكز عليها ولتساعدنا على التحرر من الخوف والقلق، فلا نحادث أنفسنا ولا أرواحنا ولا نتواصل معها. يقول الحلاج فى الحب الإلهى: «كتبت ولم أكتب إليك وإنما، كتبت إلى روحى بغير كتاب، ذلك أن الروح لا فرق بينها، وبين محبيها بفصل خطاب»، فالقلوب سكن الأرواح وأرواحنا من روح الله عز وجل، فما علينا سوى أن نلمس أرواحنا ونغذيها كما نغذى أجسادنا وعقولنا حتى نطمئن ونرضى ونتحصن من الخوف. الإشكالية الثانية التى تساعدنا على فكها معرفتنا بمثلث «العقل والروح والجسد» هى فكرة الخوف من الموت وارتباطه بالفناء، وهو أمر شغل الإنسان على مر الزمان.
***
هناك مسارات عصبية تصل بين عقل الإنسان وقلبه؛ فالصحة البدنية والنفسية مترابطة وكلاهما يؤثر على الآخر، ومساحة الروحانية فى حياة الفرد ثبت أنها تؤثر بشكل إيجابى على صفاء ذهنه وشغفه وطاقته للعطاء. «عقلنا» هو الجزء من تكويننا الأقرب إلينا، فنحن نستخدمه طوال يومنا ولا أحد منا يتوقف عن التفكير الواعى ونحن مستيقظون أو اللا وعى أثناء نومنا، وهو مصدر قوتنا وتفوقنا على باقى كائنات العالم. وإذا ترك بدون رابط يكون مصدرا لألم وحيرة وتوتر خاصة إذا تسارعت الأفكار دون منطق، وهو ما يحدث عندما نوضع تحت ضغوط نفسية أو عصبية. تغذيته هامة لتركيزنا وبصيرتنا وقدرتنا على الحفاظ على علاقتنا مع الغير، فغذاء العقل يكون بأنشطة تحفز التفكير خارج الأطر المألوفة لنا بشرط أن يكون هذا النشاط ممتعا لنا إما بكتاب أو فيلم تسجيلى أو السفر، وألا يفرض علينا بحكم تخصصنا، فإن لم نغذِه بحب وضغطنا عليه فقط بالعمل والدراسة والتخطيط للمستقبل فإننا ندفعه للاحتراق فيخرج عن السيطرة ويعمل بسرعة وعشوائية تدخلنا فى نفق «القلق والتوتر».
***
لكى نخلق توازنا يمنع العقل من أن يرمح بلا رابط فعلينا أن نغذى الجسد بنفس الاهتمام والحب فننخرط فى الحركة إما برياضة تسعدنا أو بأعمال يدوية تجذبنا (تريكو، حياكة، نجارة، إصلاح جهاز كهربائى، إصلاح سيارة، أعمال منزلية من نظافة وطبخ...) كل هذه الأشغال وغيرها تقوى أجسادنا وتجعلنا نتواصل مع كل جزء فيه فنعطيه من تركيزنا فتهدئ سرعة الأفكار المتلاحقة فى أذهاننا. الضلع الثالث فى مثلث تكويننا هو الروح وتغذيتها بما نحبه ونستمتع به مما يساعدنا على اكتشاف أنفسنا وفهمها، ثم يجعل تواصلنا مع الآخرين أعمق بشكل فيه تلامس لأرواحنا يطمئننا ويؤنسنا، إليكم أمثلة لكن لكلٍ منا ما يجذبه وما هو أقرب إلى روحه؛ اليوجا تقوى الجسد والنفس وتصفى الذهن فى آنٍ واحد.. التأمل (meditation) حيث يجلس الشخص فى وضع مريح لكنه منتبه ويركز فى شيء بعينه قد يكون الشهيق والزفير أو يكون صورة فى ذهنه ويدرب ذهنه على السكون.. الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية الغربية أو العربية التى تدعو إلى التركيز والطرب.. التسبيح حيث يردد الشخص كلمة أو جملة ويركز فى معناها مرات ومرات قد يصاحب هذا حركة متكررة على السبحة أو هز الجسد إلى الإمام والخلف بشكل آلى وهو أمر موجود فى معظم الأديان.. وهناك بالطبع مجالس إنشاد مثل الحضرة الصوفية أو الترانيم المسيحية، كما أن هناك ممارسات شعبية بعيدة عن المعتقدات الدينية يستخدم فيها آلات الإيقاع وهى موجودة فى ثقافات قديمة كثيرة فى أفريقيا وآسيا وتشبه كثيرا الزار فى الثقافة المصرية... كل هذه الممارسات سواء كانت دينية أو ثقافة شعبية فيها حركة للجسد وصفاء للذهن وإحساس بالراحة والسلام النفسى بعد الانتهاء منها، وكثير ما يخرج منها الفرد أكثر تواصلا مع ذاته ومع من شاركوه هذا الطقس سواء كان دينيا أو ثقافيا أو شعبيا.
فى نهاية الأمر من المهم أن ندرك أهمية «فهمنا وقبولنا وحبنا لأنفسنا، لمميزاتنا وعيوبنا وتفردنا، وأنها كلها سبب فى كوننا من نحن»، وأن نُثمِن أننا جميعا «جزء من الكل»، فكل منا مهم بمفرده لكننا معا نصنع العالم كما هو، أن نتذكر أن «التوازن بداخلنا هو جزء من توازن الكون»، وبدون اهتمامنا بمثلث تكويننا نمرض ويمرض معنا المجتمع، وأن استثمارنا فى أرواحنا ونحن فى الدنيا هو ما يجعل الموت الجزء الأكثر عبقرية فى الحياة، وأننا خلال حياتنا لدينا فرصة رائعة لنبقى دائما أبدا كأرواح داخل قلوب أحبتنا وعقولهم، عابرين للمكان والزمان، قادرين على التواصل معهم عبر أرواحنا التى لا تفنى عندما تتركنا أجسادنا المنهكة الجاهزة لتغيير ردائها أما أرواحنا فتبقى، ولذلك فالروح تستحق نفس الوقت والاهتمام فى الرعاية التى نعطيها لأجسادنا وعقولنا، وما أجمل من الحب المطلق غذاءً للروح، فأحبوا كثيرا حتى تجدوا أنفسكم. من أقوال جلال الدين الرومى، هذا الفيلسوف الشاعر عالم الشريعة الصوفى: «منْ يريدُ القمر لا يتجنَّب اللّيل، من يرغبُ فى الوَرد لا يخْشى أشْواكه، ومَن يسعى إِلى الحبّ لا يهرب من ذاتِه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.